طبقات السرد والمقترب التٲويلي في "كنة آتة خان" لكلاويز
عندما يتناول الناقد نصا روائيا ، فٳنه في باب بحث عن عوامل الناجح فيه ، لا بد ان يختبر قدرة هذا النص علی محاورة ومساءلة العام الذي يحيا المبدع فيه ، علی اعتبار ٲن غاية الكاتبة لا تنحصر في نقل الواقع ٳلی ورق الكاتبة ، وٳنما المساهمة في ٳحداث الفعل فيه . وهذا القول لايٲتي علی خلاف مع طبيعة الكتابة الروائية ، التي علی الكاتب فيها ممارسة الحفر في كل ما يرتيط بالزمان ، زمن ٲحداث الرواية ، والمكان ، مكان وقوع هذه الٲحداث ، و الكائنات ، شخصيات الرواية ، وذلك من ٲجل توضيح بهاء هذه العملية الخلاقة ، التي من بين ٲبرز ملامحها الجمالية قولها الحقيقة .
وهذا في مجله يضعنا ٲمام تنوع زوايا النظر ٳلی هذا العالم ، وتعدد طبقات السرد الروائي ، التي منها الظاهرة وغيرها الباطنة التي لا يمكن الاستدلال والصول ايها من خلال علامات واشارات يضعها الكاتب هنا وهناك ، وٳلا فٳن الاكتفاء برٶية ما يظهر وعدم الغوص في الٲعماق ، يسجعل العملة النقدية ٲشبه ماتكون بالفعل العابث الذي لا فائدة ترجی منه.
الظاهر من رواية " كنة آته خان " الكاتبة كلاويز صالح فتاح " ٲنها تسرد حكاية هذه الٲم الكوردية مع كنتها زوجة ابنها الانجليزية الٲصل . وعلی الرغم من صحة هذا التصور الذي لا نجهل محدوديته ، ٳلا انه يتصف بالعجز عن فهم الرواية ومعروفة ما فيها من التجليات الفكرية والجمالية معا . ٲننا في حالة الاعلان عن موافقتنا علی ذلك ، نكون قد ٲطلقنا الرصاصة علی الرواية ، التي من الغبن نفي تعدد المعاني التي ترهص الصياغات اللغوية ، وكذلك الٲحداث بها . وهذا يحتم علينا وجوب الانتباه ٳلی مختلف مجالات اللغة ، التي تعد قطعا المرجعية الٲهم الوصول ٳلی ما هو جواني تحت القشرة الخارجية النص .
مانقصده ٲن الرواية ليست هي تلك الشيمة الفكرية وحدها -- علاقة الحامة الكوردية مع كنتها الانجليزية ، وٳنما هناك سواها ثيمات لم يات الاعلان عنها باستخدام الضجيج الذي يحول النص الٲدبي ٳلی نوع عن التعبير يمارس فيه العسف الذي يتم عن طريقه تحويل النص ٳلی ٳلحاقية سياسية نتبين منها ٲحد الوجوه القبيحة التبعة الفكرية التي لا طائل من ورائها ، حتی وٳن امتلكت الرواية بعض عناصر الجمال التي لا يمكن نفيها بتاتا.
قد يختلق رٲيان فيهما من ٲحكام القيمة ما يلتقي عندها ناقدان . ٳذا ما اتهم ناقد الراوية بالتقريرية والحرفية في والتصوير والنقل ، فٳن ناقد آخر سواه قد يری فيها عكس ذلك تماما . ٳن سبب الاختلاف هنا يعود ٳلی الفوارق بين القراءات ، فثمة من بينها ما لا يٲخذ ٲصحابها بمبدٲ التٲويل بل وقد لا يعترقون به، فيما هناك غيرها يمنح ٲصحابها التٲويل مساحة كبيرة قبل ٳصدار ٲحكامهم النقدية . ونحن في الوقت الذي نتفق فيه مع من يری بٲن الرواية فيها من التقريرية والوصف ما يمكن ٲن بعدا عبئا عليها ، ٳلا ٲننا نقول بٲن هذا لا يقف حائلا فيمنعنا من الاقرار بٲن الكاتبة التي تتعقب الحقيقة كما يتعقب الباحث الآركيولوجي مختلف الموجودات في مكان الذي يبحث فيه. استطاعت لفت انتباهنا ٳلی ما هو جميل ، بل وقد ٲوجبت علينا من ٲجل ٲن تكتمل نطرتنا ٳلی روايتها ، ٲن نلجٲ ٳلی التٲويل ، في الوقدت الذي نعترف فيه بٲن عبارة [ هل ٲن هذه الٲصوات التي تملٲ المدينة -- تقصد ٲصوات مكبرات الصوت الآتية من المساجد . صخبا ضروريأ الصلاة] هي التي حددت وجهة هذه الدراسة ، التي تجاهد من ٲجل ٳصدار حكم نقدي ناضج نبتعد فيه عن السطحية وعن ممارسة التي يتحول فيها الناقد ٳلی شخص يمارس وظيفة ضاغطة علی النص الٲدبي ، يذهب به يمينا ويسارا، ويخرجه حتی في ٲحيان كثيرة عن ٲدبيته وٲبعاده الجمالية . ومعنی هذا فٳننا لا نسعی ٳلی ما يطلق عليه التدخل اللاعضوي للٲيديولوجي المبسط والاختزالي في النص الٲدبي ، وٳنما نحاول الابتعاد عن هذا كله ، لٲن الٲصل في الكتابة النقدية كما نفهمها لبحث في المقاربات الٳبداعيعة التی منها في رواية " كنة آنه خان " ثنائيات الشرق والغرب ، والتحرر والاستعباد وسواه مما تفصح عنه البنية الواقعية الوقائعية سمه ما شئت .
ما نرید قولە ٲن الكاتبة بالٳضافة ٳلی ما سبقت الٳشارة ٳليه من الرغبة في تصوير علاقة الحاملة الكوردية بالكنة الانجليزية ، تهدف كذلك تصوير عالمين مختلفين : ٲحدهما تمثله المرٲة الكوردية ٲو الشرقية عموما ، والآخر تمثله المرٲة الانجليزية ٲو غريبة عموما . ومثل ذلك فٳنها تهدف ٳلی تصوير بنيتين اجتماعيتين متباينتين ، ليس بهدف البحث عن ٲسباب لٳشاعة الضغينة والدفع باتجاه الصراع بین ٲضداد ، وٳنما من ٲجل البحث عن ٲبواب الحوار بينهما الوصول ٳلی ما يسعف المجتمعات الشرقية لتحقيق التطور الاجتماعي ، وهذا مما يوكد نزاهة الروائية وابتعادها عن العسف وفرض آراء جاهزة ، ولذلك فهي تقول علی لسان بهار المرٲة الكوردية التي تعيش مع زوجها سردار في لندن (هراء ما يقولونه عن عدم اهتمام الٲمهات الٲوروبيات بٲطفالهن . ٲن من خلال تجربتي وجدتهن حريصات علی هذه الطقوس رٲيتها صيفا وشتاء ، حتی في الٲيام الممطرة وٲثناء سقوط الثلج وٳذا صادف ٲن مرضت ٳحدهن فٳنها تكلف ٲمها ٲو حماتها ٲو ٲية واحدة من قريباتها القيام بذلك بدلا عنها ) (ص۹٦) . وهي ٲيضا في موازاة ذلك تقول وعلی لسان بها نفسيها في موضع ٲخر (ٲعتقد ٲنك تحسبين نساء لندن كنسوتنا اللائي يبقين في الفراش بعد الولادة لٲيام وٲسابيع وتتنافس قريباتها في صنع الحلوی الذيذة لها، وطعامها ثم يقمن لمولودها الحفل الٲسبوعي ) (۹۳).
ما نلاحظه ٲن الكاتبة تنجز بالمفردات ما يمكن ٲن نسميها التضمينات الاجتماعية التي ترتفع بالمتن السردي ، ومثل ذلك بالخطاب الذي يمتاز بواقعيته . ٳذا كان الكلام المحكي جدير بالدراسة كما يقول الناقد كراهم هاف، فٳن ماهو ٲكثر جدراة بالدراسة الكلام الذي تستخدمه الكاتبة (كثيرا ما ٲفكر وٲقول: ٳن العديد من هولاء الذين ٲراهم الآن ---تقصد الرجال الخليجيين وزوجاتهم ---في هذا المظاهر ، كانوا يعيشوين حالة البداوة بعيدين عن حضارة، ومع ذلك فٳنهم يعيشون لآن في النعيم بسبب النفط ولهم دولهم الخاصة ، ٲما نحن الكورد فقد ٲصبح النفط نقمة لنا بدلا من ٲن يصير نعمة ، ورغم كل الخيرات المتوفرة في بلدنا فنحن محرومون منها ولا نملك شيئا )( ص۹۲).
كهلا ويز صالح فتاح بما سبق ، تلح باصرار علی ٳنصاف الحقيقة والانتصار لها. ٳنه لعمل رائع هذا الذي تقوم به . وما من شيء يضاهي
في جماله جمال الحقيقة ، وهي وحدها التي نحبها . وفي اعتقادنا فٳنها في ذلك تكون شاهدة منصفة ، شٲنها كمثل الكثيرين ممن ٲنجزوا ٲعمالا ٲدبية رائعة وفائقة الجودة . لكن وعلی رغم ٲهمية الاشارة ٳلی كل ما سبق ٳلا ٲنه من الضروري التٲكد ٲن الوصول ٳلی صميم الرواية، يظل هو الٲهم ، ليس بالنسبة لنا كقراء فقط وٳنما بالنسبة لمٶلفه التي ستعدها كارثة كبيرة توقف القراء عند حدود الجزء الظاهري الملحوظ من روايتها ، التي يتٲسس الجمال فيها علی قاعدة الابتعاد عن التصريح المباشر والاكتفاء بالتلويح ( وصلوا ٳلی بیت سردار ، واستقبلهم مع زوجته بهار وٲطفاله الثلاثة استقبالا حارا تخلله العناق والقبلات ، واختلط الكلام الكوردي بالانجليزية كانوا ما زالوا ٲمام الباب حين قالت بخشان في نفسها : وا فرحتاه ، البيت الكوردي خالص ) و ( تصوري حين ٲری امرٲة ملتفة بالعباءة السوداء ٲشعر بسرور يدخل ٳلی قلبي ، رغم ٲن هٶلاء النسوء الملتفات بالعباءات السوداء لسن كورديات ) و ( ٳن الطفل علی حق ، هل ضروري ٲن يكون الآذان عبر مكبرات الصوت بهذا الشكل المزعج وٳقلاق راحة الٲطفال . لست ٲدري هل كان هناك مايكروفون في زمن النبي محمد " ص" . . ٳلخ .
ما سبق يدعونا البحث عن تفسير دلالي لٲبنية الغة في الرواية وكذلك البحث عن طبقات السرد . ولكن ينبغي ٲن لا يفهم من هذا ٲننا مع البحث عن مختلف الدلالات المعجمية ، فنحن لا نتحدث حول فقه اللغة ، وٳنما عن ظلال المفردات والمعاني المستترة وراءها . ٳي ٲننا لسنا في صدد القيام بتحليل لٲقنية اللغة ، وٳنما الغاية لفت الانتياه ٳلی ضرورة ٲن تتم العملية النقدية بهدوء .
في واحدة من الصياغات تقول الكاتبة ( وفي اليوم الثالث من عودة حسن كانت ٲسرته مع عدد من الٲقرباء المقربين مدعوين لتناول الغداء في بيت عمه ، وحسب الاتفاق كانت الباجة الكوردية هي التي ستتصدر المائدة مرة ٲخری ). قد يتصور القارئ ٲنه ٲمام ما يمكن ٲن يقول عنها ٲنها لغة صحفية من شٲنها ٳضعاف الرواية ، ٳلا ٲننا لا نٶيد مثل هذا التصور . صحيح ٲنه ثمة تقريرية واضحة ، وٲن اللغة من النوع السهل الذي لا يجهد، ٳلا ٲنها في المناخات التي ترهص بها ٲكبر من ٲن يتم نعتها كما سبقت الٳشارة . وعموما فٳن الكاتبة تبتعد عن الجمل الجاهزة القادمة من حقول السياسة ٲو علم الاجتماع ٲو الدين وسواها . ٲو بمعنی آخر فٳن ما نلاحظه في العبارة السابقة ، ٲنها ليست بنية ٲسلوبية اقناعية - ٳبلاغية ، وٳنما هي بنية ٲسلوبية ٳبداعية تخريفية تخيلية ٳيهامية ، يمكن القراء الذهاب منها ٳلی البنية الاجتماعية عند الكورد ، وكذلك ٳلی طبقات السرد الٲخری التي تختفي تحت القشرة الظاهرة لنا .
PUKmedia يوسف يوسف * المصدر: كتاب: دراسات في السرد الكردي