الفلوجة خريطة سياسية متشعبة وخلافات شديدة بين قواها الرئيسة
تتنوع القوى السياسية في مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار العراقية من حيث التأثير السياسي والقوة الانتخابية، خصوصاً بعد تحولات سياسية عدة خضعت لها المدينة الأبرز في الخريطة السنيّة في العراق، وتأثرها بالإشكالات السياسية والأمنية الكثيرة في البلاد. وتأثرت القوى الفاعلة في الفلوجة بالخلافات السياسية بين القوى السنيّة الأساسية، خصوصاً خلال السنتين الأخيرتين، ووصول محمد الحلبوسي إلى رئاسة البرلمان بعد أن كان يشغل منصب محافظ الأنبار.
خريطة التنافس السياسي
وتبدو خريطة التنافس السياسي في الفلوجة كبيرة من حيث عدد الأحزاب الفاعلة فيها، والتي تضم "حزب تقدم" بزعامة الحلبوسي، و"الحزب الإسلامي العراقي" الذي ينشط في صفوفه، بمدينة الفلوجة، وزير التخطيط السابق نوري الدليمي، وحزب "العمل والوفاء" الذي يترأسه الوزير السابق كريم عفتان، و"الوفاء" برئاسة الوزير السابق قاسم الفهداوي، و"حزب المشروع العربي" التابع للسياسي خميس الخنجر، وغيرها من الحركات والأحزاب.
ويرى مراقبون أن حزب "تقدم" يحظى بقوة أكبر من منافسيه، خصوصاً مع نظرة المجتمع السنّي إلى منصب رئاسة البرلمان كصانع للزعامة السنيّة في البلاد، فضلاً عن سيطرة الحلبوسي، بحسب مراقبين، على غالبية أقضية المحافظة، ونفوذه الواسع ضمن دوائرها، فضلاً عن اتهامات من خصومه باستغلال نفوذه لإضعاف بقية المنافسين في المدينة.
ولعل ما دعم وضع الحلبوسي في تسيّد المشهد السياسي في الفلوجة، هو ضعف القوى السياسية التقليدية فيها، تحديداً بعد اجتياح تنظيم "داعش" لها، وابتعاد غالبية الشخصيات السياسية القديمة عن التواصل مع جماهيرها، الأمر الذي أدى إلى تضاؤل شعبيتها، بحسب متابعين.
احتكار المشهد السنّي
ويرى خصوم الحلبوسي أن الأخير بات يسيطر على المشهد السنّي بشكل عام أمنياً وسياسياً، مما أثار مخاوفهم ودفعهم إلى تحريك ملف إقالته من رئاسة البرلمان، لمنعه من استغلال المنصب في سياق الكسب الانتخابي، فيما ينفي تيار الحلبوسي تلك الادعاءات، مشيراً إلى "فشل الشخصيات القديمة في إدارة المشهد السياسي، وعدم قدرتها على إقناع المواطنين".
وتقول مصادر سياسية إن "إحدى الدلالات الواضحة على محاولات احتكار المشهد السياسي في محافظة الأنبار ومدينة الفلوجة، تتمثل بتعامل مفاصل الحكومة والأمن مع المواطنين عموماً ضمن إطار الولاء للحلبوسي".
وتشير المصادر إلى أن "الجهات السياسية غير الموالية للحلبوسي باتت مستهدفة، ويصل الأمر في كثير من الأحيان إلى استغلال جبهة الحلبوسي نفوذها الأمني في مزاحمة القوى المنافسة".
في المقابل، نفى عضو "تحالف القوى العراقية" النائب هيبت الحلبوسي الادعاءات باستغلال التحالف نفوذه للسيطرة على الفلوجة، مبيناً أن "جميع النواب يمارسون أعمالهم في المدينة من دون ضغوط وبكل شفافية ومهنية وبلا أية خلافات". وأضاف الحلبوسي لـ "اندبندنت عربية" أن "رئيس البرلمان لا يستغل نفوذه للتأثير في المشهد السياسي أو مزاحمة القوى الأخرى في الأنبار بشكل عام، وأي كلام من هذا النوع عارٍ من الصحة".
وأشار إلى أن "ما يحفز هذا الحديث لدى بعض القوى هو وضعها الانتخابي الهش، في مقابل تمكن الحلبوسي من الحصول على نواب متمكنين وموجودين في الساحة"، لافتاً إلى أن "الحلبوسي يسيطر على أكثر من 95 في المئة من محافظة الأنبار، مما يولد انزعاجاً لدى الكتل الأخرى من احتمال خسارة الانتخابات المقبلة".
مشهد معقد
لا يبدو المشهد السياسي في الفلوجة أقل تعقيداً من غيرها من المناطق العراقية، حيث جعلتها الصراعات الداخلية ضمن المشهد السنّي، وخصوصية المدينة لدى المجتمع السنّي، واحدة من أكثر المناطق دقة في ما يتعلق بالصراع الانتخابي المقبل، فضلاً عن كونها مركز النفوذ السياسي لرئيس البرلمان.
وفي مقابل النفوذ الكبير الذي يحظى به الحلبوسي في الفلوجة، يُعد نائب رئيس الوزراء الأسبق، رافع العيساوي، الذي صدرت أحكام قضائية بحقه في فترة حكم نوري المالكي، أحد أبرز الشخصيات السياسية في المدينة، وأشد المنافسين السياسيين لرئيس البرلمان، بعدما عاد منذ فترة إلى العراق ضمن تسوية غير واضحة المعالم. ويحظى العيساوي بحسب مراقبين، بشعبية واسعة داخل الفلوجة، ويعتقد أنه سيكون أحد أبرز المنافسين فيها، إلا أن مصادر سياسية رفيعة أكدت لـ "اندبندنت عربية"، أنه أجّل الدخول إلى المعترك السياسي، ولن يشارك في السباق الانتخابي.
تركيبة مختلفة عن بقية أقضية الأنبار
وتبدو التركيبة الاجتماعية في مدينة الفلوجة مختلفة عن بقية أقضية محافظة الأنبار، من حيث كونها خليط بين المناطق القبليّة والمدنيّة، فضلاً عن الدور الكبير للحركات الأصولية والتيارات المحافظة التي نشطت بشكل كبير بعد الغزو الأميركي العام 2003، الأمر الذي أضفى طابعاً قتالياً عليها في محطات عدة، إلا أنها باتت أكثر هدوءاً خلال الفترة الحالية، إذ يرى مراقبون أن الإشكالات التي مرت بها دفعت سكانها إلى الركون لخيارات أقل حدة.
وقال الباحث في الشأن الأمني غانم العيفان، إن "انعدام الثقة في العملية السياسية مع السنوات الأولى للحرب، أدى إلى طغيان الطابع المتطرف على المدينة، مما أفضى بالنتيجة إلى تظاهرات العام 2013، والتي لم تستطع عزل نفسها هي الأخرى عن حال العنف وسيطرة تنظيم داعش على الفلوجة".
وأشار العيفان إلى أن "كل تلك الأحداث أدت خلال السنوات الأخيرة إلى تراجع المجتمع الفلوجي عن آرائه السابقة، وتراجعت القوى الراديكالية التي كانت تصنع الرأي العام في المدينة"، مبيناً أن "شباب الفلوجة الجديد بات يملك قناعات مختلفة، وبدأ بتقبل مشاريع الاعتدال السياسي". أما في شأن الموقف من الانتخابات المقبلة، فأكد عيفان أن "نسبة كبيرة من أبناء الفلوجة تعتقد أن الانتخابات ليست بوابة التغيير في المشهد السياسي، بقدر ما هي وسيلة لإيصال القوى الأكثر قوة وتأثيراً في المشهد السياسي". وأضاف أن "القوى التي تتبنى مشاريع الاعتدال لم تنتج مشروعاً سياسياً واضحاً يلبي طموح جمهور المدينة"، إذ إن "العوامل التي تضعف تأثير تلك القوى على المدينة هو كونها لا تحظى بنفوذ سياسي أو إمكانات مالية أو دعم خارجي".
انعدام الثقة بالانتخابات
وتطرق العيفان إلى مسألة الانتخابات المقبلة، وتفاعل أبناء الفلوجة معها، فكشف عن "انعدام ثقة الجمهور في ما يتعلق بالانتخابات، كما هو الحال في بقية مدن العراق، فضلاً عن القناعة السائدة بأنها محسومة سلفاً، مما يضعف التفاعل الجماهيري معها"، مشيراً إلى أن "هناك قناعة لدى الجمهور بأن الانتخابات لا تجري بأدوات نزيهة وشفافة".
وتابع أن "القوى المسيطرة على المشهد السياسي في الفلوجة هي ذاتها الإسلامية التقليدية، فضلاً عن حزب "تقدم" التابع للحلبوسي الذي يسيطر على الحكومة المحلية، مما يمكنه من السيطرة على الجمهور".
وبحسب العيفان، فإن مدينة الفلوجة تنقسم انتخابياً إلى قسمين، "جزء عشائري يتركز في محيط المدينة وينحاز لانتخاب شخصيات عشائرية، وجزء مدني لا تزال مؤشرات تفاعله مع القوى السياسية غير واضحة".
وأشار إلى أنه من بين القوى المتنافسة داخل المدينة "الحزب الاسلامي العراقي وحزب تقدم التابع للحلبوسي، فضلاً عن حزب المشروع العربي التابع للسياسي خميس الخنجر، وشخصيات أخرى من بينها النائبان سلمان الجميلي وكريم عفتان"، لافتاً إلى أن "التفاوت بين تلك القوى يتعلق بمدى التأثير الإعلامي والسيطرة على المال". وختم العيفان قائلاً إن "الميل العام باتجاه الحلبوسي يأتي بسبب سيطرته على المواقع الإدارية والأمنية في المحافظة"، مبيناً أن "هذا الميل سببه اهتمام الحلبوسي بالإعمار كمنطلق لبناء العلاقة مع الجمهور، فضلاً عن قيادته البرلمان العراقي والمشروع السنّي في البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ميول سياسية متباينة
ويعتقد مراقبون أن محركات التفاعل مع الحراك السياسي في مدينة الفلوجة ترتبط بحسابات المصالح المباشرة مع القوى السياسية، مما يعد أحد أكثر العوامل تأثيراً في المشهد الانتخابي المقبل.
في السياق، يقول الصحافي المقيم في مدينة الفلوجة سلام خالد، إن "الميول السياسية لدى سكان المدينة تتباين، لكنها تنحصر ضمن اتجاهين، الأول بالجمهور الذي لا يتدخل في الحراك السياسي، ويميل إلى عدم المشاركة في الانتخابات، أما الاتجاه الآخر فيضم المستفيدين المباشرين من المرشحين والحراك السياسي، والذين ازدادت نسبتهم خلال الفترة الأخيرة، بخاصة بعد حملات التعيينات وبروز المصالح في المدينة التي تديرها جهات سياسية".
وأوضح خالد أن "نزعة عدم الاشتراك في الانتخابات التي كانت سائدة جداً خلال السنوات الأولى للغزو الأميركي بدأت بالتضاؤل تدريجياً، مع إدراك المجتمع أنها باتت منصة لتوفير الخدمات، والمدن التي لا تشترك يقل الاهتمام بها من تلك النواحي"، مبيناً أنه "من الملاحظ أن الخدمات في أرياف الفلوجة جيدة لأنها تشارك بشكل أكبر كونها مناطق عشائرية".
ورأى خالد أن "إحدى الوسائل التي قد تدفع أهل المدينة إلى عدم الاشتراك في الانتخابات هو ملف البطاقة البايومترية، وقد يُؤثر عدم اعتمادها على نسب الاشتراك". ولفت إلى أن "هناك نقمة لدى المجتمع الفلوجي تجاه الوجوه الفاعلة في الساحة السياسية، وقد يكون ذلك أحد العوامل المؤثرة في تغيير الخريطة السياسية للمدينة خلال الانتخابات المقبلة".
العشائر والارتباط بالأحزاب
وعلى الرغم من الحديث عن تأثير القوى العشائرية في المشهد السياسي بالفلوجة، إلا أن متابعين يعتقدون أن حراك العشائر يأتي بالتوازي مع الحراك السياسي، ويرتبط صعود الشخصيات العشائرية بمدى ارتباطها بأحزاب مؤثرة توفر لها منصة الحصول على مقعد برلماني.
في السياق، ذكر المحلل السياسي سعدون شيحان أن "القوة العشائرية في الحراك السياسي بالفلوجة مرتبطة بالتفاهمات السياسية التي تجريها تلك العشائر، وتفترض ارتباط شخصياتها بحراك سياسي لتدعيم وضعها ضمن التنافس الانتخابي"، مبيناً أن "الدور الأبرز للحراك السياسي، وهو مَن يناصر الحراك العشائري ومرشحيه".
واعتبر شيحان أن "الفلوجة مغلقة باتجاهين سياسيين فقط، ممثلان بحزبي "تقدم" و"الإسلامي"، أما بقية الأطراف والشخصيات فلا ترتقي إلى مستوى المنافسة، وقد لا تصل إلى العتبة الانتخابية، ولا تستطيع مجاراة هذين الحزبين خلال الانتخابات المقبلة". ولفت إلى أن "محركات الانتخاب بالنسبة لأبناء الفلوجة تغيرت من التوجه نحو شخصيات ذات رمزية إلى خيارات أخرى ترتبط بالمشروع السياسي والمنجزات على الأرض، بخاصة بعد الإشكالات الأمنية والاقتصادية والضغوط الاجتماعية التي مرت بها المدينة خلال الفترات السابقة".
كما أوضح شيحان أن "الأحزاب الأنبار بشكل عام انتخابية فقط وليست مؤسسية، فتأتي في يوم الانتخابات لمطالبة الجمهور بانتخابها، وهذا أحد أبرز العوامل التي تدفع أبناء الأنبار نحو خيارات أخرى". وزاد أن "التنافس السياسي في الفلوجة لا يرتبط باستغلال الحلبوسي لمنصبه، بل بإخفاق بقية القوى في إدارة المشهد السياسي سواء في الفلوجة أو محافظة الأنبار"، مبيناً أن "الحلبوسي استغل تلك الإخفاقات لمصلحته، كونه أنجز الكثير".
زيارة الكاظمي إلى الفلوجة
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زار مدينة الفلوجة في الذكرى الثالثة للنصر على تنظيم "داعش"، وذكر المكتب الاعلامي لرئاسة الوزراء، في بيان مقتضب، في 10 ديسمبر (كانون الأول) أن "رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، وصل إلى مدينة الفلوجة في الذكرى الثالثة للانتصار على عصابات داعش الإرهابية".
وأثارت تلك الزيارة تساؤلات المراقبين حول نواياها السياسية، ففيما ربطها مراقبون بدعم وضع الحلبوسي في الأنبار، خصوصاً مع الحراك الذي تقوده كتلتا "دولة القانون" و"الفتح" ضده، أكدت مصادر متابعة أن الزيارة ترتبط فقط بـ "يوم النصر" وحسابات تتعلق بجمهور الكاظمي نفسه، ولا صلة لها بالحراك السياسي في الفلوجة أو توفير دعم سياسي للحلبوسي.