المؤرّخ مهدي عباس: حاولتُ توثيق كلّ شؤون السينما في العراق
عباس: رغبتُ دائماً في إصدار موسوعة شاملة حول السينما العراقية(فيسبوك)
في مقابل تسابق مؤسسات سينمائية، في الغرب والعالم العربي، على توثيق أرشيفها السينمائي، وإنشاء "سينماتك" (تاريخ تكنولوجيا الصناعة السينمائية) لأفلامها، لا تهتمّ مؤسّسات السينما في العراق بأرشفة الأفلام، وترميم التالف منها، وتعقّب ما أتْلِف وأُهدِر وسُرق في الغزو الأميركي لبغداد، عام 2003.
الباحث والمؤرّخ السينمائي، مهدي عباس، ما زال، بجهدٍ فرديّ خالص، يواصل عمله في التوثيق السينمائي للمُنجَز العراقي، في سبعة عقود من الزمن. بذلك، يقتفي أثر أستاذه، الباحث الراحل أحمد فياض المفرجي، مع غياب المؤسّسات المعنيّة بهذا الموضوع ولا مبالاة رسمية بذلك.
فبعد "دليل الفيلم العراقي" (1997) و"موسوعة المخرجين العرب في القرن العشرين" (2000)، و"كتابات في السينما العراقية" (2006)، و"جولة في السينما الكردية" (2009)، و"دليل الفيلم الروائي ـ الجزء الثاني" (2010)، بالإضافة إلى أكثر من 20 مؤلَّفاً في هذا المجال، أصدر مؤخّراً، في بغداد، "أفلامنا العراقية من 1946 إلى 2020"، باللغتين العربية والإنكليزية، الذي يتضمّن أدقّ التفاصيل المتعلّقة بالأفلام التي أنتجتها السينما العراقية في 75 عاماً على انطلاقتها، والذي يُشكّل مرجعاً ودليلاً عراقيّين للعاملين في السينما جميعاً.
يقول عباس، في حوار مع "العربي الجديد"، إنّ المفرجي "حاول جمع كلّ الوثائق والكتابات عن السينما العراقية، لكنّها (الوثائق والكتابات الصحافية والأرشيف الصوري) احترقت كلّها في الفوضى العارمة في العراق، إبّان الاحتلال الأميركي (2003)". حتّى "دائرة السينما والمسرح" التي كانت تضمّ قسماً للوثائق الخاصة بالسينما "ليس فيها أيّ ملف بهذا الخصوص".
وعن كتابه الجديد، الذي يرصد نتاجات السينما العراقية، أفلاماً روائية وقصيرة، يقول: "حاولت في هذا الدليل السنوي، الذي أصدرته بأجزاء منذ عام 2013، أن أوثّق كلّ شؤون السينما في العراق. المفارقة أنّ كتبي هذه لم يُحتَفَظ بنسخ منها في مكتبة دائرة السينما والمسرح، بينما طلب بعض أساتذة كلية الفنون، مجموعة منها لإيداعها في مكتبتها".
رغم إصداراته الكثيرة، يمتلك كتابه الجديد أهمية خاصة، كما يقول، مُشيراً إلى أنّه "حلم لي، إذ رغبتُ دائماً في إصدار موسوعة ملوّنة وشاملة بالمعلومات والصُوَر المتعلّقة بالأفلام العراقية في كتابٍ ذي حجمٍ كبير، وفي أن تكون هناك ترجمة إنكليزية مع كلّ فيلم، ليكون الكتاب مرجعاً لكلّ مهتمّ بالسينما العراقية، خصوصاً أنّي أترجم عن الإنكليزية وإليها أيضاً. لكن، كان يمكن أن يكون حلمي أكبر، لو تضمّن الكتاب ترجمةً كردية، لا سيما أنّ نحو 40 في المائة من الإنتاج السينمائي العراقي حاصلٌ في إقليم كردستان العراق، باللغة الكردية".
ما سعى إليه مهدي عبّاس اعترضته مصاعب كثيرة، فمهمّته تتطلّب تواصلاً يومياً مع كلّ ما يخصّ السينما العراقية، أفلاماً ومهرجانات وإصدارات وعروضاً. هذا عمل مؤسّساتي، وليس عمل فرد واحد. يشير عباس إلى أنّ لا أحد يعرف صعوبة إصدار مثل هذه الوثائق "إلّا من مارس المهمّة، واختبر حجم الصعوبات، في ظلّ عدم وجود وثائق وأرشيف يُمكن اللجوء إليه". لذلك، كان الاعتماد على جهودٍ شخصية، علماً أنّ بعض الأفلام لا صُوَر منها ولا أخبار عنها على الإنترنت أو في أرشيف الدوائر المختصّة، أو لدى من أنتجها وعمل فيها.
كما أنّ أفلاماً أخرى مُنعت لأسبابٍ سياسية، واختفت نسخ أخرى، وبعضها لم يكتمل تصويره، أو لم يكن جاهزاً للعرض لأسباب مختلفة، منها إنتاجية، وخلافات شخصية، وسياسية أحياناً. بالإضافة إلى أنّ هناك أفلاماً مفقودة، رغم عرضها في صالات السينما البغدادية. كلّ محاولات البحث عن نسخ من تلك الأفلام المفقودة باءت بالفشل. هذا البحث "بدأ قبل أكثر من 30 عاماً، أيام نشاط خميس الفيلم العراقي، النشاط الثقافي الذي كانت تُقيمه دائرة السينما والمسرح، ومنها: وردة، وأدّبته الحياة، وأبو هيلة، وإرادة شعب، ويد القدر، وطاهر وزهرة، وغيرها". يتابع: "هناك فيلمان أُنتجا بالاشتراك مع مصر: ابن الشرق، والقاهرة بغداد، اللذان بحثتُ عنهما في مصر أيضاً، ولم نعثر على أيّ نسخة منهما".
إلى ذلك، يشير عباس إلى أنّه حاول، في كتابه الجديد هذا، جمع النتاج السينمائي العراقي الطويل منذ عام 1946 (سنة إنتاج أول فيلم عراقي) إلى اليوم، ومن بينها أفلامٌ "تنتظر عرضها بعد الانتهاء من الإجراءات المفروضة بسبب كورونا".
يضيف عباس أنّه حاول إعطاء معلومات تفصيلية، وبعضها خافٍ عن الجمهور: "اهتممْتُ أيضاً بذكر أسماء جميع أعضاء فرق العمل لكلّ فيلم، ولم أقتصر على اسم المخرج أو البطل أو المُصوّر أو المونتير مثلاً، بل ذكرتُ أسماء مديري الإنتاج ومهندسي الصوت ومُصمّمي المكياج أيضاً، إلى تفاصيل كثيرة أخرى. أما الممثلون، فحاولت عدم إغفال اسم أيّ منهم، وإن يكن عددهم كبيراً جداً في الفيلم الواحد".
وعن المصادر التي اعتمدها لإنجاز كتابه، قال إنّها عديدة: مُشاهدات عامّة، وأخرى خاصة عند من توجد الأفلام عنده، وملصقات وملفات تحتوي على أسماء العاملين في الأفلام.
يُذكر أنّ "أفلامنا العراقية" مطبوعٌ بجهدِ الباحث نفسه، مع مساعدة "نقابة فناني العراق"، ومهتمّين بالسينما ومحبّيها. وعلى مؤسّسات ثقافية وأخرى معنيّة بالفن البصري أن تنتبه إلى المسعى الذي يقوم به مهدي عبّاس، وتقديم ما يُمكن تقديمه لتطوير عمله، باعتباره جهداً توثيقياً مهمّاً، في وقت يتناسى كثيرون الدور التوثيقي وأهميته في صوغ الذاكرة الثقافية العراقية وحمايتها من الاندثار.