الاهوار “الفردوس”… جاسم الاسدي
كتب جاسم الأسدي في فيسبوك:
تأسرك الأهوار ، وأنت تتابع إيقاع حركة الزوارق مع صوت الراحل داخل حسن، صوت جنوبي عذب يغرد مواويلاً ،ويترنم حزناً كأنه شاهد على مجزرة أهوارية ستقع ذات يوم.أكواخ و”مضائف” تنتظم على محيط بحيرة جميلة تعج بطيور آتية من شمال كرتنا الأرضية هربا من الثلوج وبحثا عن الدفئ والطعام.أنها عمارة القصب تلك التي أبتدعها السومريون قبل خمسة آلاف سنة. أطفال لم يعرفوا الأبجدية بعد تجذبهم السباحة قبل أن يتقنوا الركض على اليابسة.الأنسان متيم بالطبيعة حد الهوس، يتناغم معها بحنو ومودة، يتفاعل مع مكنوناتها بمعرفة فطرية عميقة ويشاركها مسراتها وأحزنها أبتهاجا وأنفعالاً وألما في مواسم العطاء والتنوع الأحيائي وعند كوارث الجفاف وفجيعة شحة المياة.عالم يختزل الحياة بالفطرة، وسحر المفردة السومرية والأكدية والآرامية ،بتوهج العواطف وولادة الربيع مع الأطلالة الأولى لنقيق الضفادع،وتفتح زنابق الماء،وأخضرار القصب.عالم تتجاذبه فنطازيا الأسطورة، وحكايا الجن، وقصص الموروث والخليقة الأولى بكثير من الأهتمام والتفاصيل وروح المغامرة.
يأسرنا حد النخاع أولئك الذين تعمدوا بالماء، وتيمموا ” بالخريط” ذلك الدقيق الأصفر لبذور البردي في أوج نضوجه، فجعلت النساء منه حلوى للأطفال ،ووليمة لضيوف العائلة وهي تفترش الحشائش على جزيرة طافية حديثة التكوين.مربي جاموس يتبادل مع قطيعة لغة أقرب الى الموسيقى والتطريب، يجذبها نحوه بشدو يرتفع رويداً رويداً مع تناغم القطيع معه.يأسرك هذا السحر ، وتلك العلاقة الحميمة لكائنات وحدتها البيئة.
لقد كانت الأهوار فردوساً،يزدهي بتراث حضارة متميزة وما زالت ” الأشن” التي يتخذ منها السكان المحليون مواقعاً لأستيطانهم شاهداً على هذا الأمتداد التاريخي العريق.لكن نار “حفيظ” لم تعد تحرس كنوزه وخفاياه، أذ أشتعلت في الأفق ناراً أخرى لآبار بترول حديثة.
في البدء كانت الطبيعة،أنثوية،معطاء،مبتهجة بكينونتها،ثم أنتظمت الكائنات وتشكلت المعالم ،أزدحمت الخطى وكان ماكان…
واليوم وبعد مدى شاسع من الأنطلاقة الأولى،نعود الى طبيعة أكثر أحتياجاً لديمومتها والمحافظة عليها.أنها أرثنا الجميل وماتبقى لنا من أسلافنا القدماء.