اخبار العراق الان

"دلتا" يحاصر استراليا وسط مأزق نقص اللقاحات

"دلتا" يحاصر استراليا وسط مأزق نقص اللقاحات

2021-06-30 00:00:00 - المصدر: بغداد اليوم


بغداد اليوم-متابعة

قدمت قارة أستراليا نموذجاً ناجح في مواجهة وباء كورونا منذ بدايته، لكن تحول الإعجاب "والحسد" فجأة إلى الشفقة بعد أن أجبرت سلالة دلتا الحكومة هناك على فرض حجر صحي على أغلب الأستراليين، فماذا يحدث هناك؟

 

يبلغ سكان أستراليا نحو 25.7 مليون نسمة، ومنذ تفشي وباء كورونا حول العالم قبل نحو عام ونصف وحتى اليوم 30 يونيو/حزيران، سجلت القارة حالات إصابة بلغت أقل من 31 ألفاً فقط، تعافى منهم أكثر من 30 ألفاً، بينما بلغت حالات الوفاة طوال العام ونصف 910 حالات، بحسب موقع وورلد ميترز كورونا.

 

ولم تسجل أستراليا أي حالة وفاة بكورونا منذ أكثر من ستة أشهر، كما انخفضت حالات الإصابة بشكل كبير طوال تلك المدة، حيث لم تتخطّ الإصابات المكتشفة في عموم القارة متوسط أقل من 10 إصابات يومياً، وهو ما جعل أستراليا مثاراً للإعجاب والحسد في آن معاً.

 

وتفاخر رئيس الوزراء سكوت موريسون كثيراً بهذا الإنجاز الضخم، وقال بعد عودته من أوروبا قبل أيام، حيث حضر قمة مجموعة السبعة في بريطانيا: "العالم مندهش من كيفية نجاح أستراليا في إنقاذ الأرواح وإنقاذ لقمة العيش أيضاً في زمن الوباء. إننا نحافظ على نمونا اقتصادنا وفي الوقت نفسه نحافظ على حياة شعبنا، بحسب تقرير لصحيفة Strait Times.

 

ماذا حدث إذاً في أستراليا؟

لكن فجأة جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن موريسون. فقد سجلت ولاية نيو ساوث ويلز، أكبر ولايات أستراليا من حيث عدد السكان، الثلاثاء 29 يونيو/حزيران زيادة طفيفة في حالات كوفيد-19 المكتسبة محلياً، مما أجبر المسؤولين على تشديد القيود لاحتواء ما يبدو أنها موجة جديدة من الوباء تهدد البلاد.

 

ويرجع الخوف الشديد من هذه الموجة إلى طبيعة حالات الإصابة التي تم اكتشافها، فالإصابات -على قلَّتها- تسببت فيها سلالة "دلتا" شديدة العدوى، وتم اكتشافها في عدة مناطق داخل أستراليا.

 

فقد ارتفعت الحالات المرتبطة بسلالة دلتا في سيدني عاصمة نيوساوث ويلز إلى ما يقرب من 150 حالة. وأدت المخاوف من أن تتسبب السلالة في حدوث تفشٍّ كبير إلى فرض إجراءات العزل العام في ثلاث مدن رئيسية وبعض أشكال القيود في عدة مدن أخرى، وهو ما يؤثر على أكثر من 20 مليون أسترالي أو نحو 80% من السكان.

 

ودخلت بيرث، عاصمة ولاية أستراليا الغربية، في عزل عام لمدة أربعة أيام اعتباراً من الثلاثاء لتنضم إلى سيدني وداروين، وفرضت كوينزلاند العزل العام لمدة ثلاثة أيام في العاصمة بريسبان وبعض المناطق المجاورة اعتباراً من مساء نفس اليوم.

 

وقالت رئيسة وزراء كوينزلاند أناستاسيا باواشتشوك: "الخطر حقيقي ويتعين علينا التحرك سريعاً والعمل بجدية".

وتخضع سيدني التي يقطنها خُمس سكان أستراليا البالغ عددهم 25 مليون نسمة لعزل عام لمدة أسبوعين حتى التاسع من يوليو/تموز في حين تم تمديد إجراءات العزل في مدينة داروين الشمالية لمدة 72 ساعة أخرى حتى الجمعة 2 يوليو/تموز. وتفرض السلطات قيوداً صارمة في أماكن أخرى تتمثل في الإلزام باستخدام الكمامات والحد من التجمعات.

 

كيف نجحت أستراليا في مواجهة الوباء؟

وحتى تكون صورة ما تتعرض له أستراليا هذه الأيام أكثر وضوحاً، من المهم العودة لبداية تفشي وباء كورونا مطلع العام الماضي والوقوف على كيفية تحقيق حكومة أستراليا لذلك النجاح المبهر وتحقيق المعادلة المستحيلة وهي حماية الأرواح وحماية الأرزاق في آن معاً.

 

وفي هذا السياق يمكن القول إن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها حكومة موريسون قبل 15 شهراً من الآن، وتمثلت في الإغلاق التام للحدود الدولية لأستراليا ومنع الدخول أو الخروج قد أتت أكلها بالفعل ونتج عنها محاصرة حالات الإصابة والوفيات في أضيق الحدود.

 

وفي الوقت نفسه، قامت الحكومة بتطبيق إجراءات التتبع والمراقبة وإجراء الاختبارات للكشف المبكر عن حالات الإصابة ومن ثم اتخاذ إجراءات العزل وتوفير الرعاية للمصابين أولاً بأول، وهي الاستراتيجية التي أثبتت نجاحاً باهراً ومكنت أستراليا من الحفاظ على أغلب الأنشطة الاقتصادية بصورة أقرب ما يمكن للحالة الطبيعية، وكانت النتيجة "ذلك الإنجاز المذهل" الذي أثار إعجاب وحسد أغلب دول العالم، كما ذكر موريسون مؤخراً.

 

لماذا عادت إجراءات الحجر الصحي الصارمة إذاً؟

لكن اكتشاف حالات إصابة بسلالة دلتا شديدة العدوى في أستراليا أجبر لجنة مواجهة كوفيد-19 على عقد اجتماع طارئ الإثنين 28 يونيو/حزيران، بعد أن أدى تفشي السلالة شديدة العدوى في جميع أنحاء البلاد إلى إغلاق سيدني وتجديد القيود في مناطق أخرى.

 

والآن يعيش نحو 18 مليون أسترالي أو نحو 70% من السكان في ظل شكل من أشكال العزل العام أو القيود المرتبطة بكوفيد-19 مع تصدي المسؤولين لتفشي المرض في كل الولايات والأقاليم تقريباً.

 

وقال وزير الخزانة الاتحادي جوش فرايدنبرج لهيئة الإذاعة الأسترالية، الإثنين: "أعتقد أننا ندخل مرحلة جديدة من هذه الجائحة بسبب سلالة دلتا الأكثر عدوى". وأضاف أن أستراليا تواجه "وقتاً حرجاً" في معركتها ضد كوفيد-19.

 

وأطلع كبير الأطباء في أستراليا لجنة الأمن القومي التي يرأسها موريسون على الموقف فيما يتعلق بكوفيد-19، بعد يومين من بدء تطبيق عزل عام على سيدني أكثر مدن أستراليا اكتظاظاً بالسكان لمدة أسبوعين.

 

وسلالة دلتا أو ما بات يعرف بالسلالة الهندية هي أكثر سلالات فيروس كورونا فتكاً بسبب سرعة انتشارها، وهي السلالة التي توحشت بشكل كبير في الهند وأودت بحياة عشرات الآلاف وأصابت الملايين في زمن قياسي في شبه القارة الهندية، وجعلت العالم يهرع لمساعدة نيودلهي خوفاً من انتشارها خارج حدود الهند.

لكن الواضح أن سلالة دلتا لم تعد حكراً على الهند، بل تنتشر الآن في كثير من دول العالم من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا والشرق الأوسط، وها قد وصلت إلى أستراليا لتفرض عزلاً صحياً على أغلب سكان القارة النائية.

 

ويزيد من خطورة الموقف في أستراليا أن القارة تعيش هذه الأيام فصل الشتاء -شأنها شأن نصف الكرة الأرضية الجنوبي- وهو الفصل الذي يشهد انتشار الفيروسات المتنوعة من الإنفلونزا وغيرها، وليس فقط فيروس كورونا.

 

ووصف وزير الصحة في الحكومة المحلية بسيدني، براد هازارد، سلالة دلتا التي اكتشفت في الهند بأنها "عدو لدود"، مضيفاً: "على الرغم من كل الإجراءات التي اتخذناها، يبدو أن الفيروس له قدرة على المباغتة".

 

وقد بينت الاختبارات أن حالتين مسجلتين في غربي أستراليا ترجعان إلى بؤرة سيدني، ولكن الإصابات المسجلة في كوينزلاند والأقاليم الشمالية تعود إلى أشخاص أصيبوا بالفيروس على الرغم من خضوعهم للحجر الصحي في الفندق. ويعتقد المسؤولون أن سلالة دلتا انتشرت أولاً في مخيم لعمال المناجم، وأصبحت الآن تشكل خطراً على الناس هناك.

 

كما يتابع المسؤولون بقلق قضية أحد أعضاء طاقم شركة طيران فيرجن أستراليا عمل في خمس رحلات محلية وهو يحمل فيروس كورونا من سلاسة دلتا. وقد اتصلت الشركة بجميع المسافرين على رحلاتها وكذا أعضاء طاقم طائرتها.

 

هل السبب نقص اللقاحات في أستراليا؟

والآن تواجه حكومة موريسون انتقادات عنيفة من جانب المعارضة، خصوصاً أن البلاد ستشهد انتخابات عامة في مايو/أيار المقبل. وتتركز الانتقادات حول "فشل حكومة موريسون في توفير اللقاحات" للأستراليين، وهو ما يبرره البعض السبب الرئيسي في موجة التفشي الجديدة بسلالة دلتا الخطيرة.

وقد وجهت الحكومات المحلية في ولايات أستراليا انتقادات حادة للحكومة الفيدرالية برئاسة موريسون بسبب عدم بذل تلك الحكومة جهوداً جادة لتوفير جرعات اللقاح لسكان القارة، واعتماد موريسون على نجاح خطة الإغلاق التام التي طبقتها حكومته منذ بداية تفشي الوباء، والآن جاءت سلالة دلتا لتنسف ذلك النجاح وتعرض البلاد لخطر موجة جديدة أكثر فتكاً أو الإغلاق الصارم الذي بدأ بالفعل، بحسب صحيفة Strait Times.