الشاعرة (سما حسين) وسيرة قسوة الدهشة معها
كولالة نوري
سما حسين شاعرة لا أعرفها شخصياً..لكنني قرأت لها على صفحة التواصل الاجتماعي نصوصاً ضاجة بالشعر والكمائن اللغوية والطفولة رغم قسوتها على روح الطفولة هذه وكأنها لا تريد أن تكون طفلة.
ربما هذا ما أضفى على جميع قصائدها وسم الحزن ،رغم سنينها العشرين في الحياة ،ولكن أية حياة قد نجدها في مجموعتها(أنا وأنت والكثير الكثير من الدهشة) والمطبوعة عام 2019 عن دار سطور للنشر والتوزيع؟ اشارككم هنا قراءتي وتقديمي للمجموعة .
لا توجد إشارة في نصوص كتابها ما نبصر فيها تعرفها على حياة مشرقة أو توعد بالاشراق .بل ظننتها في سطور كثيرة من نصوصها بأنها على وشك الانتحار حتى لو كان مجازياً في اللغة.
تتحدث عن هوياتها المتعددة في نص وافئدة متعددة ولكنها تبحث بجد عن هوية جديدة وكأن كل تلك الهويات لم تجد نفسها فيها ..جميلة هذه الجلبة للولادة ..بل ذكاء وقدرة على أن تولد نفسك مرّات ومرّات رغم أنها تنتكص ثانية في نصوص أخرى . فالولادة ليست فقط أن تخرج من رحم الوالدة، بل أن تدخل رحم الحياة بفلسفتها الصعبة وتخرج منها وأنت تريد أن تعيشها بفلسفتك الخاصة. والولادة أحياناً تكون عسيرة وأخرى دامية للشعور المرهف . من الطبيعي برأي أن تقلب سما أو تتقلب بين هويات متعددة وهي في العشرين وتدرس الصيدلة في سنتها الأولى .
المكان مع أحداث الحياة جزء فعال لتشكيل روح النص وهيكل الكلمات ،و(سما) لا تبتعد في تعابيرها عن الأسى الموجود في معظم الزوايا في العراق وفي زوايا روحها وذهنها. أرى أن (سما حسين) وجيلها من الشعراء والكتاب ،أبطالٌ شجعان ليختاروا الكتابة كوسيلة ليكونوا. في أمواج من التقهقر الاجتماعي والقاسي المحبط في الكثير من الاحيان.
لا يمكن أن لا تنتبه الى لغة سما الأدبية الغنية ..هي قارئة نهمة كما بدت لي. القراءات الكثيرة والغنية لأي كاتب تضفي إحساساً بعدم الرضا وأن هناك ما ينقصنا دائماً في مجالنا الإبداعي، وهذا سر الاستمرار في مشروع الكتابة كمشروع وجود ، فالتأكد من أن ما لديك هو الكمال الرصاصة القاتلة للتجدد. لذلك أنا أثق ب (سما حسين) في التجدّد لما قرأت لها من نصوص جديدة تختلف كلياً عن ما كتبت في مجموعتها هذه( أنا وأنت والكثير الكثير من الدهشة).
اخترت مقاطع فقط من نصوص متفرقة من الكتاب. واترك مطالعة الكتاب كله واقتنائه لكم :
- 1 -
لا أنتمي لشيء محدد
كأنني تذكار
أنا الغافية
والهالكة
كلمة ترفض نهاية سطرها،
وعبثاً تدل لمعنى.
أنا المؤذية
والوحشية
والنائية
بذرة عقيم تداعب وجنات الأرض ولا تتاثر
أنا شيء ما في العتمة
وضربة ما عند إنهمار اللكمات
أنا وحدة الشمعدان بغير شمعة،
وملل الارجوحة بلا صغارها
أنا آهة الخسارات
راهبة الهزائم
ضريبة دفع الثمن.
- 2 -
نسيت ومنذ مدة
كيف اعيش والأنوار مطفئة
عدة سنوات
أنتظر فيها
إطلالة إصبع يطفئ خوفي.
- 3 -
قبل أن تصبح الجنة في الأعلى
كانت تعيش مع الناس وبينهم.
وحين سفكت دماء أول الآدميين
أصيبت بالذعر
فأشفق الرب عليها
وأخذها للسماء.
هناك التقط لها صورة
تركها في الأسفل
ليكمل الإنسان عيشه في إطار،
ومذ ذاك صارت الشوارع كالصور فقط تحدق.
- 4 -
يا علي
ودع مقامك
فنحن آخر وجبة قتلى
نحن أمة منذ ولدنا
نرسم أشرطة سوداء.
- 5 -
"هكذا هيَ الغيمَةُ السَّوداء...
حينَ تشعُرُ بالغُربَةِ,
تَصبُّ جامَ غضبِها على الورد.
وهكذا هي الوردَةُ...
التي تُخرِجُ عُنقها من السياجِ , تتَعرَّضُ للمداعبَةِ.
وهكذا هي الأغصانْ...
حينَ ترافقُ الرياحْ ,
تبدو للأرضِ كمراهِقَةٍ.
وهكذا أنا...
حينَ أشُمُّ رائحةَ المطر,
أقطفُ أصابعي".
ليس بالحزن وحده يبدع الشاعر، بل أيضاً لمتع الحياة -أو خلقها إن لم تجدها حولك- منابع للشعر الجميل .كما يقول الشاعر العراقي الباهر طالب عبد العزيز "ما نكتبه عن ما هو جميل في الحياة سيخلد ،الألام والمواجع زادنا اليومي ،ما نفتقده هو الجمال".
دعوة محبة لسما لوليمة حياة بأقل ما يمكن من مقاصل الحزن .