الحصص المائية للعراق بين فكي تركيا وإيران
لا تقتصر الاشكالات التي يمر بها العراق على الجوانب السياسية والمالية، بل تبدو كل مشغلات الاقتصاد في وضع طارئ، وعلى رأسها ملف المياه، إذ لا يمر عام من دون أن يبدي العراق قلقه إزاء حصصه المائية المتناقصة من الأنهر المشتركة مع تركيا وإيران، ولا اتفاقات ملزمة في شأن الحصص المائية.
مشروع جنوب شرقي الأناضول
ولعل ما يزيد من تعقيد الأوضاع هو استمرار أنقرة بتنفيذ "مشروع جنوب شرقي الأناضول" (gap)، الذي يشتمل على مشاريع إرواء ضخمة على الأنهر المشتركة مع العراق. ما يسهم بشكل متزايد في تقليل حصصه المائية، فضلاً عن المشاريع التي تقوم بها طهران على الأنهر والروافد المشتركة بينها وبين العراق.
وترى وزارة الموارد المائية العراقية، أن كلاً من تركيا وإيران لا تبديان أي التزامٍ بالمعايير الدولية بهذا الشأن.
ويقول عون ذياب، المستشار في وزارة الموارد المائية العراقية، إن "المشاريع التركية المقترحة على نهري دجلة والفرات تدخل ضمن مشروع (gap) لتطوير منطقة جنوب شرقي الأناضول".
ويكشف لـ"اندبندنت عربية"، أن "أنقرة باشرت بناء سد سوليفان على نهر دجلة شمال ديار بكر"، مبيناً أن "هذا المشروع يهدف إلى إرواء مساحات واسعة من الأراضي الزراعية". ويتابع "أما المشروع الآخر فهو سد جزرة الذي يقع جنوب سد أليسو قرب الحدود العراقية- السورية- التركية، وتصاميمه جاهزة وستنفذه تركيا"، لافتاً إلى أن الهدف من هذا المشروع "إرواء مساحات تزيد على 500 ألف دونم".
وبحسب ذياب، فإن المشكلة ستتفاقم وسيخسر العراق كميات كبيرة من المياه، بعد إكمال المشاريع الملحقة في منظومة استكمال مشروع جنوب شرقي الأناضول (gap) على نهري دجلة والفرات.
وعلى الرغم من تلك المؤشرات غير المطمئنة، يلفت ذياب إلى أن "الخزين المائي المتوافر يكفي لتغطية الخطة الزراعية للبلاد، فضلاً عن بقية الحاجات لهذا العام"، مضيفاً أن "التخوف يتعلق بسنوات الجفاف فضلاً عن كيفية التوصل لتفاهمات في المستقبل".
عدم اكتراث لحصص العراق
وفي شأن التفاهمات مع تركيا وإيران، يلفت ذياب إلى أن "ما تفعله كل من أنقرة وطهران مخالف للمعايير والقوانين الدولية، وآخرها قانون الأمم المتحدة الخاص بالأنهر العابرة للحدود غير الملاحية والذي ينص أن على دول المنبع ألا تسبب بضرر ذي شأن في دول المصب"، مردفاً "تركيا وإيران لا تعملان وفقه ولم توقّعا عليه، إلا أن هذا لا يعفيهما من الالتزامات الدولية".
وكان وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد قد صرح في يونيو (حزيران) الماضي أن "الوزارة طلبت من الجانب التركي إجراء محادثات في شأن سد أليسو، للاتفاق على خطة لتشغيل السد من دون الإضرار بحصة العراق المائية، وضمان حقوقه من المياه".
أضاف أن "السد سيكون سيؤثر سلباً في نهر دجلة بعد اكتمال عملية الملء، إذ سيبدأ التأثير المباشر خلال المواسم المقبلة، لوجود خزين كبير من المياه في الوقت الحالي".
ملف المياه ليس ضمن أولويات إيران
ويمتلك العراق العديد من الأنهر والروافد المشتركة مع إيران، إلا أنها تشهد تدهوراً كثيراً في السنوات الأخيرة، مع استمرار طهران بالقيام بمشاريع وسدود عليها.
وفي هذا السياق يلفت ذياب، إلى أنه "على الرغم من إعطاء العراق الأولوية لملف المياه المشتركة في اللقاءات مع الجانب الإيراني، إلا أن طهران تضعه في آخر أولوياتها، وتشدد على ملفات أخرى منها سداد الديون والربط السككي"، مبيناً أن الوزارة "أثارت موضوع أن تكون المصالح المشتركة بين البلدين في سلة واحدة، ولا يمكن إعطاء تسهيلات لتلك الدول في الوقت الذي نعاني من مشكلة بالموارد المائية".
وفي شأن الاتفاقات المشتركة بين البلدين، يوضح أن "اتفاقية الجزائر لعام 1975 تحتوي على بروتوكول ملحق يخص المجاري المائية المشتركة على الجانب الشرقي، لكنه غير مفعل"، مشيراً إلى أن "العراق طلب فصل البروتوكول عن الاتفاقية والعمل عليه بشكل مستقل".
وعن المشاريع الإيرانية على الأنهر المشتركة بين البلدين، يقول ذياب إن "إيران ومن دون تنسيق مع العراق، أنشأت العديد من السدود على الأنهر المغذية لنهر ديالى منها نهر سيروان، الأمر الذي سيؤدي إلى مواجهة صعوبات في تأمين المياه لمحافظة ديالى، فضلاً عن إنشاء سدود على الأفرع التي تغذي نهر الزاب الصغير وعلى الفروع التي تغذي سدّي دوكان ودربندخان شمالاً".
متغيّرات في الخطة الزراعية
وعلى الرغم من حديث وزارة الموارد المائية عن إمكانية مجاراة الخطة الزراعية في البلاد وتأمين الحصص المائية اللازمة لها، إلا أن وزارة الزراعة تكشف عن متغيرات في الخطة نظراً للتقليل المستمر في الموارد المائية للبلاد.
في المقابل، يشير مهدي القيسي المستشار في وزارة الزراعة العراقية، إلى أن "بوادر موسم الشح المائي كانت واضحة في الخطة الصيفية، إذ مُنعت زراعة الرز التي تُروى من نهر دجلة، أما في الخطة الشتوية فتقلص الإرواء بنحو مليون دونم من حصة زراعة الحنطة"، مبيناً أن "هذه أبرز مؤشرات تأثير تناقص الإيرادات المائية من تركيا وإيران".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "وزارة الموارد المائية منعت محافظات ميسان وواسط وذي قار وديالى من زراعة الرز نتيجة شح المياه، ومن المتوقع أن تتقلص المساحات المزروعة في السنة المقبلة"، مشيراً إلى أن "وضع العراق في ظل المشاريع التي تقوم بها إيران وتركيا مهدد ومقلق بشكل دائم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقع تقرير خطة التنمية الوطنية (2018- 2022) الصادر عن وزارة التخطيط العراقية أن تؤدي المشاريع التركية والإيرانية على الأنهر المشتركة مع العراق، إلى انخفاض إيرادات العراق المائية بمعدل يصل إلى مليار متر مكعب سنويّاً، ما يؤدي إلى خفض الإيرادات عند الحدود من 43.7 مليار متر مكعب عام 2015 إلى 28.5 مليار بحلول عام 2035.
فيما يتوقع التقرير ازدياد التركيزات الملحية من 320 جزءاً في المليون إلى 500 جزء في المليون بالنسبة إلى نهر دجلة، ومن 540 جزءاً في المليون إلى 930 جزءاً في المليون لنهر الفرات.
ويتابع القيسي أن "استمرار الإشكالية سينعكس على نوعية المياه الواردة إلى العراق من دول المنبع"، لافتاً إلى أن "خفض الواردات المائية للعراق يزيد من نسب الملوحة والملوثات في المياه".
ويختم أنه "في إمكان العراق استثمار الميزان التجاري الكبير مع تركيا وإيران كوسيلة ضغط لتثبيت حقوقه المائية"، مبيناً أن "وزارة الموارد المالية قدمت توصيات بهذا الشأن، وتم تحويلها من مجلس الوزراء بصياغة بروتوكول مع تركيا، لكنه يتطلب ضغطاً حكومياً وبرلمانياً وشعبياً لتدعيمه".
الضغط باستخدام الميزان التجاري
ويرى مراقبون أن كلاً من أنقرة وطهران، ربما تستغلان ظروف الشح المائي التي يمر بها العراق، خصوصاً مع كونه سوقاً كبيرة لتصريف منتجاتهما الزراعية.
ويصل حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا إلى حدود 16 مليار دولار، أما بالنسبة إلى إيران فيصل إلى حدود 13 مليار دولار، إلا أن هذا التبادل شبه أحادي، إذ لا يصدّر العراق شيئاً يذكر إلى الدولتين.
ويقول المتخصص في الشأن الاقتصادي حسن الأسدي إن "لدى العراق فرصة كبيرة لاستثمار أنه بات سوقاً لتصريف البضائع التركية والإيرانية، في الضغط عليهما للتوصل إلى اتفاقيات في شأن الحصص المائية للبلاد، لا سيما إيران التي تمر بحصار ويشكل العراق المنفذ الأول لتزويدها بالعملة الصعبة".
ويشير إلى أنه "على الرغم من حرص تلك الدول على تنفيذ مشاريعها الاستراتيجية بما يتعلق باستثمار المياه، إلا أنها ربما تستغل ذلك أيضاً كي يبقى العراق سوقاً مستهلكة لمنتجاتها الزراعية".
ويختم أن "المشكلة لا تقتصر على شح الواردات المائية من دول المنبع، بل تتعلق بكيفية استثمار تلك الواردات أيضاً، إذ ما زالت طرق الإرواء متخلفة في العراق، فضلاً عن عدم استثماره المياه الجوفية".