"شبح الفقر" يلاحق العراقيين وإجراءات اقتصادية لتجاوز الأزمة
تستمر التوقعات المتشائمة حول الوضع الاقتصادي في العراق، في ظل تمدد فيروس كورونا وانعكاساته على أسعار النفط عالمياً، ما أدى إلى توقعات بانكماش الاقتصاد وزيادة معدلات الفقر بنسب كبيرة، للاعتماد شبه الكلي على النفط كرافد أساس للموازنة العامة.
وبالرغم من وصول العراق في سنوات عدة إلى موازنات هائلة، فإن استشراء الفساد المالي والإداري وغياب الخطط الاقتصادية والترهل الوظيفي الكبير في أجهزة الدولة وعدم الشروع بتنمية القطاعات الإنتاجية المحلية، أدى إلى إشكاليات اقتصادية معقدة زادت معدلات الفقر والبطالة.
مؤشرات انكماش وزيادة نسب الفقر
في المقابل، توقعت ممثلة الأمم المتحدة في بغداد جنين هينيس بلاسخارت، خلال إحاطتها الأخيرة "انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 9.7 في المئة، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى نحو 40 في المئة في 2020، فضلاً عن توقعات حدوث انخفاض في الفرص الاقتصادية".
ويدور الحديث في الأوساط الاقتصادية والسياسية عن جملة إجراءات على الحكومة العراقية اتخاذها لتجاوز الأمة، من خلال بيع سندات الخزينة والاقتراض ورفع أسعار صرف الدولار، فضلاً عن احتمالية تخفيض رواتب الموظفين.
في السياق ذاته، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، اليوم الثلاثاء، إنه "بالرغم من أن الثروة التي دخلت خزائن العراق على مدار السنوات الـ17 الماضية، كانت تكفي لإعادة بناء البلاد وتأسيس صندوق المستقبل، فإن الفساد قد استنزفها، وهُرّب بعضها علناً إلى الخارج، ولم أجد وأنا أتسلم المسؤولية إلا خزينة شبه خاوية".
وأضاف، في مقال له نشر في عدة صحف عراقية، "ما زاد من الصعوبات عدم إعادة النظر بجدية في هيكلية إنتاج النفط وتسويقه، والاهتمام بالمشتقات النفطية، فيما أعيد في المقابل تدوير أزمة الفساد الإداري والمالي، وتفكك الكثير من أجهزة استكمال الدولة ومؤسساتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تغيير سعر صرف الدولار
في المقابل، أفادت مصادر برلمانية لـ"اندبندنت عربية"، بأن "هناك توجهاً في مجلس الوزراء لإصدار قرار يقضي بتغيير سعر صرف الدولار".
وأوضحت المصادر، أن "هذا الإجراء قد يتم تدريجياً لكنه لم يرتقِ حتى الآن إلى مستوى القرار"، مبينة أن "الغاية من هذا الإجراء رفع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي لمعالجة أزمة انخفاض النقد والحد من العجز في الموازنة".
وبلغت واردات العراق النفطية بحسب اللجنة المالية البرلمانية، نحو 5 مليارات دولار في شهر فبراير (شباط) الماضي، لكنها بدأت بالتراجع من شهر مارس (آذار)، حيث بلغت نحو 2.9 مليار دولار، أما في شهر أبريل (نيسان) الماضي فقد سجلت 1.2 مليار دولار.
مشروع قانون للاقتراض
ولعل استمرار انخفاض أسعار النفط، يضع حكومة الكاظمي أمام تحدٍ كبير لتوفير السيولة النقدية ودفع مستحقات موظفي الدولة، فضلاً عن معالجة أزمة الفقر والبطالة.
من جهة ثانية، قال أحمد حمه رشيد، عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، إنه "لا بيانات لدينا حتى الآن بخصوص زيادة نسب الفقر، لكن من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد زادت معدلاته".
وأضاف، "تجاوز الأزمة المالية صعب جداً لأن الدين العام زاد بشكل كبير، وندفع سنوياً نحو 16 تريليون دينار (حوالي 13.33 مليار دولار) فوائد وأقساط الديون، وهذه تعد موازنة دولة كاملة".
وعن إجراءات تجاوز الأزمة المالية، كشف رشيد أن "الحكومة أرسلت أول مشروع قانون للاقتراض الداخلي والخارجي، من خلال بيع سندات الخزينة"، مؤكداً أن "المشروع وصل إلى اللجنة المالية كمسودة، وفي أول جلسة للبرلمان سيقرأ القراءة الأولى".
وأضاف أن "رواتب الموظفين لهذا الشهر ستتأخر لعدم توفر السيولة النقدية، وبحسب معلوماتي فإن وزارة المالية أوضحت ألا تمويل لديها".
فقر عابر
من جانبه، قال عبد الزهرة الهنداوي، المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، إن "مؤشرات الفقر بحسب قراءاتنا وتوقعاتنا، شهدت ارتفاعاً خلال الشهرين الماضيين والوزارة بصدد إعداد دراسة حول هذا الأمر"، مبيناً أن "التقديرات مؤشرات أولية ربما تجاوزت نسب الفقر 30 في المئة".
وأوضح، "هذا يسمى بالفقر العابر، وهو طارئ يمس الشريحة القريبة من خط الفقر، وهم العاملون الذين توقفت أعمالهم نتيجة الأزمة الحالية وتضرروا بشكل مباشر"، مردفاً، "بمجرد عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي ويعود هؤلاء لمزاولة أعمالهم تنتهي الإشكالية".
وعن المنحة الطارئة للفقراء، أوضح أن "المنحة استهدفت هذه الشريحة بشكل مباشر، وهم المتضررون من الأزمة بالإضافة إلى الفقراء المسجلين".
وكشف عن تسجيل نحو 13 مليون للمنحة الطارئة، لكن العدد انخفض إلى مليون بعد عمليات التدقيق والمقاطعة"، مشيراً إلى أن "إجراءات وزارتي التخطيط والعمل استكملت بهذا الخصوص، وعملية التوزيع من مسؤولية البنك المركزي".
ضريبة مخفية
في السياق ذاته، يرى أستاذ الاقتصاد إحسان جبر أن "جائحة كورونا وحظر التجول أديا إلى التحاق العاملين بالقطاع الخاص والأجور اليومية إلى من هم دون خط الفقر"، متوقعاً أن "تصل النسبة إلى حدود 50 في المئة".
وأضاف، "ارتفاع نسب الفقر يعود بالأساس لسوء إدارة الموارد المالية على مدى 17 عاماً وغياب الخطط والبرامج الاقتصادية وتبعية القطاع الحكومي لدول خارجية، فضلاً عن تدمير القطاع الخاص بسبب سياسات دول الجوار".
وعن رفع قيمة الدولار أمام الدينار العراقي، أوضح جبر أن "هذا الإجراء سيؤدي إلى تعزيز قدرة الحكومة النقدية وردم فجوة العجز، وفي المقابل ستحدث حالة تسمى الضريبة المخفية، وتؤثر في أصحاب الدخول الثابتة نتيجة زيادة معدلات التضخم والأسعار".
وقال، "كل تجارب التنمية في العالم صاحبتها معدلات تضخم مرتفعة، وأمامنا خياران إما البطالة أو التضخم، ويجب أن يكون الارتفاع في معدلات التضخم مدروساً وتدريجياً".
شروط مجحفة
وعن خيار طرح سندات الخزينة لتوفير الديون الخارجية والداخلية، أشار جبر إلى أنه "لا بد من الاستدانة لتجاوز الأزمة المالية، والاستدانة الداخلية أفضل من الخارجية لأن شروطها ميسرة وتضعها الدولة".
وأوضح أن "الاستدانة الداخلية لن تصل إلى أهدافها، لأن الجمهور والمؤسسات المالية غير المصرفية لن تقرض الدولة، وهذا سيدفع إلى الاستدانة الخارجية التي تعد متعبة وبشروط مجحفة تتحمل الأجيال القادمة أعباءها"، مستدركاً، "لدينا عبء مالي يقارب 79 مليار دولار وفوائد وأقساطاً مستحقة".
وتابع، "لا أحد يقرض العراق في ظل المؤشرات الاقتصادية الحالية، ويجب أن يتدخل صندوق النقد الدولي من خلال تقديم ضمانات للدائنين مقابل تحقيق العراق شروط الصندوق التي قد تزيد نسب الفقر".
ولفت أن "تاريخ شروط صندوق النقد الدولي في الدول النامية سيء جداً وتسببت بدمار الاقتصاد في بلدان عدة منها لبنان ومصر والسودان".
ويواجه العراق مصاعب كبرى في مواجهة الأزمة المالية التي يمر بها، مع ازدياد مخاوف طبقات كبيرة في المجتمع العراقي من احتمالية أن يزداد هذا التدهور مع استمرار الانخفاض في أسعار النفط.