العراق يطلب إشرافا دوليا على الانتخابات والموالون لإيران يتحفظون
يتزايد الجدل في العراق بشأن آلية عمل الأمم المتحدة في مراقبة الانتخابات المبكرة المزمع تنظيمها في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وإمكانية تحقيق شرط الإشراف الأممي عليها، خصوصاً في ظل اعتراض بعض زعماء التيارات السياسية والفصائل المسلحة الموالية لإيران على ذلك. وكانت مطالب المحتجين العراقيين خلال انتفاضة أكتوبر 2019، تتمحور حول إشراف الأمم المتحدة على العملية الانتخابية، حيث يرون أن الرقابة المحلية التي مورست في الانتخابات السابقة لن تؤدي إلى ضمان نزاهة العملية الانتخابية المقبلة.
طلب عراقي إلى مجلس الأمن
وأعلن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، عن توجيه العراق طلباً رسمياً إلى مجلس الأمن للرقابة على الانتخابات المقبلة، الأمر الذي رأى مراقبون أنه سيثير حفيظة التيارات والأحزاب الموالية لإيران. وقال حسين إن "الحكومة ماضية بإجراء الانتخابات التي تعد من أهم الأهداف في المنهاج الحكومي، وهي مستعدة لتوفير كل المتطلبات التي تقع على عاتقها، وتوفير الأجواء الآمنة لإجراء انتخابات نزيهة تلبي المعايير الدولية".
في غضون ذلك، قالت مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق، جنين بلاسخارت، خلال مؤتمر صحافي عقدته المفوضية العراقية للانتخابات، في 28 يناير الماضي، إن "دور الأمم المتحدة حتى هذا الوقت هو تقديم المساعدة الفنية للمفوضية"، مشيرة إلى أن "عملية الانتخابات ينتظرها العراقيون، ويقودها العراق، ولا يمكن أن تقوم الأمم المتحدة بدور المفوضية".
وأوضحت بلاسخارت أن "قسماً كبيراً من العراقيين يطلب مساهمة الأمم المتحدة في عملية الانتخابات"، مبينةً أن "الحكومة العراقية قدمت طلباً إلى مجلس الأمن لحماية نزاهة العملة الانتخابية، وهذا يمكن أن يتم بطرق مختلفة". وأشارت إلى أن "المراقبة تعد حجر الأساس لحضور المجتمع الدولي في الانتخابات، وهذا بالضبط ما طلبته الحكومة العراقية من مجلس الأمن". وأكدت بلاسخارت أن "مجلس الأمن لم يتخذ أي قرار حول مشاركته في الانتخابات العراقية، لذا نحن ننتظر"، لافتةً إلى أن المراقبة "تهدف إلى حماية نزاهة الانتخابات، لإبعاد دور السلاح والأموال".
في المقابل، أكد مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الانتخابات، عبد الحسين الهنداوي، أن "المراقبة الدولية لا تعني الإشراف أو الإدارة". وصرح الهنداوي لوكالة الأنباء العراقية (واع)، بأن "المراقبة الدولية موجودة في كل العالم، والعراق يطالب بالمراقبة من قبل الأمم المتحدة"، مبيناً أن "موقف الأمم المتحدة، وحتى المجتمع الدولي، داعم للعراق في إجراء انتخابات نزيهة، وتقديم كل الدعم في المراقبة الدولية التي لا تعني الإشراف أو الإدارة، بل المراقبة فحسب، عبر فريق دولي يتابع عمل المفوضية".
قلق التيارات الموالية لإيران
بالإضافة إلى المطالب المستمرة لناشطي الاحتجاجات العراقية، كانت المرجعية الشيعية العليا في النجف قد طالبت، في 13 سبتمبر (أيلول) 2020، بتحقيق شرط الإشراف الأممي. وقال المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، في بيان إثر لقائه بلاسخارت "لابد من مراعاة النزاهة والشفافية في مختلف مراحل اجراء الانتخابات، والإشراف والرقابة عليها بصورة جادة بالتنسيق مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة".
وكانت قضية الإشراف الأممي قد أثارت قلق التيارات الموالية لإيران، بل تعدت ذلك إلى إثارة مخاوف طهران مباشرةً، وتحديداً الأطراف المقربة من المرشد الإيراني علي خامنئي، فشنت صحيفة "كيهان" التابعة لمكتبه، هجوماً على السيستاني في سبتمبر 2020، بسبب طلبه من الأمم المتحدة الإشراف على الانتخابات العراقية المقبلة. وكتب حسين شريعتمداري، رئيس تحرير الصحيفة ومندوب خامنئي فيها، إن "دعوة السيستاني للأمم المتحدة بالإشراف على الانتخابات البرلمانية في العراق، تعد دون شأنه ومنزلته".
كما خاطب شريعتمداري السيستاني قائلاً "لقد أخطأتم في طلبكم ممثلة الأمم المتحدة. لا بأس في ذلك، لكن الآن عُد وصحّح ذلك وقُل إنك لم تقل ذلك".
وبالإضافة إلى إظهار طهران قلقها الواضح، كان زعيم ميليشيات "عصائب أهل الحق" العراقية، قيس الخزعلي، قد عبر في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عن رفضه إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات المبكرة، ووصف المبعوثة الأممية في بغداد، جينين بلاسخارت، بالـ"منحازة". وقال الخزعلي "نحذر من الإشراف والتدخل التفصيلي في الانتخابات النيابية المقبلة، لأن المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت منحازة، وغير محايدة، وظهر ذلك في الفترة الماضية". وأضاف "لا بأس برقابة فحسب، وحتى لو كانت بمشاركة الاتحاد الأوروبي، أما الإشراف فهو مسألة خطيرة".
وكذلك عبر زعيم "ائتلاف دولة القانون"، نوري المالكي، عن رفضه الإشراف على الانتخابات من أي جهة كانت. وعلل المالكي في بيان بتاريخ 20 يناير (كانون الثاني)، موقفه بأن الإشراف "يمس بسيادة البلاد، ويفتح المجال لمن يريد العبث بالانتخابات".
في المقابل، رأى ناشطو الانتفاضة العراقية في تصريحات زعماء التيارات الموالية لإيران، أنها تعبر عن النية في التدخل في مسار الانتخابات المقبلة، الأمر الذي يثير المخاوف من احتمال تحرك الميليشيات لفرض إرادتها على العملية الانتخابية، إذ لا تزال مشاهد حرق صناديق الاقتراع في انتخابات عام 2018 حاضرة في أذهان العراقيين الذين يعدونها الانتخابات الأكثر تزويراً.
رقابة مجلس الأمن ومخاوف "الولائيين"
ويعد تعبير الزعمات المقربة من إيران عن رفضها للإشراف الأممي تمهيداً لرفض أي مراقبة دولية تتم من خلال مجلس الأمن. وقال الباحث في الشأن السياسي، أحمد الشريفي، إن "كل الانتخابات السابقة كانت تجرى تحت رعاية الأمم المتحدة، لكن المتغير هذه المرة يتمثل بدخول مجلس الأمن كفاعل في الانتخابات المقبلة". وأضاف أن "طلب المراقبة الدولية من مجلس الأمن مباشرةً يعد أعلى مراتب الإشراف على العملية الانتخابية، ويؤشر على تشكيك دولي كبير في آليات التداول السلمي للسلطة في العراق". وعبر عن اعتقاده أن "طلب المرجعية (السيستاني) الإشراف الأممي هو ما دفع مجلس الأمن إلى التحرك لإعادة السلطة من الأحزاب إلى الشعب مرة أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سلطة إجرائية لمجلس الأمن
ولعل ما يقلق التيارات الموالية لإيران وبقية الأحزاب الرافضة للإشراف الأممي، بحسب الشريفي، يرتبط بأن "دخول مجلس الأمن يعني أن أي إخفاق أو عدم قناعة من جانب الإرادة الدولية سيترتب عليه تفويض باستخدام كل وسائل التغيير في العراق بما فيها التوجه نحو تشكيل حكومة طوارئ انتقالية".
ولفت الشريفي إلى أن التخوف الأكبر لدى تلك التيارات "يرتبط بكون مجلس الأمن يمتلك سلطة إجرائية، ولديه الحق في اتخاذ قرارات تقوض طموحات التمرد على النظام في العراق، خصوصاً مع إدراك تلك القوى أنها تعيش عزلة جماهيرية، وتتخوف من إظهار رصيدها الانتخابي الحقيقي".
وأشار الشريفي إلى سبب آخر لقلق التيارات الموالية لإيران وبقية الأحزاب من إشراف مجلس الأمن يتعلق بـ"المخاوف من استحقاقات مرحلة ما بعد الانتخابات في ملاحقة المتورطين في ملفات الفساد والإرهاب، والتي ستشمل غالبية القوى السياسية الفاعلة"، مبيناً أن "صعود القوى الوطنية غير المقيدة بالأحزاب سيدفعها بالضرورة إلى فتح تلك الملفات". وزاد أن تلك التيارات "كانت تتمكن من اختراق أي مراقبة للانتخابات في السابق عبر الفساد والمال السياسي".
وعلى الرغم من تسويق تلك القوى رفضها الإشراف الأممي بحجة التجاوز على السيادة، أكد الشريفي أن "العراق يندرج ضمن الأسرة الدولية، وللقانون الدولي الأسبقية على القانون المحلي، وبإمكان الإرادة الدولية تصحيح المسار السياسي من خلال التفويض الممنوح لها في قرارات مجلس الأمن"، مردفاً أن هذا الأمر "لا يعد تدخلاً في السيادة، إذ لا يزال المشروع السياسي في العراق تحت الوصاية الدولية".
إمكانية استخدام السلاح
في السياق ذاته، رأى الكاتب العراقي هشام الموزاني أن "ما تسوّقه التيارات الولائية من رفض للإشراف الأممي على الانتخابات المقبلة، يمثل تمهيداً لرفض الرقابة الدولية أيضاً، وغالباً ما يتم اتخاذ السيادة كحجة لتقويض أي مشروع لا يتلاءم مع رؤى تلك التيارات". وأشار الموزاني إلى أن التساؤل الأهم "يرتبط بمدى جدية مجلس الأمن في مراقبة والإشراف على الانتخابات في المراكز والدوائر الرئيسة والفرعية، وإمكانية توفير شكل فني وتقني صارم يضمن عدم إمكانية التزوير". ولفت إلى أن "الحركات الولائية ضغطت لتشريع قانون انتخابي يلائمها، إلا أنها باتت تستشعر خطراً من إمكانية أن تعرقل الرقابة الأممية طموحها"، مضيفاً أن تلك التيارات تتخوف من "احتمالية أن تؤدي الرقابة الأممية إلى تقويض إمكانية استخدامها السلاح والمال السياسي في التأثير وتغيير نتائج الانتخابات". وختم قائلاً إن "الإشراف الأممي الصارم على الانتخابات سيوضح كثيراً مما حدث في الانتخابات السابقة، وسيمثل ضربة قاصمة لآليات الجبهات الولائية في العمل الانتخابي".
الإشراف وليس الرقابة شرط المحتجين
في المقابل، يرى ناشطو الانتفاضة العراقية أن عدم ثقة الشعب بإمكانية إجراء انتخابات نزيهة وشفافة هو ما حفز المطالبات بإشراف أممي شامل على الانتخابات المقبلة. وقد يدفع عدم تحقق شرط الإشراف الأممي على العملية الانتخابات المحتجين إلى مقاطعتها، إذ عبر عن ذلك الناشط زايد العصاد، أحد مؤسسي "حزب البيت الوطني"، المنبثق عن انتفاضة أكتوبر، كما قال "على حكومة الكاظمي المضي باتجاه تحقيق مطلب الإشراف الأممي لإظهار جديتها في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة". وأضاف أن "الرقابة الدولية كانت حاضرة في كل الانتخابات السابقة التي شهدت أعلى نسب تزوير، وفي حال الاكتفاء بذات النسق السابق فهذا يعني عدم الجدية من الفاعلين السياسيين والحكومة في إقناع الشارع العراقي بجدوى المشاركة".
ولفت إلى أن دعوات التيارات الموالية لإيران في رفض الإشراف الأممي تحت ذريعة السيادة الوطنية "تؤكد قلقنا إزاء نزاهة الانتخابات المقبلة، فضلاً عن أنها تعزز المخاوف بأن تلك التيارات لديها رغبة أكبر بالتزوير"، مردفاً أن "المنتفضين هم أول من دعا إلى فرض السيادة الوطنية، وواجهتهم تلك الميليشيات بالقمع والترهيب المدعوم خارجياً". وزاد أن "الشارع العراقي والمرجعية الدينية يطالبان بإشراف أممي، وكل من يقف في طريق هذا الإشراف يعارض فواعل المجتمع من مرجعيات أو محتجين".
وختم العصاد بالقول إن "الإشكال الأكبر في هذا الإطار يتعلق بنجاح التيار الولائي بفرض شروطه على الانتخابات المبكرة وإرغام الكاظمي على الرضوخ لتلك الاشتراطات، وهذا يعني أن تلك التيارات ستتمكن من إعادة سيناريوهات التزوير التي لطالما شابت الانتخابات العراقية السابقة".