"اتفاق سنجار" يغري محافظات أخرى رغم ضبابية بعض البنود
منذ أربع سنوات على أقل تقدير، تفشل الحكومات العراقية المتعاقبة والقوى السياسية "السُنية" في إعادة تقنين الأوضاع بالمدن التي كانت محتلة من "داعش"، بالرغم من محاولات عدة في هذا الاتجاه.
ولا يزال نحو مليون شخص بعيدين من منازلهم في العراق، و200 ألف منزل مدمر أعيد بناء عدد قليل منها داخل ثمان مدن، اُعتبرت منكوبة بسبب الحرب التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ضد "داعش".
ويتعلق الجميع الآن بأمل نجاح "اتفاق سنجار"، الذي كُشف النقاب عنه قبل أيام من أجل تطبيقه على باقي المدن، وإنهاء أزمة إنسانية مستمرة منذ ست سنوات، حيث أجبر "داعش" ستة ملايين مواطن على النزوح، خلال فترة سيطرته على نحو نصف مساحة العراق.
ومن المفترض أن يعيد الاتفاق بين حكومتي بغداد وأربيل عاصمة إقليم كردستان، الذي أعلن الجمعة الماضي، نحو 350 ألف نازح إلى سنجار، تزامناً مع انسحاب عدد من الفصائل المسلحة، واستبدالها بقوات اتحادية.
الجماعات الدخيلة
وتتشابه أوضاع سنجار الواقعة شمال الموصل والمحاذية لمناطق إقليم كردستان إلى حد كبير مع أوضاع عدد من المدن غرب وشمال البلاد، والتي كانت محتلة من "داعش".
ويدفع ذلك التشابه القوى السياسية من الطائفة السُنية التي تمثل أغلبية السكان هناك، إلى المطالبة باتفاق مماثل يخلصها من مشكلة "الجماعات الدخيلة"، كما يصفها النائب عن الأنبار محمد الكربولي.
ورحّب الكربولي في تغريدة له عبر "تويتر" بالاتفاق الحاصل بين بغداد وأربيل لتطبيع الأوضاع في قضاء سنجار، معتبراً إياها جهوداً كبيرة لإعادة الأهالي وإعمار مناطقهم، ومطالباً في الوقت ذاته "بإنصاف الأبرياء في السجون، وإيجاد الحلول لقضاياهم".
ودعا النائب الكربولي في التغريدة ذاتها التي وسمها بـ "افعلها وادخل التاريخ"، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى "إنهاء سطوة الجماعات الدخيلة في المحافظات المحررة".
وبحسب مصادر "اندبندنت عربية" في الموصل مركز محافظة نينوى، فهناك ما يقرب من 15 ألف مسلح في سنجار، بينهم أربعة آلاف مسلح ينتمون إلى وحدات "إيزيدية" بعضها مرتبطة بهيئة الحشد الشعبي، إضافة إلى أطراف مسلحة تابعة لحزب العمال الكردستاني، وفصائل كردية - سورية أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تُعرف حتى الآن الآلية التي ستقوم بها حكومة بغداد لإبعاد تلك الجهات عن سنجار، إذ حاولت في مرات سابقة السيطرة على عدد من الفصائل التي اتهمت بقصف المنطقة الحكومية المعروفة بـ "المنطقة الخضراء" وسط بغداد وتضم السفارة الأميركية، بالصواريخ.
وبسبب الحرب على "داعش"، كان هناك نحو 40 فصيلاً ضمن الحشد الشعبي شارك في عمليات التحرير، وبقيت الغالبية العظمى منها في تلك المناطق لتوفير الحماية وسد النقص في عدد القطاعات العسكرية، بالرغم من وجود نحو مليوني عنصر أمني في العراق يتبعون وزارتي الداخلية والدفاع.
في المقابل، شهدت بعض تلك المناطق التي توجد فيها الفصائل قرارات منع من الجماعات المسلحة لأسباب متفاوتة، لكن الترتيبات الأمنية كانت لها الصدارة في "فيتو" عودة السكان، وأخرى تتعلق بخلافات مذهبية وعشائرية، وأبرز هذه المناطق موجودة في محافظات ديالى وصلاح الدين وجنوب بغداد.
أطلال المدن
في صلاح الدين شمال بغداد، بقيت بعض الهياكل والأطلال من آثار الحرب ضد "داعش" التي انتهت قبل أربع سنوات، حيث حررت أغلب مناطق المحافظة في 2016، وبالرغم من ذلك فهناك مناطق عدة لم يعد سكانها حتى الآن.
يقول المسؤول المحلي في المحافظة، سبهان ملا جياد لـ "اندبندنت عربية"، إنه "أمر جيد أن تتم تسوية الأوضاع في سنجار، وأن يكون هناك اتفاق مشابه في صلاح الدين، لكن فشلنا هنا في تجارب عدة لإعادة ترتيب الأوضاع".
في بلدة تقع شرق تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، تحررت بعد أقل من 3 أشهر من سيطرة داعش، يضطر بعض السكان الذي عادوا أخيراً من مخيمات النزوح، إلى القسم على القرآن "زوراً" في مقابل الحصول على تعويضات لبناء منازلهم المدمرة.
و"سليمان بيك" ناحية أغلب سكانها يعودون لعشيرة "البيات"، تضررت 90 في المئة من منازلها بمستويات مختلفة، بينها 800 منزل دمرت بالكامل، من أصل 4 آلاف.
وأخبرنا رئيس المجلس البلدي في الناحية رشيد كريم، أن "1500 بيت عاد سكانها مع استمرار شح الخدمات، فيما يعوق الخوف من الأوضاع الأمنية عودة البقية".
الناحية عادت إلى سيطرة القوات العراقية نهاية أغسطس (آب) 2014، وكان الحشد الشعبي أبرز الجهات التي شاركت في تحريرها، واستمرت بحماية المنطقة حتى وقت قريب.
وكانت قوات تابعة لـ "منظمة بدر" مسؤولة لسنوات عن الملف الأمني هناك، واشترطت عام 2015 اشتراطات وصفها مسؤولون بـ"التعجيزية" من أجل القبول بعودة جزء من السكان، إذ وضعت تلك القوات 18 شرطاً، بينها أن تتعهد العشائر بعدم حدوث أي خرق أمني في البلدة بعد عودة الأهالي، وكان هذ الشرط صعباً للغاية، حيث لم ترد أية عشيرة التورط في قطع مثل هذا الوعد.
وبعد أعوام على تحرير الناحية، خُففت الشروط التي تمنع عودة السكان، إذ سمح لبعض ذوي "داعش" بالعودة، إذ إنه من دون هذا الإجراء فلا يمكن لأي أحد العودة، لأن كل العائلات محسوبة على أنها من أُسر التنظيم، لانحدارها من عشيرة واحدة.
ويقول مسؤولون هناك إن الجهات القضائية لا تمرّر أية معاملة تعويض قبل أن يحلف المتضرر على "القرآن" بأن من دمر منزله هو داعش، وأن كثيرين لا يعرفون بالضبط من فعل ذلك، لذلك يرفض البعض القسم، فيما يحلف آخرون لتسير معاملاتهم في شكل طبيعي، بالرغم من عدم تسلمّ أي متضرر مبلغ التعويض حتى الآن.
بدوره، يقول القيادي في الحشد الشعبي بصلاح الدين، علي الحسيني، إن "الحشد لا يضع شروطاً ولكنه يحاول حماية أهل المنطقة"، مؤكداً أن "الحشد أعاد 13 ألف شخص إلى سليمان بيك".
أما في مسقط رئيس النظام السابق صدام حسين، فأخبرنا النازحون أن "الحشد الشعبي يرفض إخلاء المقار داخل البلدة، ولذلك لا نستطيع العودة".
لكن في المقابل، تقول هيئة الحشد إنها تعمل على "تهيئة ظروف عودة النازحين إلى العوجة". وأضافت في بيان صدر في سبتمر (أيلول) الماضي أن عودة النازحين "ستتم بخطوات عملية وفنية مدروسة بعيداً من أي ضغط سياسي".
ومثل "سليمان بيك" و"العوجة"، فهناك مناطق في قضاءي الدجيل وبلد وناحية يثرب وجنوب تكريت، تواجه المصاعب ذاتها. ويقول سبهان ملا جياد إن "بعض قرى جنوب تكريت فيها خلافات مذهبية بين عشائر شيعية وأخرى سنية، منعت عودة السكان بسبب اتهام الأولى للثانية بالانتماء إلى داعش".
اتفاق سنجار تحت الخطر
ولا يزال "اتفاق سنجار" مهدداً بالانهيار، خصوصاً مع الانتقادات الواسعة من بعض القوى الشيعية وأبرزها زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي اعتبرها في بيان صدر عنه السبت، "مجاملة سياسية ومكافأة انتخابية على حساب الإيزيديين".
وترى بعض المصادر السياسية أن هذه الاعتراضات ربما تنسف الاتفاق بالرغم من جدية الجانب الكردي في إتمام قضية إعادة التطبيع، لحل أزمة مستمرة منذ سنوات في ما يعرف بـ"المناطق المتنازع عليها".
وتعتقد المصادر ذاتها أن المناطق السُنية "لا تملك ممثلين جادين مثلما هو موجود في كردستان"، وتتهم بعض الأطراف في المدن المحررة بـ "عقد صفقات" تجارية وسياسية مع بعض الجماعات المسلحة، ما يعزز بقاء تلك الفصائل ويمنع عودة النازحين، وترجّح كذلك أن المدن ذات الأغلبية السُنية "ليست على قائمة أولوية الحكومة".
لكن النائب السابق عبدالكريم عبطان، يقول إن "على الحكومة أن تضع جميع مدن العراق على رأس أولوياتها، فهناك ملفات إنسانية مثل النازحين وارتفاع البطالة وتخلّف الأطفال عن المدارس، جميعها بحاجة إلى حل سريع".
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تعهد في يونيو (حزيران) الماضي بإنهاء أزمة النازحين، أثناء زيارته لمخيم إيواء في محافظة نينوى.
مدينة أشباح قرب مكتب الكاظمي
هناك أكثر من 60 ألف مواطن هم سكان المدينة، لا زالوا نازحين في منطقة تبعد أقل من 100 كيلومتر عن مكتب رئيس الوزراء في بغداد.
ويقول النائب السابق إن "جرف الصخر، جنوب بغداد، يُمنع السكان من العودة إليها منذ ست سنوات ومن دون مبررات". وتدخل الحشد الشعبي لتأمين محيط جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل بعد سقوط الموصل في يونيو 2014، واستطاع بعد أشهر إعادة السيطرة على المدينة.
وكان محافظ بابل السابق صادق مدلول السلطاني، رفض عودة نازحي الجرف. وقال إن الحكومة المحلية تعتبر أن "الخلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي لا تزال فاعلة في مناطق مجاورة للبلدة".
بدوره، قال المحافظ الأسبق سالم المسلماوي، إن خطر "داعش" في البلدة ليس كبيراً". وتابع، "هناك حرص كبير من القوات الأمنية على عدم عودة النشاط المسلح، لكن داعش يهتم بالعودة لأهمية المنطقة".
ومثل جرف الصخر، فهناك قرى في غرب وشرق ديالى ما زالت فارغة من السكان المقدر عددهم بنحو 30 ألف شخص. ويقول عبدالخالق العزاوي، النائب عن ديالى، إن "بعض القرى أخليت بسبب سيطرة داعش، ولم يعد السكان لها بسبب عدم تأمينها إلى الآن من الهجمات التي يشنها التنظيم بين حين وآخر".