اخبار العراق الان

اسرار سد يأجوج ومأجوج.. قصة رحلة سلام الترجمان قبل ألف عام

اسرار سد يأجوج ومأجوج.. قصة رحلة سلام الترجمان قبل ألف عام
اسرار سد يأجوج ومأجوج.. قصة رحلة سلام الترجمان قبل ألف عام

2021-03-06 00:00:00 - المصدر: NRT عربية


فوتو: 
منذ 57 دقیقة

1508 مشاهدة

تثير قصة قوم "يأجوج ومأجوج" اللكثير من التساؤلات منذ ورودها في القرآن الكريم بسورة الكهف والسنة النبوية، فللقصة ارتباط عجيب بين تاريخ العالم والمستقبل ارتباطا لا انفكاك منه

وقد صار الاهتمام بقوم يأجوج ومأجوج وسد ذي القرنين أمرا له دلالته المعرفية والثقافية في العقل الإسلامي، ويبدو أن هذه القضية أُثيرت عدة مرات في العصرين الأموي والعباسي، حتى إن الخليفة العباسي هارون الواثق (ت 232هـ) قرر أن يرسل بعثة برئاسة سلام الترجمان إلى ذلك السد لمعرفة خبره إثر رؤية مفزعة رآها في منامه.

في عصر الخليفة العباسي هارون الواثق الذي حكم العالم الإسلامي ما بين عامي 227-232هـ، وبينما هو نائم في إحدى لياليه رأى في منامه أن سد يأجوج ومأجوج مفتوح، ففزع لذلك أشد الفزع، وأمر بتجهيز بعثة علمية استكشافية لتقصي حقيقة الأمر!

 وقد أخبر الخليفة الواثق قائد الجيش العباسي أشناس التركي بحقيقة رؤياه، فأخبره أن رجلا يعمل في الإدارة العباسية في قسم الترجمة فيها اسمه سلام الترجمان يعرف ثلاثين لغة، يقول سلام الترجمان عن تلك اللحظات: "فدعا بي الواثق، وقال: أريد أن تخرج إلى السد حتى تعاينه وتجيئني بخبره، وضم إلي خمسين رجلا شبابا أقوياء، ووصلني (أعطاني) بخمسة آلاف دينار، وأعطاني ديتي (إن مت في الطريق) عشرة آلاف درهم، وأمر فأعطى كل رجل من الخمسين ألف درهم ورزق (راتب) سنة"، كما "ينقل عبيد الله بن خرداذبة (ت 280هـ) في كتابه "المسالك والممالك"، وقد سمع القصة كلها من سلام الترجمان وهو مصدرنا الأساسي لها.

 وقد تجهزت القافلة الاستكشافية بالركائب والزاد والطعام، وخرجوا من عاصمة العباسيين آنذاك "سامراء" باتجاه الشمال، فصاروا نحو أرمينيا وكانت جزءا من الدولة الإسلامية العباسية وعاصمتها تفليس (تبليس) عاصمة جورجيا اليوم، فحين وصلت بعثة سلام الترجمان كتب والي أرمينيا إسحاق بن إسماعيل رسائل إلى ملوك القوقاز وجنوب روسيا وأهمها آنذاك مملكة الخزر اليهودية.

يقول سلام: "فأقمنا عند ملك الخزر يوما وليلة حتى وجه معنا خمسة أدلاء (مرشدين)، فسرنا من عنده [نحو الشرق من شمال بحر قزوين] ستة وعشرين يوما، فانتهينا إلى أرض سوداء منتنة الرائحة… فسرنا فيها عشرة أيام، ثم صرنا إلى مدن خراب، فسرنا فيها عشرين يوما، فسألنا عن حال تلك المدن فخبرنا أنها المدن التي كان يأجوج ومأجوج يتطرقونها فخربوها".

 يقطع المستشرق والعلامة الروسي إغناطيوش كراتشكوفسكي في كتابه "تاريخ الأدب الجغرافي العربي" أن سلام الترجمان وصل بالفعل إلى بحيرة بلكاش، وهي بحيرة تقع اليوم في كازاخستان، بل تمكن من الوصول إلى منطقة جنغاريا في الصين اليوم، وأنه ربما اطلع على سور الصين العظيم.

يؤكد سلام الترجمان أن بعثته تمكنت من الوصول إلى مدينة اسمها "أيكة… فيها مزارع… هي التي كان ينزلها ذو القرنين بعسكره، بينها وبين السد مسيرة ثلاثة أيام… حتى تصير إلى السد في اليوم الثالث، وهو جبل مستدير ذكروا أن يأجوج ومأجوج فيه وهما صنفان… والسد الذي بناه ذو القرنين هو فجّ (ممر) بين جبلين عرضه مئتا ذراع (120 مترا تقريبا)، وهو الطريق الذي يخرجون منه فيتفرقون في الأرض".

 ما يلفت النظر أن سلام استطاع أن يصف هذا السد بصورة دقيقة لأنه رآه رأي العين، وعلى الرغم من تشكيكات بعض المستشرقين والمؤرخين الأوروبيين والروس من أصل هذه الرحلة وحقيقتها، فإن البعض الآخر أكد صحتها؛ لأنها رويت منه شفاهة، وقد رواها عنه ابن خرداذابة الجغرافي وأحد الموظفين الكبار في الديوان العباسي.

وقد أشاد الكثير من الباحثين الأوروبيين بهذه الرحلة والملاحظات المهمة والدقيقة التي ذكرها سلام الذي يقول عن السد: "حفر (ذو القرنين) أساسه ثلاثين ذراعا إلى أسفل، وبناه بالحديد والنحاس حتى ساقه إلى وجه الأرض، ثم رفع عضادتين (العضادة مثل الحائط أو العتبة الرأسية لأعلى) يلي الجبل من جنبتي الفج.. عرض كل عضادة خمس وعشرون ذراعا (14 مترا)، في سمك خمسين ذراعا (27 مترا)، وكله بناء بلبن (كهيئة الطوب أو الحجارة) من حديد مغيب (مذاب) في نحاس، تكون اللبنة (الطوبة) ذراعا ونصفا في ذراع ونصف (طول الحجر أو الطوب متر ونصف تقريبا) في سمك (عرض) أربعة أصابع".

يؤكد سلام أن ذا القرنين استطاع بناء الردم مثل الباب تماما، ردم أعلاه حجارة مصنوعة من الحديد والنحاس، ثم فوق ذلك حديد ونحاس مصهور حتى "لا يدخل من الباب ولا من الجبل ريح كأنه خلق خلقه" كما يصف؛ أي كأن هذا الردم الذي يشبه الباب أصبح مثل الجبلين الواقع بينهما يحسب الرائي أنه جبل مثلهما تماما، بل يؤكد سلام الترجمان أن هذا الباب أو الردم/السد الذي يبلغ ارتفاعه 120 ذراعا، أي ما يقارب 55 مترا، كان له قفل ارتفاعه 25 ذراعا، أي 11 مترا ونصف المتر، "لا يحتضنه رجلان" كما يصف سلام، ولا ندري هل هو قفل بالفعل على البناء الذي يشبه الباب، أم هو مزيد إحكام وتدعيم لجسد السد أو الردم من الخارج.

 ويسأل سلام سكان تلك المنطقة التي كان ملكها قد عين حفظة من ثلاثة رجال معهم مطرقة كانوا يطرقون كل يوم ثلاث طرقات على هذا البناء العظيم "فيضرب القفل ضربة في أول النهار، فيسمع لهم (أي من وراء الردم أو السد) جلبة (أصوات عالية) مثل كور الزنابير ثم يخمدون، فإذا كان عند الظهر ضربه ضربة أخرى ويصغي بأذنه إلى الباب فتكون جلبتهم (صياحهم) في الثانية أشد من الأولى ثم يخمدون، فإذا كان وقت العصر ضرب ضربة أخرى فيضجون مثل ذلك ثم يقعد إلى مغيب الشمس، ثم ينصرف، الغرض في قرع القفل أن يسمع من وراء الباب فيعلموا أن هناك حفظة ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب (السد) حدثا".

وقد سأل سلام الترجمان قائد البعثة الاستكشافية هؤلاء الحفظة، أي رجال الأمن الذي يحفظون السد ويراقبون التطورات اليومية فيه، سألهم عن أي عيوب لاحظوها في هذا السد، "قالوا ما فيه إلا هذا الشق. والشق كان بالعرض مثل الخيط دقيق. فقلت تخشون عليه شيئا؟ فقالوا: لا… فدنوت وأخرجت من خفي سكينا فحككت موضع الشق فأُخرج منه مقدار نصف درهم (من الحديد المتساقط منه)، وأشده في منديل لأريه الواثق بالله".

 انتهى سلام الترجمان من معاينة جسد سد ذي القرنين، وأكمل بعثته على أتم وجه، وقرروا العودة من وسط آسيا فيما يبدو من وصفه باتجاه العراق، لكن طريق العودة هذه المرة لم يكن مثل طريق الذهاب، فقد توجهوا نحو خراسان (تركمانستان وأقصى شرق إيران) حتى مروا على مدينة سمرقند ثم بخارى ثم إلى ترمذ ثم نيسابور، وقد "مات من الرجال الذين كانوا معنا ومن مرض منهم في الذهاب اثنان وعشرون رجلا، من مات منهم دفن في ثيابه، ومن مرض خلفناه مريضا في بعض القرى، ومات في المرجع (الرجوع) أربعة عشر رجلا".

 يقرر سلام أن مدة الذهاب إلى السد كانت "في ستة عشر شهرا، ورجعنا (إلى العراق) في اثني عشر شهرا وأيام"، أي إن مدة البعثة الاستكشافية استمرت عامين وأربعة أشهر في الذهاب والاستكشاف والعودة، وحين وصل سلام إلى عاصمة العباسيين المؤقتة آنذاك "سامراء" يقول: "فدخلت على الواثق فأخبرته بالقصة، وأريته الحديد الذي كنت حككته من الباب، فحمد الله (على أن السد لم ينقب ولم يهدم)، وأمر بصدقة يتصدق بها، وأعطى الرجال كل رجل ألف دينار".