إسقاط دعاوى قانونية ضد بريطانيين حاربوا داعش
تحدّث البريطاني بول نيواي Paul Newey عن تجربة ابنه دانيال، المتطوّع في صفوف "وحدات حماية الشعب الكردي" YPG، وقال؛ "في إحدى المراحل زوّدت الحكومة ابني بـ"آي باد" (كومبيوتر لوحي) وأسلحة، ثم عادت، في مرحلة أخرى، وصنفته إرهابيّاً. الأمر هكذا، بمنتهى السورياليّة". ودانيال نيواي، ابن المهندس البالغ من العمر 49 سنة، هو واحد من عشرات المتطوّعين البريطانيين الذين انضموا إلى "وحدات حماية الشعب" (الكرديّ) YPG في سوريا.
قد تلقّى هؤلاء الدعم من المملكة المتّحدة وغيرها من الدول المنضوية في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة لمحاربة "داعش"، إثر بروز هذا التنظيم الأخير على مسرح الأحداث في سوريا والعراق في عام 2014.
وكانت "وحدات حماية الشعب الكرديّ" حظيت بثناء عدد من الوزراء البريطانيين كونها ساهمت في دحر التنظيم الإرهابي وطرده من شمال سوريا العام الفائت. بيد أن ما تلى ذاك الانتصار سريعاً كان اجتياحاً تركيّاً للمنطقة. وتعتبِر تركيا "وحدات حماية الشعب الكرديّ" تنظيماً إرهابيّاً. وعلى الرغم من عدم مماشاة بريطانيا الدولة التركيّة في هذا الاعتبار، فإنّ العديد من المتطوّعين البريطانيين الذين انضمّوا إلى "وحدات الحماية" واجهوا تهم الإرهاب جرّاء انخراطهم في صفوف تلك الوحدات، أو مشاركتهم في مخيّمات تدريب تابعة لها.
واليوم ما زال دانيال نيواي في سوريا، بيد أن التهمة بأرتكابه أفعال إرهابيّة وجّهت إلى والده وشقيقه في ديسمبر (كانون الأوّل) الماضي. وجرى اتهام بول نيواي بتمويل الإرهاب عبر إرساله 150 جنيهاً إسترلينيّاً إلى ابنه، فيما اتهم ابنه الثاني سام بمعاونة شقيقه دانيال. ويُرتقب مثول الوالد والشقيق الأصغر أمام القضاء في أكتوبر (تشرين الأوّل) المقبل إلى جانب دانيال بورك، الجندي المظلّي السابق الذي حارب في صفوف "وحدات حماية الشعب الكرديّ" ضدّ تنظيم داعش بالفترة الممتدّة من أواخر 2017 إلى يونيو (حزيران) 2018.
ويشار هنا إلى أن المدة المذكورة هذه لم تشهد اتخاذ أي إجراء بحق بورك، بيد أنّه عاد وتعرّض للملاحقة بتهمة "الإعداد لأفعال إرهابيّة" إثر زعم محاولته العودة لتقديم العون للـ YPG في مواجهة الاجتياح الذي قادته القوات التركيّة العام المنصرم. لكن وفي تطوّر طرأ على هذه المسألة أخيراً أعلنت "دائرة الإدعاء الملكيّة" البريطانية CPS الأسبوع المنصرم بأنّها لن تقدّم أي دليل ضد الرجال الثلاثة، وأنّه لم يعد ثمّة "فرص منطقيّة للاتّهام"، ولم تعطِ الدائرة أي تفسيرات إضافيّة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أمّا بول نيواي من جهته فقال إن القضيّة وضعت عائلته في "حالة حياة معلّقة"، وأثّرت في أشغال أفراد العائلة وحياتهم الشخصيّة. وقال نيواي لـ"لاندبندنت" إنّه جرى توقيفه وابنه في سبتمبر (أيلول) الماضي من قِبل "عناصر شرطة مسلّحين وجّهوا أسلحتهم إلى رأسينا". وحين تمّ توقيفه في 11 ديسمبر (كانون الأوّل) أخضع للتحقيق على مدى ثلاثة أيّام على يد شرطة مكافحة الإرهاب و"شخص آخر يُمثّل جهاز الأمن" (أي الاستخبارات)، بحسب رأيه.
كما قام عناصر الشرطة بمداهمة منزل نيواي، وصادروا منه جميع الأجهزة الإلكترونيّة وقاموا بالتحقيق مع صديق له كان قد وظّف ابنه. وتحدّث نيواي عن هذا الأمر واصفاً إيّاه بـ"السوريالي تماماً، فأنا مجرّد امرئ عادي. ولم أكن في السابق كثير الاهتمام بالسياسة لأنّني كنت أعتقد أنّهم يقاتلون داعش ولا شيء آخر". وأفرج عن بول نيواي بكفالة، بيد أنّه أُمِر بتسجيل وتوقيع حضوره في مركز الشرطة مرتين في الأسبوع حتّى موعد محاكمته التي كانت مقرّرة في الأصل في يونيو. غير أن المحاكمة أُرجئت إلى أكتوبر وترك في "حالة عدم يقين" (حول مصيره)، إلى أن قامت "دائرة الإدّعاء الملكيّة" CPS ببعث رسالتها في 29 يونيو لتعلن فيها عن إسقاط القضيّة.
والآن، إثر هذه التطوّرات، يودّ السيد نيواي وعائلته أن يعلموا سبب إثارة هذه القضيّة بالدرجة الأولى، بعد أن سقطت كلّ دعاوى الإرهاب الموجّهة لـ"وحدات حماية الشعب الكرديّ". فالأمر بحسب ما يقول "لا يبدو منطقيّاً أبداً. فهم لم يوفّقوا بجميع تلك الدعاوى والاتهامات، فلماذا لم يكفّوا عن الملاحقة؟ لا أحد من "وحدات حماية الشعب الكرديّ" سيشكّل خطراً على مواطني بريطانيا. إنّهم يقاتلون من أجل قضيّة يؤمنون بها وتتمثّل بحماية شعبهم. فكيف يكونون إرهابيين؟" يتساءل الرجل.
وفي جانب آخر من القضيّة قال الفريق القانوني الذي يتولّى الدفاع عن السيد دانيال بورك إنّه يرى أن قرار "دائرة الإدعاء الملكيّة" المتمثّل بإسقاط الدعاوى له صلة مباشرة بالطلب الذي قدّمه الفريق والذي طالب فيه جهة الادعاء "بالكشف عن معلومات ترتبط بالضغط الدبلوماسي الذي مارسته تركيا على الحكومة البريطانية كي تقوم الأخيرة باعتبار "وحدات حماية الشعب الكردي" جماعة إرهابيّة". وقال بيان أصدره الفريق القانوني للسيد بورك إن تهديدات ترتبط بالعلاقات التجارية المستقبليّة و"بعدم ارتياح السلطات البريطانية تجاه الكشف عن هذه المراسلات مخافة الإحراج" قد تكون لعبت دوراً في قرار "دائرة الإدعاء الملكيّة".
واستطراداً في هذه المسألة كان العديد من المقاتلين السابقين في صفوف "وحدات حماية الشعب الكرديّ" قد اعتبروا أن الضغط السياسي من تركيا ربّما أدّى إلى ظهور دعاوى مماثلة. إذ كانت هناك سلسلة من دعاوى إرهاب فاشلة أو مهملة ضد أشخاص قاتلوا في صفوف "وحدات الحماية الكردية"، وذلك وسط أسئلة مستمرّة حول كيف يمكن دعم جماعة ساندتها الحكومة البريطانية في الحرب مع داعش، أن يغدو عملاً إرهابيّاً.
وكان ثمانية متطوّعين بريطانيين – سبعة رجال وامرأة - قتلوا خلال القتال ضد التنظيم المتطرّف، وحيّت الحكومة البريطانيّة مراراً "المساهمة المهمّة التي قدّمتها "وحدات حماية الشعب الكرديّ" في جهود مواجهة داعش". ولا ترد "وحدات الحماية الكردية" ضمن لائحة المنظمات المصنّفة إرهابية في المملكة المتّحدة، بيد أن حزب العمال الكردستاني PKK، الجماعة المرتبطة بـ"وحدات الحماية"، يُعدّ إرهابيّاً.
جيمس ماثيوز اتهم بقيامه بأفعال إرهابية ثم أسقطت التهم بعد ستة أشهر (عن ليزي ديردن)
وفي حالات قضايا سابقة كان المدّعون يعمدون إلى تسليط الضوء على الأفكار اليساريّة السائدة في أوساط "وحدات حماية الشعب الكرديّ"، ويقدمون مساعيها لدعم حضور المرأة، ومشاريعها مثل "حديقة الخس المشتركة"، كأدلّة على ذلك.
الصلة بين أنشطة كهذه وبين قوانين الإرهاب تكمن في تعريف القانون البريطاني للإرهاب باعتباره عنفاً أو تهديدات لصالح "قضيّة سياسيّة أو دينيّة أو إيديولوجيّة". وكان عدد كبير من النواب البريطانيين عارضوا ذاك التعريف عندما جرى اقتراحه، كما أن الأكراد تحديداً ذُكروا 13 مرّة بسياق نقاش قام بمجلس العموم البريطاني في العام 1999 حول القانون الجديد للإرهاب. وحين سأل أحد النواب آنذاك إن كانت مساندة جماعات كرديّة تقاتل ضد قوات صدام حسين في العراق "ترقى إلى درجة الإرهاب"، جاء جواب الحكومة البريطانية لينفي احتمال ذلك. وكان جاك سترو، العضو في حزب العمّال والذي شغل في ذلك الوقت منصب وزير الداخليّة، اعتبر أن الفكرة "افتراضيّة" و"خياليّة"، وقال "ببساطة لا أقبل هذا الاقتراح. فكرة أن تقوم الشرطة في هذا البلد بالتحقيق في هكذا جرم مزعوم له علاقة بالعراق، وأن تقوم "دائرة الادعاء الملكيّة" بتوجيه الاتهام، وأن يقوم مفوّض الادعاء العام بمنح موافقته، لا يمكن أن تحصل إلّا في الخيال المحموم (المنقطع من الواقع)". ورأى سترو أن قوانين الإرهاب الجديدة "ستخضع لسلسلة مهمّة من الضوابط والموازين"، وأضاف قائلاً إن "الأمر يعني أنه لا يمكن قيام هكذا حالات، كما أنني أستبعد احتمال أن تطرأ في المستقبل".
بيد أن الواقع اليوم يشير إلى وجود ستّة أشخاص قاتلوا في صفوف "وحدات حماية الشعب الكرديّ" أو ناصروها، متّهمين بجنايات إرهابيّة. وتعرّض واحد من المتطوّعين السابقين، وهو آيدان جيمس، إلى السجن في نوفمبر (تشرين الثاني) لمشاركته بمخيّم تدريب أشرف عليه "حزب العمال الكردستاني" PKK في العراق، بيد أنّ هيئة المحكمة برّأته من التهمة ذاتها ولكن في معسكر تدريب لـ"وحدات حماية الشعب الكرديّ". وكانت "دائرة الإدعاء الملكيّة" اتهمته بدايةً بالتحضير لأفعال إرهابية عبر سفره إلى سوريا للالتحاق بصفوف الـ YPG، بيد أن القاضي اعتبر أنّ الأمر "لا يستوجب المساءلة". وقال القاضي إن تلك الجماعة الكرديّة "كانت تساند سياسة وموقف المملكة المتّحدة والحلفاء الآخرين عبر قتالها داعش" وكانت تلقى دعم سلاح الجو الملكي البريطاني. وقال القاضي للمحكمة الجنائية المركزية في "أولد بايلي" العام الماضي إن القتال إلى جانب "وحدات حماية الشعب الكردي" لا يعدّ عملاً إرهابيّاً على الإطلاق" وفق القوانين البريطانيّة الراهنة.
جندي بريطاني سابق آخر، يدعى جيمس ماتيوس، شهد إسقاط اتهامات بالإرهاب رفعت ضدّه لمشاركته في معسكر تدريب لـ"وحدات حماية الشعب الكردي" YPG، وقد أسقطت تلك الاتهامات في يوليو (تموز) 2018 بعد سنتين من التحقيقات. كما تعرّض الطالب جوشوا والكر، الذي انضمّ لـ"وحدات حماية الشعب الكردي" YPG في العام 2016، للتوقيف عند عودته عبر مطار غاتويك بعد 18 شهراً قضاها في سوريا. بيد أن والكر لم يتّهم جراء أنشطته في سوريا، بل بجناية إرهابيّة لحيازته نسخة من "كتاب طبخ الفوضوي" The Anarchist Cookbook. وقامت هيئة المحكمة بتبرئته بعد سماعها أنّه حمّل نسخة من الكتاب، الذي يضمّ تعليمات صنع قنابل ومتفجّرات، عن الإنترنت وذلك لدور يتولّاه في رابطة طالبيّة بجامعة إيبريستويث Aberystwyth. وثمة متطوّع آخر في "وحدات حماية الشعب الكردي" YPG لم يشأ الكشف عن اسمه، قال لـ"لاندبندنت" إنّه غادر المملكة المتّحدة بعد تعرّضه "لمضايقة" الأجهزة الأمنية على الرغم من إخلاء سبيله بعد تحقيق معه اختُتم من دون إجراءات إضافيّة. إلى هذا فإنّ عدداً من البريطانيين الذين انضموا إلى "وحدات حماية الشعب الكردي" تعرّضوا أيضاً للتوقيف والاستجواب على يد شرطة مكافحة الإرهاب، وصودرت جوازات سفر وهواتف بعضهم، من دون اتخاذ أيّ إجراءات إضافيّة بحقّهم. ولم تشأ "دائرة الإدعاء الملكيّة" التعليق على المزاعم المتعلّقة بالضغوط الدبلوماسيّة التركيّة. وقال متحدّث باسم دائرة الادّعاء إنّ "دور دائرته لا يتمثّل في التوصّل إلى قرار يجرّم الأشخاص، بل يتمثّل في الوصول إلى قرارات عادلة ومستقلّة". وهذه القرارات العادلة والمستقلّة، بحسب المتحدّث باسم "دائرة الادعاء الملكيّة"، "يُتوصل إليها على قاعدة كلّ حالة على حدة، تماشياً مع "اختبارنا القانوني". والحالات والقضايا تلك تبقى خاضعة لمراجعة مستمرّة" وفق قوله. كما أشار المتحدّث في الختام إلى إنّه "وكجزء من مسؤوليتنا، توصّلنا إلى استنتاج مفاده أن اختبارنا القانوني للادّعاء لم يعد مستوفياً".