المحطات السوداء في تاريخ الاقتصاد العراقي... الخسائر صادمة في 3 عقود
شهد عقد التسعينيات من القرن الماضي العديد من المحطات الفاصلة في تاريخ الاقتصاد العراقي، إذ بدأ الغزو العراقي للكويت وتوالت التبعات بفرض الحصار على الدولة التي تمتلك خامس أكبر احتياطي نفط على مستوى العالم، لتتغير الأوضاع ويدخل الاقتصاد النامي في سلسلة من الأزمات التي انتهت بأن يبلغ سعر صرف الدولار الأميركي نحو 3000 دينار، بينما كان قبل الغزو وتحديداً قبل شهر أغسطس (آب) 1990 نحو 1.86 دولار لكل دينار.
وربما لم تكن حقبة التسعينيات هي بداية الأزمات التي يواجهها الاقتصاد، إذ تشير التقديرات إلى أن خسائر العراق من الحرب مع إيران بلغت نحو 452 مليار دينار كانت توازي نحو 840.72 مليار دولار.
وإضافة إلى حرب إيران، جاء عام 1988 ليشهد الاقتصاد هناك أزمة كبيرة مع تهاوي أسعار النفط، إذ تشير التقديرات إلى تهاوي الإيرادات إلى نحو 11 مليار دولار، ثم ارتفعت إلى 14.5 مليار دولار بما يوازي نحو 55 في المئة من إجمالي العائدات خلال عام 1980.
وصاحب التهاوي في الناتج المحلي للعراق ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية. فقد وصلت المعدلات من مستوى 95 في المئة خلال عام 1980 إلى نحو 369 في المئة خلال عام 1988. ما تسبب في ارتفاع جميع أسعار السلع والخدمات وزيادة تكلفة الحياة ودخول فئات واسعة من العراقيين في دائرة الفقر المدقع. وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت وزارة التخطيط، أن نسبة الفقر في العراق بلغت 31.7 في المئة، مقارنة بما كانت عليه النسبة في عام 2018 والبالغة 20 في المئة. ووفق هذه النسب، فإن 11.4 مليون عراقي يقعون في دائرة الفقر.
أزمة كورونا تقلص تدخل المركزي في سوق الصرف
بالنسبة إلى الدولار مقابل الدينار العراقي، وفق بيانات البنك المركزي، فشهد تطورات ومنحنيات غاية في الصعوبة منذ عام 1959 حتى العام الحالي. فقد كان الدينار يساوي نحو 2.28 دولار خلال عام 1959، وخلال الفترة من عام 1971 حتى عام 1973 ارتفع سعر صرف الدينار ليساوي نحو 3.37 دولار مسجلاً ارتفاعاً بنحو 0.57 دولار بنسبة ارتفاع بلغت نحو 20.35 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الفترة من عام 1973 وحتى عام 1986 شهد الدولار ارتفاعاً بنسبة 4.74 في المئة رابحاً نحو 0.21 دولار مقابل الدينار العراقي، وأصبح سعر صرف الدينار يساوي نحو 3.21 دولار. وخلال الفترة من عام 1989 حتى عام 1994 انهار سعر صرف الدينار مقابل الدولار لتفقد العملة العراقية نحو 42.05 في المئة من قيمتها مقابل الورقة الأميركية الخضراء التي أصبحت تساوي نحو 1.86 دينار فقط.
وفي نهاية عام 1995 كان التطور الأكبر وربما الأعنف في تاريخ التعاملات بين العملة العراقية والدولار الأميركي الذي أصبح يساوي نحو 3000 دينار. وواصل التحرك في هذا المستوى إلى أن بدأ التراجع خلال عام 2003 ليحوم حول مستويات 2000 دينار. وواصل التراجع ليسجل في الوقت الحالي مستوى 1260 ديناراً لكل دولار.
وبسبب هذا التهاوي الكبير في سعر صرف الدينار العراقي، فإن البنك المركزي يحرص على التدخل بشكل دوري ويضخ كميات كبيرة من الدولار، لكن خلال الفترة الماضية ومع استمرار تهاوي عائدات بيع النفط والتداعيات السلبية الخطيرة التي خلفتها جائحة فيروس كورونا، فقد قلص "البنك المركزي العراقي" تدخله في سوق الصرف.
أسوأ أداء اقتصادي منذ سقوط نظام صدام حسين
على مستوى الناتج المحلي الإجمالي للعراق، تشير إحصائية حديثة أعدها الجهاز المركزي التابع لوزارة التخطيط، إلى أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي بالأسعار الجارية للنصف الأول من عام 2020، بلغ مليوناً و341 ألف دينار (ما يعادل 1100 دولار)، مقارنة بالفصل الأول من عام 2019 الذي بلغت فيه مليوناً و707 آلاف دينار (نحو 1300 دولار)، بانخفاض بلغت نسبته 12.3 في المئة.
ووفق البنك الدولي، من المتوقع أن يسجل العراق الأداء الأسوأ له على صعيد النمو السنوي لإجمالي الناتج المحلي منذ سقوط نظام صدام حسين، في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا، وصدمة أسعار النفط، والاحتجاجات التي تفجرت في الآونة الأخيرة، وغياب الإصلاحات، والعجز عن معالجة الفساد. وأشار إلى خسارة الموازنة العراقية نحو 11 مليار دولار من عائدات بيع النفط خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، بسبب تراجع أسعار النفط إثر أزمة فيروس كورونا، بحسب وزارة النفط العراقية.
ويبدو أن أمد أزمة أسعار النفط سيطول في ظل ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا، إذ يشير البنك الدولي إلى أنه في حال استقرار أسعار النفط ضمن حدود 30 دولاراً المتدنية وعدم اتخاذ أي تدابير إصلاحية يُرجح أن عجز الميزانية العراقية سيتجاوز 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020. ومن المتوقع أن تصل احتياجات التمويل الإجمالية إلى 67 مليار دولار (أكثر من 39 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي).
وتشكل صادرات العراق النفطية نحو 98 في المئة من تدفقات العملة الأجنبية إلى البلاد، إذ يشكل النفط نحو 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و93 في المئة من إيرادات الموازنة العامة.