اخبار العراق الان

الحكيم.. مساعي "تيار الحكمة" لترسيخ استقلالية الشيعة العرب

الحكيم.. مساعي
الحكيم.. مساعي "تيار الحكمة" لترسيخ استقلالية الشيعة العرب

2021-04-28 00:00:00 - المصدر: العربية


"العراق منفتح على محيطه الإقليمي والدولي وحريص على إقامة أفضل العلاقات مع الجميع بما يحفظ مصالحه وسيادته"، يقول زعيم "تيار الحكمة الوطني"، السيد عمار الحكيم، في تغريدة له عبر منصة "تويتر"، الثلاثاء 27 إبريل الجاري، عقب لقائه في العاصمة بغداد، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

الحكيم أكد على "ضرورة التهدئة واعتماد الحوار سبيلا لحل الخلافات"، معتبراً أن "جلوس الجميع على طاولة حوار حقيقي كفيل بإنهاء الأزمات والصراعات". في مسعى منه لدفع العملية الدبلوماسية نحو الأمام، كبديل عن المواجهة والصراع المسلح، بغية تخفيف الاحتقان الإقليمي، وأيضاً العمل التدريجي على استعادة الحكومة العراقية لزمام المبادرة، وضبط الساحة الداخلية، التي تعرضت للفوضى، نتيجة هجمات "داعش" و"القاعدة"، والميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون.

استقلال القرار العراقي

الموقف السياسي المعلن لعمار الحكيم، يعكس الخطوط العامة لـ"تيار الحكمة الوطني"، الذي تم تشكيله العام 2017، خارجاً بذلك من عباءة "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"، محاولاً اجتراح خطاب وطني متخففٍ من إرث "الحرس القديم"، وأن يكون ذا "أجندة عراقية خالصة، دون ارتباطات إقليمية، أو محاور عابرة للحدود".

سياسة الحكيم، تقرأ من خلال مفرداته التي استخدمها في التعليق على لقائه الوزير محمد جواد ظريف، مثل "التهدئة"، "الحوار"، "إنهاء الأزمات"، "مصالح البلدين"، "استقرار الوضع السياسي"، و"السيادة".. هذا القاموس تم اختياره بعناية، كونه يرمي لعدة أهداف، أبرزها:

1. صون استقلال العراق عن القرار الإيراني. وأن بغداد هي من تحكم ذاتها، لا طهران ولا سواها من العواصم.
2. عدم وضع العراق في محور إقليمي قبالة آخر. وبالتالي، النأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية.
3. تجنيب العراق أن يتحول إلى منصة اعتداء على دول الجوار، تحديداً دول الخليج العربي.
4. بناء العلاقات مع كافة الدول عبر مبدأ الاحترام المتبادل، والتعاون، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
5. البعد عن العنف، وانتهاج الحوار سبيلاً أوحد لحل المشكلات داخل العراق وفي الإقليم.

مصادر عراقية تحدثت معها "العربية.نت"، أشارت إلى أن استراتيجية تيار "الحكمة"، تقوم على أن "العلاقة مع إيران هي علاقة أخوة، وليست علاقة بُنوة". مفسرة ذلك بقولها "الأخوة يكونون أنداداً، يحكمهم الاحترام، يختلفون ويتفقون، دون أن تكون لأحدهم سلطة على الآخر أو تبعية. وبالتالي هنالك مساواة واستقلالية، رغم رابط الأخوة. فيما علاقة الأبناء، تكون علاقة أبٍ يتولى الرعاية، وله السلطة، وله حق السمع والطاعة"، مضيفةً "علاقة الأبوة، والمنطق الأعلى، أمر لا يصح في السياسة، وفي العلاقات الدولية". مبينةً أن "السيد عمار الحكيم، في سياسته الحالية يريد أن تكون للعراق علاقات حسنة مع إيران، دون أن تكون لإيران أي سلطة أو ضغوط على بغداد، لأن المصلحة الوطنية العراقية مقدمة على سواها".

ماذا عن العلاقة مع دول الخليج العربية؟

يتحدث لـ"العربية.نت"، سياسي من "تيار الحكمة الوطني"، قائلاً "ننظر باحترام كبير للعلاقة مع دول الخليج العربية، وهذه العلاقات تمثل أولوية لدينا، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية، حيث ندعم خطوات رئيس الوزراء السيد الكاظمي في هذا الصدد"، كاشفاً أن "هنالك قناعة لدى تيار الحكمة بأن القيادة السعودية لديها اهتمام بتوطيد العلاقة مع العراق، وباستقرار العراق، لما في ذلك من مصلحة مشتركة للبلدين".

تجاوز المذهبية

بمناسبة "يوم الشهيد العراقي"، وفي ساحة "الخلاني" وسط بغداد، ألقى عمار الحكيم، كلمة في الجموع التي حضرت، تضمنت رؤية "تيار الحكمة الوطني" للعلاقة بين المذهب والدولة، وهي رؤية بُنيت على مدماك "المواطنة"، بوصفه مفهوماً حديثاً يتسع للجميع دون تفريق أو تفضيل بين العراقيين.

الملك عبد الله بن عبد العزيز والسيد عمار الحكيم

"إن المسلمين الشيعة في العراق وفي المنطقة العربية وفي كل مكان، سيتمسكون بخيار الدولة والمواطنة وسيستوفون حقوقهم في ظل دولهم لا بمعزل عنها.. فهم جزء رئيس وأصيل من أوطانهم، وعليهم أن يشاركوا في صنع القرار بوصفهم بُناة دولة وأمة، لا بوصفهم أبناء طائفة منعزلة أو منغلقة أو مرتبطة بخارج الحدود". يقول الحكيم في خطابه، مؤكداً أن "التشيع والطائفة سيحظيان بالأمان يوم يكون الوطن آمناً وموحداً، والدولة قوية ومستقرة"، مضيفاً "الدولة للجميع، والتشيع والتسنن لأهله بكل حرية واحترام".

السيد عمار الحكيم والشيخ محمد بن زايد

هذا الخطاب "المدني" المتجاوز لـ"الهويات الطائفية" دون أن يلغيها أو يهمشها، ليس بالمعتاد لدى جمهور الأحزاب وزعماء المذاهب، خصوصاً أنه لا يحظى بشعبية واسعة لدى "جمهور عامة الناس البسطاء"، كونهم يرون في الطائفة والقبيلة الملجأ والحامي! كما أنه منطق يؤمن بـأن "الدولة شأن بشري وليس دينيا"، وهو ما يخالف أدبيات حركات الإسلام السياسي، التي تؤمن بـ"دينية الدولة".

الرئيس عبد الفتاح السيسي والسيد عمار الحكيم

عمار الحكيم يعلم أن هنالك كلفة لهذا النوع من الخطابات السياسية المدنية، إلا أنه "منذ اليوم الأول الذي أسسنا فيه تيار الحكمة، دفعنا الثمن، وقررنا أن لا نستخدم الخطاب الطائفي"، يقول قياديٌ في "تيار الحكمة الوطني" لموقع "العربية.نت"، سارداً القصة التالية "في إحدى المناسبات تحدث أحدهم للسيد عمار الحكيم، واقترح عليه استخدام بعض المفردات المذهبية، من أجل دغدغة مشاعر جزء من الشارع، لأهداف انتخابية. إلا أن السيد الحكيم رفض ذلك بشكل قاطع، وقال إن الخطاب الطائفي يجعلنا جميعا نخسر".

السيد عمار الحكيم والسفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري

زعيم "تيار الحكمة" وفي ذات كلمته بساحة "الخلاني"، وجه دعوة من أجل الاتفاق على "هوية وطنية جامعة، ودولة عصرية عادلة يحكمها عقد اجتماعي وسياسي جديد، يعالج تراكمات الماضي ويواكب تطورات الحاضر ويتطلع لمستقبل مستقل ومستقر ومزدهر". وهو في دعوته هذه يطرح مشروعاً أبعد من العراق، بل يتقاطع مع أطروحات مرجعيات روحية سابقة، مثل الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، جوهرها "الشراكة" مع مختلف المكونات الوطنية، والتعالي على الهويات الفرعية.

الامتداد التاريخي

مواقف عمار الحكيم، ليست "تكتيكاً آنياً" فرضته السياسة، بل هي تأتي في سياق تطور تدريجي وتراكم للمواقف التاريخية لآل الحكيم، وتحديداً جده السيد محسن الحكيم، الذي كان في زمنه "المرجع الأعلى" للمسلمين الشيعة في العالم.

السيد محسن الحكيم، كان من القادة الذين شاركوا في قتالِ الاحتلال البريطاني للعراق، رفقة السيد محمد سعيد الحبوبي. والذي لا يعرفه كثيرون، أن المرجع الحكيم رفض أن ينطوي تحت لواء "العثمانيين" أو تلقي الدعم منهم، كونه يعتبر ذاته مدافعاً عن "العراق الوطن"، وليس "الخلافة العثمانية".

السيد محسن الحكيم أثناء زيارته السعودية لأداء مراسم الحج، وفي استقباله وزير الداخلية حينها الأمير فهد بن عبد العزيز والوفد المرافق له

السيد محسن الحكيم، عندما عزم على الذهاب إلى السعودية، لأداء مناسك الحج في مكة المكرمة، إبان عهد الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، حظي باستقبال خاص، وحفاوة بالغة. وكان في مقدمة مستقبليه الأمير فهد بن عبد العزيز آل سعود، الذي كان وزيراً للداخلية حينها - والذي أصبح تالياً ملكاً للسعودية بعد أخيه الملك خالد بن عبد العزيز - وكان بمعيتهِ في الاستقبال د.رشاد فرعون المستشار الخاص للملك فيصل بن عبد العزيز، والسيد أحمد عبد الوهاب رئيس المراسم الملكية.

أمير البحرين الشيخ عيسى آل خليفة أثناء زيارته المرجع السيد محسن الحكيم

أيضاً، العام 1968، عندما زار أمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، العراق، قصد مدينة النجف، وزار السيد محسن الحكيم في منزله، ضمن وفد ضم شخصيات حكومية وصحافية.

محمد رضا بهلوي، شاه إيران السابق، هو الآخر كانت تربطه علاقة احترام بالمرجع الحكيم، الذي حظي بملايين الأتباع والمقلدين، ليس في العراق وحده، بل حتى في داخل إيران، رغم وجود مرجعيات دينية كبرى في حوزة "قم".

العلاقات الخليجية

السيد محسن الحكيم، كان لديه العديد من الأبناء، لعل من أبرزهم، السادة: مهدي، محمد باقر، عبد العزيز، والأخير هو والدُ الزعيم الحالي لـ"تيار الحكمة الوطني".

في لقاء السيد عمار الحكيم بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كانت تظهر صورة عميه: مهدي ومحمد باقر، إلى جوار صورة والده عبد العزيز.

السيد محمد باقر الحكيم

بعد أن استقل عمار الحكيم عن "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"، رفع صور عمه الراحل مهدي الحكيم في مقار "تيار الحكمة الوطني"، وفي ذلك إشارة بالغة الدلالة على التحول السياسي، والقطيعة مع إرث "الإسلام السياسي".

السيد مهدي الحكيم الذي اغتيل في السودان العام 1988، شخصية مهمة في تاريخ العمل السياسي العراقي، وهو عالم دين وقيادي بارز، تميز بالجرأة، وبنظرة تختلف في كثير من مفاصلها عن قيادات "الإسلام السياسي".

السيد مهدي الحكيم

زار العلامة مهدي الحكيم الشاه محمد رضا بهلوي، دون أن يكترث بالهجوم اللاذع ضده، خصوصاً من التيار الثوري الموالي لآية الله الخميني. لأنه كان يعتقد أن لقاءه ذلك ستكون له نتائج إيجابية، حتى لو لم يوافقه عليه نقاده.

"الغرب" كان لا ينظر له مهدي الحكيم بعين الريبة أو الازدراء، بل كان يعتقد أن العلاقة مع العالم الغربي مهمة، وأنه شريك حضاري، والتفاعل معه سيكون سلوكاً إيجابياً يصب في صالح العراقيين والعرب.

عاش السيد مهدي الحكيم لسنوات طويلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديداً إمارة دبي، حيث ربطته علاقة احترام متبادل مع الراحل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. كما أنه ساهم في تأسيس "الأوقاف الجعفرية" في دبي، التي تشكلت بمرسوم رسمي أصدره حاكم دبي الراحل الشيخ راشد بن سعيد، العام 1971.

هذه العلاقات المتوازنة لدى الحكيم مع القيادات السياسية في الخليج، ونظرته المعتدلة تجاه المتغيرات السياسية، لم ترق "الحزبيين المتشددين"، ولذا عملوا على تشويه صورته، واتهامه بـ"العمالة للولايات المتحدة"!

من هنا، فإن رفع عمار الحكيم لصورة عمه السيد مهدي، هي استعادة لذكراه ورد اعتبار له من جهة، وأيضاً تأكيد على أن الخط السياسي لآل الحكيم سيكون "الاعتدال، وعلاقات التواصل مع دول الجوار العربي، وعدم الارتماء في حضن إيران، دون معاداتها".

العلاقات العربية والدولية الإيجابية، هي استمرار أيضاً، لذات سياسات السيد محمد باقر الحكيم، الذي اغتيل العام 2003، والسيد عبد العزيز الحكيم، الذي توفي بعد معاناة مع المرض العام 2009، حيث كان كلاهما على علاقات حسنة مع دول الخليج العربية، حيث زارا العواصم الخليجية، وفي مقدمها الرياض وأبوظبي والمنامة والكويت.. وسواها.

الرئيس الإمريكي جورج دبليو بوش مستقبلا السيد عبد العزيز الحكيم في البيت الأبيض

الراحل عبد العزيز الحكيم، ذهب في خطوة أكثر جرأة، عندما التقى الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، في البيت الأبيض، ديسمبر 2006، الأمر الذي أثار حفيظة "المتشددين"، وتحديداً الأحزاب الموالية لإيران!

العلاقات مع إيران

تاريخياً، تعرض آل الحكيم لكثير من المضايقات إبان فترة حكم "حزب البعث" للجمهورية العراقية. حيث تم اعتقال العديد منهم، وإعدام آخرين، والتنكيل حتى بالأطفال والنساء والشيوخ، وهو الأمر الذي اضطر عدداً منهم للفرار خارج العراق، هرباً من الموت!

كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، النظام الجديد الوليد، الملجأ الذي استقرت فيه المعارضة العراقية بمختلف أطيافها. ومن ضمنها "المجلس الشيعي الأعلى"، الذي تزعمه الراحل السيد محمد باقر الحكيم.

العارفون بتاريخ تلك المرحلة، يدركون تفاصيل العلاقة المعقدة بين الحكيم والقيادة الإيرانية. فهي من جهة وفرت له ملاذاً آمناً، إلا أنه في ذات الوقت يريد أن يكون قرار المعارضة عراقياً صرفاً، دون أن ينجر لكي يصبح أداة في يد "الحرس الثوري" الإيراني.

خلال الفترة التي سبقت سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، العام 2003، كان محمد باقر الحكيم، ينشط في زياراته العربية المكوكية. وكان يسعى لأن يُكون رأياً عاماً مستقلاً. إلا أنه في ذات الوقت كان يواجه صعوبات وعوائق يضعها في طريقه عدد من القيادات الفاعلة في "فيلق بدر"، الذي كان نظرياً تحت مظلة "المجلس الشيعي الأعلى" الذي يتزعمه الحكيم، إلا أنه عملياً لم يكن تحت سيطرته تماماً، بل كان في أكثر من مفصل تاريخي، يناكف الحكيم، منحازاً لسياسات تخالف تلك التي سعى الحكيم لإرسائها. ولذا، من يدقق في خطابات السيد محمد باقر الحكيم، والتي ألقاها بعد عودته إلى العراق، يجد أنه كان يشدد على دور "المرجعية الدينية" ويقصد تحديداً "مرجعية النجف"، رغبة منه في استقلال القرار العراقي، ولمعرفته أن النجف عصية على طهران، ولا يمكن للنظام الإيراني أن يبتلعها!

الاستقلال الهادئ

ما يعمل عليه زعيم "تيار الحكمة الوطني" عمار الحكيم، حالياً، هو "الاستقلال الهادئ" على السياسة الإيرانية والأحزاب والميليشيات الموالية لها، دون صخب، ودون مواجهات أمنية مكلفة؛ ولكنه أيضاً استقلال واضح وصريح ودون مواربة أيضاً. هو استقلال بالقرار العراقي، لكي يكون وطنياً صرفاً. وفي أحد وجوهه هو تحرير لـ"التشيع" من التحزب والتأسلم السياسي، وإعادته إلى طبيعته، هوية منفتحة على الآخر، مندمجة في الدولة، منحازة للقانون، بعيدة عن الانعزالية، ذات نزعة تواصلية، وعقل حواري تشاركي غير استئثاري.

مهمة شاقة تلك التي تنتظر السيد عمار الحكيم، إلا أن "تيار الحكمة سيستمر في منهجه، من أجل عراق لجميع أبنائه من مختلف المكونات"، كما يقول قيادي في التيار، مشدداً على أن "هنالك قناعة راسخة داخل التيار، ولا خيار أمامنا إلا تكملة المشوار، لأن هذا ما نؤمن به، وما نعتقد أن فيه مصلحة للعراقيين وللأشقاء في الخليج ودول الجوار".