الثورة بقائدها.. النهضة الحسينية أنموذجا
كتب / احمد البديري
اكتسبت النهضة الحسينية على مدار التاريخ سمات عديدة ميزتها عن باقي الحراكات الجماهيرية المعارضة ، ومن أهم معالم الثورة الحسينية البارزة والتي اختصت بها دون سائر الثورات الأخرى هي وجود قيادة واعية ورشيدة لها ، هذه القيادة امتلك من المؤهلات والصفات ما لم يتوفر لشخصية غيرها في زمانها المعاصر وهي شرعية القيادة وشرعية الحراك وشرعية الثورة.
فعلى صعيد شرعية القيادة فإن الإمام الحسين (عليه السلام) اكتسب تلك الشرعية من كونه الوريث الشرعي لقيادة الإسلام سواء على مستوى الواقع السياسي والذي تمثل بإلزام معاوية لنفسه في صلحه مع الإمام الحسن (عليه السلام) على أن تكون الخلافة من بعده للإمامين الحسن أو الحسين (عليهم السلام) وهذا أول شرط وبند في معاهدة الصلح، وباستخلاف معاوية لابنه يزيد يكون قد نقض أهم بنود تلك المعاهدة وبالتالي بمجرد استلام يزيد الحكم أعلن الإمام الحسين (عليه السلام) رفضه لهذا الحكم والحاكم وأبرز ذلك الموقف في مقولته الخالدة ( مثلي لا يبايع مثله).
أما على صعيد التخطيط الإلهي والتدبير النبوي فإن الإمام الحسين (عليه السلام) هو (أمام أن قام أو قعد) بحسب الحديث النبوي الشريف المعتمد والموثوق لدى أبناء المذاهب الإسلامية كافة ، وبذلك يكون هو الإمام المفترض الطاعة لدى المسلمين عموما ، ولذلك برز موقف شيعة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في تسليمهم وايمانهم بالامام الحسين (عليه السلام) إمام قائد معصوم ، وتعزز ذلك الإيمان بعد وفاة الامام الحسن (عليه السلام) .
أما شرعية الحراك فإن الإمام الحسين (عليه السلام) وبحسب ما تقدم آنفا وبحسب مسؤوليته الشرعية كان مسؤولا عن اصلاح أوضاع المسلمين البائسة ، ومواجهة الحاكم المستبد المتهتك وحكومته وزبانيتها الظالمين، الذين أفسدوا أحوال المجتمع وسخروا خيرات البلاد الإسلامية لجيوبهم الخاصة وعوائلهم واحزابهم ، وتركوا الناس تعاني على كافة الأصعدة ، بالإضافة إلى سياسة القسوة والوحشية والبطش التي كانت حكومة يزيد تمارسها ضد المسلمين عموما ومعارضيها بصورة خاصة ، والتي استمرت خلال أعوام حكمه الأربعة وشهدت الأمة الإسلامية خلالها جرائم سجل التاريخ صفحاتها بالدماء لفداحتها وقسوة أجرامها ، ولذلك كان على الإمام الحسين (عليه السلام) واجب عيني في ضرورة الخروج على الحاكم المستبد وحكومته الظالمة..
أما مسألة شرعية الثورة فإنها جائت من خلال آلاف الكتب التي وصلت إلى الأمام في المدينة من الكوفة وغيرها من البلدان والمدن وبحضور الناصر لم يكن أمام الإمام الحسين (عليه السلام) سوى اعلان الثورة على الحكام الطغاة الفاسدين، ولم يسجل التاريخ للثورة الحسينية سوى مظاهر السلمية والحرية واحترام الإنسان ولم يتم الاعتداء على الأفراد أو الممتلكات العامة أو تنفيذ أجندات خارجية كما حصل في أكثر الثورات اللاحقة ، ولم تكن حملات الإمام الحسين (عليه السلام) وأهله وصحبه في صبيحة يوم عاشوراء الا للدفاع عن النفس والأهل بعد أن أعلن ابن سعد حملة الإبادة الجماعية لمعسكر الحسين (عليه السلام) في أول سهم رمي على معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) ..
ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بسلميتها وغاياتها وأهدافها واساليبها سلبت الشرعية من كل الثورات الزائفة والمأجورة على مدى التاريخ، لأن الثورة الحسينية كانت واضحة في المعالم على مستوى القيادة أولاً، ولأنها أسست مقدمات راسخة وثوابت واضحة لكل الثورات الساعية للتغير والإصلاح الحقيقي والتي يجب أن تتجلى على صعيد الأهداف والوسائل والغايات النقية .