تحديات تسبق الانتخابات العراقية القادمة
جاء إعلان السادس من حزيران (يونيو) المقبل موعداً لإجراء الانتخابات العامة، صاعقاً لرموز العملية السياسية في العراق، ممن يصرّون على استكمال الدورة البرلمانية الحالية لغاية منتصف العام 2022، والتمتع الأقصى بمنافعها السياسية والمادية الضخمة.
انتخابات مبكرة هموم مبكرة أيضاً
إعلان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إجراء انتخابات مبكرة أفرز كثيراً من التحفظات والمسوغات معاً، والتي ترى بأن الانتخابات المبكرة تمثل صعوبة بالغة لإجرائها ونجاح إتمامها تنظيمياً، وحاجتها لإنفاق يصل إلى مليار دولار، في وقت تعجز فيه الحكومة العراقية عن دفع رواتب موظفيها، أو إعلان التحفظ عن تحققها من دون ضمان نزاهتها وأمنها.
لكن هناك تخوفاً حقيقياً من نظام الدوائر الانتخابية بحسب المحافظات، والترشيح الفردي كمقترح قدمته مفوضية الانتخابات، التي تطلب ضمان معايير النزاهة. وكما يقول الباحث مازن صاحب "تلك النزاهة تتمثل بمراعاة مبدأ المساواة في الترشح والانتخاب، وضمان رقابة قضائية حقيقية، لا رقابة شكلية، كما يحصل مع مصادقة المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة في البلاد"
رئيس الحكومة إرادة شعبية وراء الانتخابات
رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي يحاول إرسال رسائل طمأنة للقوى السياسية المتقاطعة والمحتدمة في العراق، أكدها المتحدث باسم الحكومة بقوله "قرار رئيس الحكومة في شأن الانتخابات المبكرة لم يكن رد فعل لأي تدافع سياسي، ولا نريد تكرار تجربة انتخابات العام 2018 التي أدت إلى ما نحن عليه الآن".
مضيفًا "أن هناك إرادة شعبية تريد بيئة ومناخاً آمناً لإجراء انتخابات مبكرة، داعياً مجلس النواب إلى إكمال قانون الانتخابات الذي صادق عليه المجلس قبل خمسة شهور، ولم ير النور حتى الآن، لعدم حصول موافقة رسمية من رئيس الجمهورية بدعوى النواقص في ملاحقه القانونية". وطمأن الكاظمي خصومه بألا مشكلة لتوفير الأموال الخاصة بإجراء الانتخابات المبكرة.
جدل دستوري للحؤول حول التبكير
إلا أن الجدل المبكر الذي أثير حول الخطوة الأولى للانتخابات، والمتمثل في التفسير القانوني لإقامتها، إذ لا يوجد نص دستوري يتكلم عن انتخابات من هذا النوع، لكن المادتين (56)و(64) من الدستور، تتضمنان تفسيراً لمؤشرات موجبة، فالمادة (56) من الدستور تتضمن إجراء الانتخابات الاعتيادية قبل السنة الرابعة للدورة البرلمانية بشهرين، أمّا المادة (64) فتورد أن حل مجلس النواب وفق الآلية التالية "يُحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب ثلث الأعضاء أو طلب رئيس الوزراء، وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حلّ المجلس أثناء استجواب رئيس مجلس الوزراء، على أن يدعو رئيس الجمهورية عند حلّ مجلس النواب إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها 60 يوماً من تاريخ الحل، ويُعد مجلس الوزراء مستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية، أي حكومة تصريف أعمال، وتقع البلاد إذ ذاك في حالة فراغ دستوري".
عقدة حل مجلس النواب المبكر
فالتلويح الحالي والمطالبات بحل مجلس النواب سيؤدي الى "مخالفة دستورية، لأن الدستور أشترط أن تجري الانتخابات خلال 60 يوماً من تاريخ الحل، في حين حُدد موعدها في السادس من حزيران (يونيو) 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير الباحث العراقي أحمد العبادي إلى أن "تدارك حالة الفراغ الدستوري، والوقوع في مخالفة، لابد من توافر إرادة حقيقية لدى الكتل والأحزاب السياسية بإجراء الانتخابات المبكرة، وإكمال مجلس النواب تشريع قانون الانتخابات، من خلال إكمال الملاحق المتوقف عليها القانون، وحلّ مشكلة المحكمة الاتحادية من خلال تعديل المادة (3) من قانون المحكمة الاتحادية الخاصة بالكتلة الأكبر، والأهم من كل هذا أن تقوم الدولة بتهيئة مناخ مناسب لإجراء الانتخابات من خلال حصر السلاح بيد الدولة، وتطبيق القانون بشكل صارم".
من جهة أخرى، يرى المختصون العراقيون في القانون أن حلّ مجلس النواب الذي يشغل الرأي العام ويواجه احتداماً في الشارع العراقي هو من صلاحية رئيس الجمهورية بعد أن أعلن رئيس مجلس الوزراء موعد الانتخابات منتصف حزيران (يونيو) المقبل، وهذا يقع على الجهة التنفيذية التي تتمثل في مفوضية الانتخابات المستقلة، وهي الجهة المخولة لإجرائها، بعد 60 يوماً من حلّ البرلمان، فمتى ما تحقق الحلّ فإن المفوضية ملزمة بتحقيق الانتخابات، ويتحول الموعد الذي حدده رئيس الوزراء إلى مجرد مقترح غير دستوري، بل مجرد مقترح لإجرائها.
قوى الإسلام السياسي تعرقل إجراء الانتخابات
قوى الإسلام السياسي ومنذ إعلان الانتخابات المبكرة تسعى لعرقلة مقترح رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، بإطلاق سلسلة من الاعتراضات القانونية واللوجستية لمنع تحقيقها، كون الاحتجاجات في تشرين (نوفمبر) الماضي هي التي فرضتها، وسقط بسببها مئات القتلى وآلاف الجرحى، ما أدى إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي، والمطالبة بانتخابات مبكرة، وهي التي أنتجت حكومة مدنية برئاسة مصطفى الكاظمي، مهمتها الرئيسة انحصرت بإجرائها، لكن التيار الإسلامي قدّم سلسة من الاعتراضات، وأبرزها عدم التمكن من إجراء الانتخابات لأنه لا توجد محكمه اتحاديه عليا، دون أن يلاحظوا - كما يقول الخبير القانوني طارق حرب - "أن هذا القول غير صحيح دستورياً مع ما سيترتب عليه من آثار معنويه خطرة في الشارع العراقي، ولتأكيد بطلان هذا القول، نورد الحكم الخاص بالانتخابات والمحكمة الاتحادية العليا، حيث تنص الفقرة (سابعاً) من المادة
(93) من الدستور على ما يلي: "تختص المحكمة الاتحادية العليا بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب). ومن ذلك نلاحظ أن واجب هذه المحكمة هو المصادقة على النتائج الانتخابية فقط، وهنالك فرق بين إجراء الانتخابات وبين المصادقة عليها".
تحديات بدأت ولم تنته
تحديات كثيرة تواجه عقد الانتخابات إضافة للمماطلة المبكرة من أحزاب السلطة التي لا تريد إقامتها، إلا بعد استكمال مدة الدورة الانتخابية الحالية البالغة 4 سنوات، والتي هي نتاج التزوير الميليشياوي الذي بات معروفاً لدى جميع العراقيين الذين يجمعون عليه، فإن الانتخابات المقبلة أيضاً تواجه زعزعة الثقة بين الناخب وعدم ثقته بصندوق الاقتراع، نتيجة عدم ضمان مشاركة كبيرة في إحداث التغيير نحو حلول وطنية حقيقية، واستمرار المحاصصة السياسية التي يتخندق من خلالها الفاسدون لتدوير وجودهم بالمال السياسي، وشراء الأصوات، مستغلين عوز الناس والفاقة التي تعيشها البلاد، وحاجة الناس للوظائف مع ازدياد عدد العاطلين.
من هم المرشحون لخوض الانتخابات؟
أما المرشحون المحتملون لخوض الانتخابات فيتوزعون على ثلاثة أنواع - كما يقول الباحث مازن صاحب – "فالأول هم الجيل القديم من الاحزاب التي تتهم بمفاسد المحاصصة التي تعرف أسرار الصفقات البرلمانية، بما جعلها تغيير جلدها بترشيح شخصيات من التكنوقراط ولكن بمسميات مختلفة قبل الانتخابات لتشكيل تحالفات كبيرة، والثاني الكتلة الأكبر ما بعد الجلسة الأولى، في مقابل الحراك المجتمعي لساحات التظاهر بعد أن ينتظم في تحالفات انتخابية، أما النوع الثالث فيتمثل بتيار المقاومة الإسلامية المعتمد على مواقف فصائل الحشد الشعبي والمرجعية الدينية في قم والنجف ".
الإزاحة الجيلية مراهنة غير محسومة
إن التعويل على ما يسمى بـ "الإزاحة الجيلية" التي ينشدها ويراهن عليها المحتجون في ساحات التظاهر، ومن خلفهم ملايين العراقيين لما يسمى بالأغلبية الصامتة، يراهنون على التغيير الحتمي في الانتخابات المقبلة، ولكن تنقصهم الخبرة القانونية والحنكة السياسية في التعامل مع محترفي الكتل السياسية الحالية وتكوينها بالمال الذي تدفق على محترفي الفساد الذين جنوه خلال الـ 17سنة من النهب المنظم للمال العام، وزجّ الموالين لهم في مفاصل الدولة الأمنية والسياسية والمالية. ويجمع العديد من المراقبين والناشطين العراقيين، أنهم كانوا وراء تعيينات مئات الآلاف من موظفي الدولة والقوات المسلحة ليكونوا "باسيج" النظام السياسي المحاصصي المبني على الولاء وشراء الأصوات، فمن دون تفتيت هذه المنظومة الولائية للأسر وأحزاب السلطة، فلا يمكن التعويل على انتخابات نزيهة، ولا يمكن للكاظمي أو سواه أن ينشد تحالفاً وطنياً مدنياً ومؤهلاً لبناء العراق من جديد، او ينتج دولة مدنية تحاكي المجتمع الدولي، إلا باتخاذ خطوات صارمة من خلال:
مطالبات تسبق عملية الانتخاب
رفض مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة في الانتخابات العامة وإعلان حلّها علناً، ومنع مشاركة القوات المسلحة وجميع مسمياتها، والحؤول دون الزج بها في انتخابات مدنية، وعدّها تمثل قوة الشعب التي تحمي كل فئات المجتمع، وسوراً للوطن يحميه أيام المحن، والعمل بقانون مطالبة المرجعية الدينية العليا المتكررة بأن "المجرب لا يجرب"، فمن الأجدر منع كل ممارسي السلطة الذين أوصلوا البلاد الى الهاوية والإفلاس من الترشح في الانتخابات القادمة، والحؤول دون مشاركة من لديهم تهم بالفساد سابقاً، أو المتهمون به من خوض الانتخابات المقبلة، وضمان نزاهة المفوضية المستقلة، وإخضاع عناصرها لمعايير التقويم الدولي، وتجنب قبول أي متحزب فيها لضمان حياديتها واستقلالها.
إعادة تقويم الأحزاب التي تشترك في الانتخابات، وإعلان برنامجها السياسي والفكري، والأهم مصادر تمويلها وسلمية مشروعها السياسي، والتحقق من عضوية عناصرها، بحيث لا تضم مطلوبين للعدالة المحلية والدولية، أو في كشوف الإنتربول الدولي.
وهذه المطالب تلخصها مطالبات المجتمع المدني ومعايير دولية وخبرات سابقة تكفل تحقيق وضمان انتخابات نزيهة يسعى إليها العراقيون الذين أنفقوا الكثير من الوقت والجهد والتضحيات الجسيمة.