محتجو العراق ينذرون حكومة الكاظمي في ذكرى انتفاضتهم الأولى
في الساعات الأخيرة من مساء 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، كان الشباب العراقيون في شوارع بغداد يوزعون أعلام البلاد على المارة والسيارات، وينتظرون أن تمضي بهم عقارب الساعة إلى الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، لتحل الذكرى الأولى للانتفاضة العراقية، حيث سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، وسقطت حكومة وجاءت أخرى وتغيرت موازين قوى.
وعلى بعد عام من ذلك اليوم، الذي لم يكن في حسبان فاعليه الأوائل أن يجري بعده كل ما جرى، يتجه العراقيون إلى ساحة التحرير مجدداً، بين مطالب بحصر السلاح بيد الدولة، ومحتفل بنصر الانتفاضة الجزئي، وبين رافع لكارت أصفر تحذيري في وجه حكومة مصطفى الكاظمي، ولسان حالهم يقول "لا تزال حكومتكم تحت الاختبار، في تنفيذ مطالب الانتفاضة وعلى رأسها محاسبة المتورطين في قتل المحتجين".
وتجمعت حشود كبيرة من المتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية ومحيطها لإحياء الذكرى السنوية للانتفاضة، مستذكرين القمع والقتل اللذين مارستهما قوات الأمن وميليشيات في فترة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، مجددين مطالبتهم بمحاسبة قتلة المحتجين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وفق قانون عادل، فضلاً عن ضرورة توفير مستلزماتها وحصر السلاح بيد الدولة.
وفي شكل مواز، أعاد مدونون عراقيون استذكار لحظات الحركة الاحتجاجية، من خلال إعادة نشر مقاطع فيديو وصور لفترات مختلفة منها، فيما أعادوا نشر مقاطع وثقت عمليات القمع التي مورست عليهم في الموجة الأولى للانتفاضة، فيما ذيلت آلاف التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي بوسم "تشرين الصمود تعود".
وعلى وقع الذكرى السنوية للانتفاضة، أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في بيان، أن حكومته جاءت "بناء على خريطة الطريق التي فرضها حراك الشعب العراقي ومظالمه وتطلعاته"، مجدداً تعهداته بمحاسبة المتورطين بأحداث القتل، وإجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة على أساس قانون عادل.
وفيما دعا المحتجين إلى الالتزام بالسلمية والمسار الوطني الذي ضحى من أجله "شهداء أكتوبر"، أشار إلى أن "حراك أكتوبر في القلب والضمير، حراك للإنسانية جمعاء من منبع الفكر الإنساني وهويته الرافدينية، مع شبابنا ومع شعبنا سنحقق تطلعاتنا بوطن سيد عظيم مهاب يحكمه القانون ويستنار بشمس قيمه ومثله العليا".
في غضون ذلك، جددت منظمة العفو الدولية دعوتها الحكومة العراقية إلى "تكثيف جهودها من أجل تحقيق العدالة لمئات الضحايا الذين قتلوا أثناء ممارسة حقهم في التجمع السلمي".
وقالت عبر صفحتها في "تويتر"، "بعد عام على المظاهرات في العراق للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية ووضع حد للفساد، لا يزال العشرات من النشطاء الشجعان يتعرضون للمطاردة والقتل".
تذكير واستذكار
وتتفاوت أراء النشطاء حول ما تحقق بعد عام على انتفاضتهم، بين متفائل بإجراءات حكومية قد تفضي إلى تحقيق مطالبهم، وبين مشكك بإمكان أن يُقدم الكاظمي على خطوات كبرى تضمن تحقيق تلك المطالب، إلا أنهم أجمعوا على أن تظاهرة الخميس ليست استذكاراً وحسب، بل تذكير للحكومة بضرورة إنجاز مطالب الانتفاضة.
ويقول الناشط والصحافي علي رياض إن "الكثير من مطالب الثورة لا يزال غير متحقق، وعلى رأسها محاكمة قتلة المتظاهرين، لكن من لا يرى ما تم تحقيقه حتى الآن لا يرى شيئاً".
ويضيف لـ "اندبندنت عربية"، "حكومة الكاظمي بالرغم من التحفظات الكبيرة للمحتجين عليها، اعتقلت عدداً غير قليل من الفاسدين، وبدأت بكثير من الإجراءات الإصلاحية التي نادى بها ثوار أكتوبر في زمن حكومة القناص".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن مساحة الحرية التي يشعر بها المحتجون، يقول رياض "أستطيع اليوم أن أشعر بتهديد أقل بكثير من القوات الأمنية في ساحة التحرير عما كان سابقاً، ولا أشعر بالخوف حين أدخل إلى مقر عملي الحكومي رامياً الشماغ العراقي على كتفي".
في المقابل، يستذكر عدد من الناشطين فقدان زملائهم بنوع من الحسرة، إذ يرون أن شيئاً لم يتحقق من مطالبهم الأساسية، وعلى رأسها القصاص من القتلة والتأسيس لمرحلة حكم مغايرة.
ويقول الناشط علاء ستار، "لا يمكن اعتبار ثورة أكتوبر ناجحة من دون تحقيق جميع مطالبها، وعلى رأسها القصاص من قتلة زملائنا في الاحتجاج"، مردفاً، "القصاص من القتلة ليس مجرد مطلب انتقامي، بل تأسيس لمنهج يجرم أية سلطة تقدم على قتل العراقيين".
ويضيف لـ "اندبندنت عربية"، "لا زلنا نأمل بتحقيق مطالبنا، وما يجري اليوم ليس مجرد استذكار، بل تذكير لحكومة الكاظمي بأن الاستمرار بالتسويف لن يؤدي بها إلا لمصير حكومة القناصين السابقة".
يأس وغضب
ويرى مراقبون أن الغضب واليأس يسيطران على مشهد استذكار "انتفاضة أكتوبر"، لأن الروح الثورية التي سيطرت على المحتجين آنذاك كانت تتوقع حلولاً جذرية تصل إلى حدود تغيير النظام، وهو ما يشير إليه الكاتب والباحث هشام الموزاني، الذي يضيف لـ "اندبندنت عربية"، أن "الأزمة الاقتصادية والأداء الحكومي الهزيل والاستهتار الميليشياوي نقل الشباب إلى حال اليأس تلك".
ويشير الموزاني إلى أن محاولات الأذرع السياسية الفاعلة إفراغ الانتفاضة من محتواها السياسي أدى إلى "غياب أبعادها السياسية عن المشهد، وعدم إنجاز مطالبها"، مبيناً أن "استهداف الميليشيات للناشطين وغياب حماية الدولة أثرا بشكل واضح في توجهات الانتفاضة، وأتاحا للمنظومة السياسية إعادة إنتاج نفسها".
ويختم أن "لحظة أكتوبر لن تكون عابرة، لكن التساؤل الأهم الآن هو مدى إمكان أن تكون ذكراها الأولى منطلقاً لنشوء حراك سياسي ناضج، يسهم في إزاحة الحرس القديم في النظام السياسي".
إعادة بلورة الهوية الوطنية
في المقابل، يشير باحثون إلى أن المتغيرات التي أحدثتها انتفاضة أكتوبر العراقية كثيرة، أبرزها كسر الشارع العراقي لقرار القوى السياسية التقليدية، واستمرار قلقها من امتدادات وتأثير الانتفاضة على الواقع السياسي للبلاد.
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن "ما تحقق في ثورة أكتوبر، إضافة إلى إسقاط حكومة عبدالمهدي، هو قبول القوى السياسية بالانتخابات المبكرة بقانون جديد، والذي ما كان ليحدث لولا الثورة".
ويشير الشمري إلى بعد آخر أنتجته انتفاضة أكتوبر، يتمثل في "إعادة بلورة الهوية الوطنية والدفاع عنها"، مبيناً أن عنوان الانتفاضة الرئيس "استعادة الوطن من قوى الفساد واحتكار السلطة، وإسقاط شرعية الحكومة والبرلمان".
ويعتقد الشمري أن "التأييد الشعبي الكبير الذي تحظى به الانتفاضة سيفرض نفسه في الانتخابات المقبلة، وسيكون عاملاً رئيساً في تغيير الخريطة السياسية".
وفي شأن إمكان أن يمثل استذكار الانتفاضة حافزاً لحكومة الكاظمي في تحقيق مطالب المحتجين، يشير الشمري إلى أن "اعتراف رئيس الوزراء بأن حكومته نتاج خريطة الثورة، سيدفعه بالضرورة للعمل على الاقتراب بشكل أكبر من مزاج المحتجين ومطالبهم، خصوصاً أنه لا يملك كتلة سياسية تدفع باتجاه تنفيذ تعهداته".
وشهدت الاحتجاجات العراقية التي انطلقت مطلع أكتوبر 2019، أحداث قمع عنيفة خلفت 700 قتيل و20 ألف جريح، فيما تستمر المطالبات بمحاسبة المتورطين في تلك الأحداث من قوات الأمن والميليشيات، من دون استجابة تذكر.