الانتخابات المبكرة في العراق حل غائب وخلافات سياسية تعرقل الحسم
على الرغم من كون الانتخابات المبكرة من أبرز مطالب المحتجين العراقيين في فترة انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي أطاحت برئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، إلّا أنّ السلطتين التشريعية والتنفيذية لم تتّخذا إجراءات جدّية حتى الآن في إطار حسم هذا الملف، الأمر الذي يثير تساؤلات عدّة حول إمكانية خوضها في وقت مبكر أو أن الخلافات السياسية والإشكالات التنظيمية ستحول دون ذلك.
ويرى مراقبون أن تصويت البرلمان العراقي على القانون الجديد للانتخابات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لا يعدو سوى كونه خطوةً أولى يجب أن تلحقها خطوات وإجراءات تنظيمية عدّة لحسم هذا الملف، إلّا أنّ أيّاً منها لم يُتَّخذ حتى الآن وسط تشعّب الإشكالات على الساحة السياسية العراقية.
وعلى الرغم من التعهّدات المتكرّرة لرئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بالنسبة إلى إجراء انتخابات مبكرة، إلّا أنّ المعطيات تشير إلى وجود تحدّيات تنظيمية تتعلّق بعدم حسم القانون الانتخابي وغياب التخصيص المالي للمفوضية العليا للانتخابات، فضلاً عن شغور منصب أحد أعضاء المحكمة الاتحادية، الأمر الذي يصفه متخصّصون بأنه معرقل أساس لإمكانية إجرائها.
خلافات حول توزيع الدوائر
ويبدو أن الخلافات السياسية بين الكتل حول ملحق القانون الانتخابي الذي يحدّد شكل الدوائر الانتخابية وآلية توزيع المقاعد فيها، يُعدّ أحد أبرز المعرقلات على طريق حسم هذا الملف، إذ إنّ الخلافات في هذا الشأن تتعلّق بكيفية تقسيم تلك الدوائر في القانون.
ويشير سياسيون وأعضاء في البرلمان إلى تعدّد الرؤى لدى الكتل السياسية في هذا السياق، منها اعتماد الدائرة الواحدة لكل محافظة أو تقسيم المحافظات إلى دوائر متعددة، فيما تدعم بعض الكتل التقسيم وفق مبدأ مقعد لكل دائرة، فضلاً عن خلافات أخرى حول آلية الاقتراع وهل ستكون مباشرة أو من خلال قوائم انتخابية.
في هذا المجال، يقول النائب عن كتلة "عراقيون" البرلمانية حسين عرب إن "الاجتماعات الجارية تناقش مدى قدرة المفوضية على إدارة الملف، إذا قُسّمت المحافظات إلى دوائر متعددة أو اعتُبرت دائرة واحدة أو اعتُمد مقعد واحد لكل دائرة انتخابية".
ويوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "جزءًا من الإشكالية سياسي يتعلّق بكيفية تقسيم الدوائر الانتخابية والرؤى المختلفة للكتل في هذا الشأن"، مردفاً أن "الحلّ المقنع هو أن تُقسَّم كل محافظة بحسب الأقضية والنسب السكانية المتوزّعة في كل محافظة".
أما بشأن الكتل المعترضة على إجراء الانتخابات المبكرة، فيوضح عضو كتلة "عراقيون" أن "مَن يخاف على مقاعده البرلمانية من الانقراض، لا يرغب في إجراء الانتخابات المبكرة". ويضيف أن "أولى أولويّات تحالف عراقيون هو دعم الانتخابات المبكرة بالشكل الذي تراه الجهات القطاعية مناسباً".
رفض غير معلن
وعلى الرغم من عدم إبداء أي كتلة برلمانية رفضها علناً لإجراء انتخابات مبكرة، إلّا أنّ نواباً وسياسيين تحدثوا في أكثر من مناسبة عن اعتراضات غير معلنة لبعض الكتل، مبينين أنها لا تصرّح بذلك علناً كون ذلك بات مطلباً شعبياً، الأمر الذي عزّزه النائب عن تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بدر الزيادي، في تصريح لوكالة محلية، إذ قال إن "الحلّ الوحيد للأزمات التي يمرّ بها العراق، يتمثّل في إجراء انتخابات مبكرة ومفوضية انتخابات مهنية ومستقلة"، مضيفاً "بصراحة كل القوى السياسية لا تريد إجراء هذه الانتخابات".
وبيّن الزيادي أن "القوى السياسية تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه حالياً، من دون الذهاب إلى الانتخابات المبكرة، ولهذا تجد هناك مَن يعرقل إكمال تشريع قانون الانتخابات الجديد".
أما النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني عرفات كرم، فكتب في تغريدة على "تويتر"، أن "الأحزاب التي تخشى على مستقبلها السياسي ستعرقل إجراء الانتخابات المبكرة إلّا إذا ضمنت مقاعد لها بالتزوير كما حصل في الانتخابات السابقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مخاوف من الخسارة
ويرى مراقبون أن عدم تحديد القانون للدوائر الانتخابية أتاح لبعض الكتل السياسية إمكانية المناورة بخصوص تأخير موعد الاستحقاق، إذ تتخوّف تلك الكتل من احتمال الخسارة في حال أُجري الاقتراع في موعد قريب.
في السياق ذاته، يستبعد أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية فاضل البدراني، إجراء الانتخابات في موعد مبكر، موضحاً أن "المتغيرات الدولية والصراع الأميركي - الإيراني، يدفع القوى الموالية لإيران إلى عدم المجازفة بإجراء انتخابات وخسارة ثقلها البرلماني في المرحلة الحالية". ويضيف أن "عدم انسجام حكومة الكاظمي مع القوى الموالية لإيران يُعدُّ معرقلاً آخر لحسم ملف الانتخابات المبكرة".
ويشير البدراني إلى أن "الأطراف التي تنادي بالتسريع في إجراء الانتخابات غير صادقة، لأنها باتت معزولة عن التأييد الجماهيري بعد ثورة أكتوبر وتحاول التمسّك بما حققته في الانتخابات السابقة"، مشدّداً على ضرورة "معالجة ملف السلاح المنفلت وتحقيق الاستقرار وتقليل هيمنة الأطراف التي تمتلك أذرعاً مسلحة وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة العسكرية قبل الشروع في إجراء الانتخابات".
إشكالية مالية
ويقول الرئيس السابق لمفوضية الانتخابات العراقية عادل اللامي، إن "الإمكانية الفنية متوفّرة لدى المفوضية لإجراء الانتخابات خلال أشهر، لكن عدم وجود الإرادة السياسية هو المعرقل الرئيس". ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن "قانون الانتخابات لا يُعدُّ صادراً لأنه لم يخرج من البرلمان حتى الآن، فضلاً عن عدم الجدية لدى الكتل السياسية في إكمال جدول الدوائر الانتخابية المرفق مع القانون".
ويردف أن "هناك مَن يقول إنّ نقص أحد أعضاء المحكمة الاتحادية أمر معطّل للانتخابات"، مبيّناً أنها "حجّة واهية".
وعن الإحصاء السكاني، يشرح اللامي أنه "لم يتم إجراء الإحصاء السكاني في الدورات السابقة، ومع ذلك حدث أكثر من تعديل في عدد أعضاء البرلمان، استناداً إلى تقديرات الأجهزة المعنية بما فيها وزارتَيْ التخطيط والتجارة وسجلّ بطاقة السكن"، موضحاً أن "هذا الأمر لا يعرقل تعديل عدد الدوائر الانتخابية".
ويشير إلى أنه "إضافةً إلى عدم إكمال الإجراءات القانونية، فعدم إقرار الموازنة يُعتبر أحد المعرقلات الأساسية، إذ تتطلّب الانتخابات تخصيص نحو 250 مليون دولار للوفاء بحاجات المفوضية".
في المقابل، كشفت مصادر مطّلعة لـ"اندبندنت عربية" عن أن "الاجتماع المشترك بين هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء واللجنة المالية وهيئة رئاسة البرلمان بخصوص الأزمة المالية وأولويات الصرف، لم يشهد مناقشة توفير المخصّصات المالية لإجراء الانتخابات على الرغم من أن هذا الملف يأتي ضمن أولويات الحكومة الحالية".
أربعة ركائز لإجراء انتخابات مبكرة
في السياق، يرى الباحث في الشأن الانتخابي عباس الشريفي أن "لا بوادر حقيقية لإجراء الانتخابات المبكرة. على مستوى الحكومة، هناك نية لكنها بلا خطوات عملية في هذا الاتجاه".
ويوضح أن "إجراء الانتخابات يعتمد على أربعة ركائز لم يُستكمل منها سوى اختيار أعضاء مجلس المفوضية، أما بقية التفاصيل وهي، توفير التخصيص المالي واستكمال القانون الانتخابي واكتمال المحكمة الاتحادية التي يخلو أحد مقاعدها، لم تُنجز حتى الآن"، مرجّحاً عدم إجراء الانتخابات المبكرة بسبب "الخلافات السياسية وعدم حسم الملفات القانونية والتنظيمية".
ويلفت إلى أن "الضغط الجماهيري هو الذي دفع إلى الإسراع في تشريع القانون نهاية العام الماضي، لكن غياب الضغط في الفترة الحالية هو الذي يعطي مساحة المناورة للكتل السياسية في التسويف والتأجيل".