اخبار العراق الان

شبهات انتقام سياسي وراء فسخ عقود زراعية لنازحين عراقيين

شبهات انتقام سياسي وراء فسخ عقود زراعية لنازحين عراقيين
شبهات انتقام سياسي وراء فسخ عقود زراعية لنازحين عراقيين

2021-02-03 00:00:00 - المصدر: العربي الجديد


كشف مسؤولون عراقيون ونواب في البرلمان، أن السلطات في بغداد فسخت عشرات العقود الزراعية في عدد من مناطق جنوبي بغداد وشمالي بابل ضمن جرف الصخر، وضواحي الإسكندرية، تعود لفلاحين ومزارعين نازحين منذ سنوات. في المقابل، منحت السلطات الكثير من العقود لأشخاص آخرين، في خطوة جديدة تعمّق معاناة النازحين وتثير مخاوف جديدة بشأن دوافعها، خصوصاً أن فصائل مسلحة تسيطر على نحو 80 في المائة من تلك المناطق وتمنع سكانها من العودة إليها منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2014.

ويعتمد العراق منذ خمسينيات القرن الماضي نظام التأميم للقطاع الزراعي أسوة بالقطاع النفطي، فكل الأراضي الزراعية ملك عام للدولة تمنح استصلاحها للفلاحين ضمن ما يعرف باسم "الطابو الزراعي". ويدفع الفلاحون والمزارعون رسوما رمزية بالعقود التي تجدد تلقائياً من قبل الدولة، ولا تتضمن عقود التجديد أي شروط، غير إلزام الفلاح بزراعتها والإنتاج من الأرض. وهو ما أتاح لوزارة الزراعة أخيراً فسخ العشرات من العقود الزراعية، بحجة أن الفلاحين أخلّوا بشروط العقد، رغم أنهم نازحون وتمنع الجماعات المسلحة عودتهم لأراضيهم منذ عام 2014.


فرضت وزارة الزراعة شرط "الورقة الأمنية" لإعادة تجديد العقود الزراعية بالنسبة لمناطق جنوبي بغداد

ويقيم في جرف الصخر نحو 180 ألف مواطن مقابل نحو 200 ألف في جنوب بغداد، التي تفصل بين العاصمة ومحافظة بابل جنوباً، ونزح كثير بفعل عمليات تنظيم "داعش"، وما أعقبها من معارك انتهت بطرده وسيطرة الفصائل المسلحة على تلك المناطق، وتهجير سكانها. وفرضت وزارة الزراعة أيضاً شروطا أخرى لإعادة تجديد العقود الزراعية بالنسبة لمناطق جنوبي بغداد، وهي "الورقة الأمنية"، التي يمنحها جهاز الأمن الوطني. وتثبت هذه الورقة أن الفلاح أو المزارع غير مطلوب بقضايا أمنية أو عليه شبهات، لكن قسماً كبيراً منهم لم يحصل على هذه الورقة، بدعوى وجود شبهات أمنية أو تورط أحد أفراد أسرته مع تنظيم "داعش"، ما يؤدي إلى فسخ عقودهم.

وكشفت مصادر من وزارة الزراعة، ونائبٍ عراقي لـ"العربي الجديد" أنه تم فسخ عقود 270 فلاحاً ومزارعاً في مناطق جنوب بغداد، تحديداً في اللطيفية والمحمودية واليوسفية وصدر اليوسفية والرضوانية، فضلاً عن بلدة جرف الصخر وجنوبي غرب بلدة الإسكندرية، في الأشهر العشرة الماضية. ثم مُنحت بعض العقود لجهات أخرى بحجة عدم استغلال السكان لأرضهم، رغم كونهم نازحين. كما أنه في حال وجود مؤشرات أمنية ضد السكان الأصليين لن يُسمح لهم في توكيل محام، وهو ما يعني أنهم لن يكون باستطاعتهم العودة لمنازلهم في الأراضي الزراعية، حتى لو وافقت الجماعات المسلحة على الانسحاب منها.

في السياق، قال أحد النواب لـ"العربي الجديد"، إن "الخطوة الجديدة تعتبر مؤشراً على إصرار القوى السياسية والمليشيات الموالية لإيران، على إحداث التغيير الديمغرافي الطائفي في جرف الصخر ومناطق أخرى جنوبي بغداد". وأشار إلى أنه تم سحب أراضٍ كثيرة من أهلها منذ ما قبل نشوء الدولة العراقية مطلع القرن الماضي، في شرق اللطيفية والمنشآت القديمة في حطين والقعقاع وفحيل وأم الجير، وكيلو 12 وكيلو 14، وأبو شمسي والخضر، والقراغول المقابلة لجرف الصخر من الجهة الشرقية وكذلك خلف محطة غاز المحمودية. وأضاف أنه تمّ منح أراضٍ كثيرة بعد سحبها من أهلها لآخرين. ولفت إلى أن هناك قيادياً بمنظمة "بدر"، يدعى حسن الجبيراوي، المعروف بـ"أبو علي الجبيراوي"، مسؤول عن هذا الملف في تلك المناطق.

وأشار النائب إلى أن العقود الزراعية في جرف الصخر فُسخت أيضاً، في بيت كصب الجنديل وأراضي بيت جاسم الجنابي وأراضي علي الفرحان، وأراضي بنات الباشا، والمصب وغيرها، إضافة إلى الأراضي المميزة الواقعة على ضفتي الفرات. وتحدث عن دخول "فرق صيانة كهرباء لإصلاح أحد أبراج الطاقة بمنطقة جرف الصخر منتصف الشهر الماضي. وأكد أن تلك الأراضي الزراعية الشاسعة، مستثمرة حالياً بشكل فعلي. والأغرب أن وزارة الزراعة اشترت موسم التمور من بساتين هذه المناطق، وزوّدت مزارع الأسماك في جرف الصخر بالعلف، رغم علمها بنزوح أهلها وإغلاق المدينة، وأنه لا يوجد فيها أحد غير الفصائل المسلحة. وهذا يعني أنها تستثمر أملاك ومزارع المواطنين التي سلبت منهم". واتهم النائب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بأنه "واقع تحت المساومة من قبل جهات سياسية ومسلحة".

من جانبه أقر مسؤول في ديوان محافظة بابل جنوبي العراق، في حديث مع "العربي الجديد"، بفسخ عقود زراعية في جرف الصخر، لكنه أشار إلى "أننا (ديوان المحافظة) جهة غير متخصصة في هذا الملف، لارتباطه بوزارة الزراعة. بالتالي لا يمكن معرفة عدد تلك العقود المفسوخة على وجه التحديد". وأوضح أن 80 في المائة من جرف الصخر عبارة عن بساتين وأراض زراعية، وفسخ العقود لكثير من الفلاحيين فيها يعني فعليا عملية طرد لمن فسخت عقوده ومنع عودتهم حتى لو فتحت المدينة مجدداً".

بدوره، علّق المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "العقد شريعة المتعاقدين، ولكل فلاح ومزارع عقد مع الدولة من أجل زراعة أرضه، سواءً كانت المملوكة أو المستأجرة. وهناك أكثر من صيغة لهذه العقود، ولكنها بطبيعة الحال تحتاج إلى تجديد بعد نهاية مدتها أو صلاحيتها". وأفاد بأن "الحكومة العراقية عملت طيلة السنوات الماضية على استثناء الفلاحين من النازحين، لا سيما أنهم تركوا أراضيهم اضطراراً، ووزارة الزراعة لم تفسخ عقودهم"، من دون التطرق إلى أراضي جنوب بغداد وجرف الصخر.

من جانبه أكد عضو لجنة الزراعة النيابية علي البديري، وجود جهات وصفها بـ"المتنفذة"، من دون أن يسميها، قال إنها "استولت على الأراضي الزراعية التي كانت مملوكة لبعض النازحين أو لمواطنين آخرين في سبيل زراعتها أو تحويلها إلى قطع أراض تُباع للمواطنين على أنها صالحة للسكن، رغم أن القانون العراقي يمنع تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية". ولم يحدد البديري في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، الأماكن التي تمّ الاستيلاء فيها على الأراضي التابعة للنازحين أو المواطنين، لكنه أوضح أن "الاستيلاء حصل في كثير من المناطق، ولا سيما المناطق التي تعرضت إلى نزوح أو هجرة أهلها".


استولت جهات متنفذة على الاراضي الزارعية في جرف الصخر

ولفت البديري إلى أن "غالبية المتجاوزين على الأراضي الزراعية، من جهات سياسية أو مسلّحة، تستغلها في مشاريع زراعية أو اقتصادية، ولا تخشى القانون بشكلٍ كبير. لأن بعض الجهات تعلم أن هناك ثغرة قانونية تتمثل بعدم وجود صلاحية لدى مسؤولي الوحدة الإدارية في المناطق العراقية، بعد أن كانت تمتلك صلاحيات واسعة في السابق ومنها الحكم بملكية الأرض". وأضاف أن "فقرات المحاسبة في قانون الإصلاح الزراعي تحوّلت إلى المحاكم المدنية، التي لا تتطرق إلى المشاكل الزراعية في عملها. بالتالي فإن المتضررين من استيلاء الجهات المتنفذة، قد لا يحصلون على حقوقهم لعدم وجود جهة واضحة تحاسب المتجاوزين. وهذا الأمر يتطلب إما تعديلاً دستورياً، أو تفعيل فقرات المحاسبة القانونية في قانون الإصلاح الزراعي".

من جهته، أشار أحد النازحين من جرف الصخر، قحطان الجنابي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المليشيات التي تستولي على جرف الصخر، تسيطر على كل مقدراتها، ولم يعد الأمر مقتصراً على الملف الأمني بل تعدى ذلك بكثير. ونسمع بأن المليشيات استغلت كل الأراضي الزراعية في زراعة المحاصيل والخضروات، وهناك حديث عن زراعة المخدرات وتحديداً الخشخاش، الذي يُسرّب ويباع في العراق". وأضاف أن "الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من حلّ مشكلة جرف الصخر خلال الأعوام الستة الماضية، ولا يزال السكان الأصليين للبلدة في أماكن متفرقة، من دون أي اهتمام حكومي، ولا حتى من المنظمات الدولية، بعد أن فقدوا بلدتهم وأرضهم ومصدر رزقهم".

ويسيطر خليط من الفصائل العراقية المسلحة الحليفة لإيران، على جرف الصخر منذ نهاية عام 2014، مانعا سكانها من العودة إليها، وسكانها موزعون حالياً في مخيمات غربي بغداد وجنوبها، وغربي الفلوجة وإقليم كردستان العراق. ومن أبرز تلك المليشيات: "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب الإمام علي" وحركة "النجباء"، التي تبرر منعها الأهالي من العودة، بأن البلدة لا تزال تمثل مطمعاً لعناصر "داعش"، أو أنها مليئة بالألغام.