اخبار العراق الان

هل يتخلى الكاظمي عن مواجهة السلاح المنفلت ويكتفي بـ"تسوية" مع "البيت الشيعي"؟

هل يتخلى الكاظمي عن مواجهة السلاح المنفلت ويكتفي بـ
هل يتخلى الكاظمي عن مواجهة السلاح المنفلت ويكتفي بـ"تسوية" مع "البيت الشيعي"؟

2020-09-02 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية


على الرغم من تكرار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تأكيداته بشأن مواجهة السلاح المنفلت والمال الفاسد، كمنطلق للإيفاء بتعهداته حول توفير الأجواء الملائمة للانتخابات المقبلة، فإن حديث "التسوية" بدأ يتنامى في الأيام القليلة الماضية.
ولم يكن الحديث عن تسوية محتملة بين الكاظمي وبقية الأطراف الشيعية، تحديداً تلك التي تمتلك أجنحة مسلحة، حاضراً حتى الاجتماع الأخير الذي جمعه معها في منزل زعيم "ائتلاف الفتح" هادي العامري.

ضغوط الكتل الشيعية

ورأى الصحافي العراقي أحمد حسين أن "الهدف الأبرز من الاجتماع هو محاولة القوى السياسية استعادة شيء من النفوذ في المدن الجنوبية الرئيسة وعلى رأسها محافظتَا ذي قار والبصرة"، مبيناً أن "هذا الهدف هو العنوان الأبرز لأي تسويات بين الكاظمي وبقية القوى الشيعية". وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "الكاظمي خضع لضغوط بعض الكتل داخل البيت الشيعي، لوّحت بإمكانية إقالته في حال عدم اتخاذه مواقف إزاء التصعيد الاحتجاجي المستمر".
وخرج الكاظمي ليعلن ملامح هذا الاتفاق عبر التوعّد بحاسبة مَن يعتدي على الأملاك العامة والخاصة، ودُعاة حمل السلاح بوجه الجماعات المسلحة التي تمارس عمليات الاغتيال ضد ناشطين. ويُعدّ هذا الخطاب الأول من نوعه، إذ تحدث خلاله الكاظمي بشكل واضح عن "إجراءات مشددة" قد تُتخذ ضد المحتجين، الأمر الذي قرأه مراقبون كإشارة إلى التصعيد الاحتجاجي الذي يطال مقار أحزاب وفصائل مسلحة في مدن عراقية عدة، تحديداً مدينة الناصرية في محافظة ذي قار.
وشدد الكاظمي في إطار حديثه عن تشكيل لجنة عليا للتحقيق بقضايا الفساد الكبرى، على أن الدعوات إلى حمل السلاح "ستواجَه بقوة القانون". وأضاف "في الوقت الذي ندعم فيه حرية التعبير ونشدد على أن التظاهرات السلمية العراقية هي مسار إصلاح وتصحيح، نؤكد أن كرامة قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ليست محل جدال، وأننا لن نتوانى عن تطبيق القانون ضد المعتدين على الأملاك العامة والخاصة والمسيئين إلى مبدأ التظاهر السلمي".
ولقي هذا الخطاب ترحيب زعيم ائتلاف "الفتح" هادي العامري، الذي اعتبره "مراعياً لكل النقاط التي أكدت عليها القوى الوطنية في اجتماعها الأخير معه"، الأمر الذي يعطي انطباعاً بأن الاجتماع كان منطلقاً لتسوية بين تلك القوى والكاظمي، ترسم ملامح الحراك السياسي المقبل.

تسوية مشروطة

وعلى الرغم من الحديث المتكرر لمراقبين عن حتمية الصراع مع الفصائل المسلحة، فإن تلك التسريبات تكشف إلى حد ما عن توجه جديد قد يفضي إلى نوع من "الهدنة" أو "التسوية" التي تضمن حالة من الهدوء وعدم التصعيد بين الأطراف المختلفة. وأشار مراقبون إلى أن مرتكز التسوية المحتملة بين الكاظمي وبقية الأطراف الشيعية هو إلزام رئيس الوزراء باتخاذ "إجراءات صارمة بحق المحتجين"، والتعهد بعدم "استثمار الاحتجاجات" في تفكيك نفوذ تلك القوى بعدد من المدن العراقية قبيل الانتخابات المرتقبة.

في السياق ذاته، أكد الصحافي العراقي أحمد حسين، انخراط الكاظمي في اتفاق يضمن له "حصة في الانتخابات المقبلة حتى لو كانت على حساب ساحات الاحتجاج"، مضيفاً "بدلاً من أن يسعى الكاظمي إلى إدارة تحقيق جاد وفعلي في قضايا الاغتيال والخطف والعنف الذي صاحب انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يبدو أنه قدم تنازلات ووعد القوى الشيعية بتقييد المحتجين تحت ذريعة حماية مقار الأحزاب ومنازل المسؤولين".
وأوضح حسين أن "ما سيحصل عليه الكاظمي في المقابل هو ضمان العبور نحو الانتخابات المبكرة من دون توترات أو تصعيد تقوده تلك الجهات". وتابع أن "القوى الشيعية المقرَبة من إيران باتت تستشعر خطر انزلاق مدن الجنوب العراقي إلى سيناريو الناصرية الذي أدى إلى خسارتهم نفوذهم في تلك المحافظة أمام الحركة الاحتجاجية"، مبيناً أن تلك القوى "تعتبر محاولات صياغة سيناريوهات مشابهة في مناطق نفوذهم بمثابة إعلان حرب صريحة، ما قد يدفعهم إلى اتخاذ كل الوسائل الممكنة لدرء احتمالات كهذه بكل الوسائل الممكنة".

كواليس اللقاء مع "البيت الشيعي"

وكان المتحدث باسم "تحالف الفتح" أحمد الأسدي كشف جانباً من كواليس اللقاء الذي جمع الكاظمي بقادة "البيت الشيعي"، حيث قال في لقاء متلفز إن "تحالف الفتح شكّل لجنة للتنسيق مع الكتل السياسية وقادتها"، موضحاً أن "اللجنة أجرت حوارات مع نوري المالكي وحيدر العبادي وعمار الحكيم وفالح الفياض وأطرافاً من تكتلَي سائرون والفضيلة، للتوصل إلى موقف موحد للبيت الشيعي، إزاء وجود محسوبين على الكاظمي على علاقة بما يجري من أحداث في التظاهرات". وأضاف أن "القوى الشيعية اتفقت على ضرورة الحديث مع الكاظمي بهذا الخصوص، بخاصة أن هناك ضعفاً في الأداء الأمني تجاه ما يجري في الناصرية والبصرة تزامناً مع دعوات حمل السلاح، وهذا يتناقض مع التظاهرات السلمية، وهو ناقوس خطر غير اعتيادي".
وبيّن الأسدي أن "القوى الشيعية اتفقت على مجموعة نقاط، وحضر رئيس الحكومة ودار حديث صريح بين الطرفين مفاده أن هناك معطيات أو معلومات عن أطراف قريبة من الكاظمي على علاقة بما يجري في البصرة والناصرية، كما تشير معلومات أو معطيات أخرى إلى وجود قوى سياسية في التظاهرات وتملك خيماً في البصرة والناصرية".
وأوضح الأسدي أن "الكاظمي المسؤول الأول في الدولة، دعا إلى التعاون لتكون التظاهرات للناس المطالبين السلميين ولا تشوبها أجندات داخلية وخارجية وحزبية، عبر تنظيفها ومراقبتها من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات"، مشيراً إلى أن القوى الشيعية "فوّضت الكاظمي بذلك لبسط الأمن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"وسيط للتسوية"

ورجّح مراقبون أن يلعب الكاظمي دور "الوسيط" في تسوية تبحث عنها الكتل السياسية مع المحتجين، إلا أن هذا الأمر يتعلق بمدى تقبل أطراف هذه المعادلة لتقديم التنازلات. واعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي أن "الكيانات السياسية تبحث عن مخرج من المأزق الذي تمر به من خلال صناعة تسوية بينها وبين الرأي العام العراقي، يتخذ الكاظمي فيها دور الوساطة". وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن "المأزق الذي سيواجه الكاظمي في إدارة تلك التسوية هي عدم إمكانية تحققها إلا من خلال الضغط على أحد أطراف المعادلة".

وأشار الشريفي إلى وجود مسارين للتسوية المحتملة، يتضمن الأول "فرض رؤية الأحزاب على الرأي العام، ما يعني إعادة انتاج المعادلة السياسية من جديد"، أما المسار الثاني فيتلخص في "القيام بإجراءات تقنع الرأي العام العراقي وتكشف ملفات فساد وإرهاب تطال قادة كتل رئيسة، الأمر الذي سيؤدي إلى جر تلك القوى إلى اتخاذ خيار التصعيد والصدام"، مردفاً "على الرغم من تفويض الكتل السياسية للكاظمي بلعب دور الوسيط فإن كل المعطيات تؤكد عدم إمكانية نجاحه في إدارة هذا الملف".
وتابع "الشارع العراقي ينتظر من الكاظمي أن يكون صانع قرار لا ساعياً إلى لعب دور الوسيط وصانعاً للتسويات داخل النظام السياسي".

ضربات "بسيطة" وتسوية "هادئة"

في السياق، استبعد الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني أن يلجأ الكاظمي إلى مواجهة مع السلاح المنفلت نظراً إلى النفوذ الكبير الذي تحظى به القوى السياسية الداعمة لهذا السلاح في مفاصل الدولة، مرجحاً لجوءه إلى "توجيه ضربات لبعض التنظيمات البسيطة" لاستمالة الرأي العام العراقي والمضي بتسوية "هادئة" مع تلك القوى.
وأوضح الموزاني أن "معرقلات عدة تمنع اتخاذ الكاظمي خيار التصعيد، أبرزها عدم امتلاكه مقومات هذا الصراع وتصاعد المطالبات بانسحاب القوات الأميركية والدعوات المتكررة لإسقاط حكومته".
ورجّح أن تشتمل التسوية على عروض من القوى السياسية للكاظمي بدور كبير في مشهد ما بعد الانتخابات مقابل التزامه بشروطهم، مبيناً أن "ما قد يدفع الكاظمي إلى قبول هذا الطرح، هو عدم قدرته على كسب ود المتظاهرين من دون حسم قضاياهم الرئيسة".
وختم بالقول إن "كل تلك العوامل ستؤدي إلى تبني خيار مقاطعة الانتخابات خصوصاً بين أوساط المحتجين والمتعاطفين مع الحركة الاحتجاجية، وهذا الأمر قد يمثّل منطلقاً جديداً لاحتجاجات كبرى لا تستثني الكاظمي لعدم إيفائه بوعوده إزاءهم".