لماذا تأخر الكشف عن قتلة هشام الهاشمي؟
"عصابة الموت التي أرعبت أهلنا في البصرة ونشرت الموت في شوارعها الحبيبة وأزهقت أرواحاً زكية، سقطت في قبضة أبطال قواتنا الأمنية تمهيداً لمحاكمة عادلة علنية. قتلة جنان ماذي وأحمد عبد الصمد اليوم، وغداً القصاص من قاتلي ريهام والهاشمي وكل المغدورين .. العدالة لن تنام"، غرد في 15 فبراير الماضي رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، كاشفاً عن إلقاء القبض على مجموعة تورطت في عمليات اغتيال جنوبي العراق، بمدينة البصرة، وهو ما أعطى أملاً لذوي الضحايا بأن هنالك إرادة سياسية تعمل على محاسبة مرتكبي جرائم القتل.
العسكري والهاشمي!
رغم إعلان الكاظمي أعلاه، ومرور عام على اغتيال الباحث هشام الهاشمي، أمام منزله في العاصمة بغداد، 6 يوليو 2020، إلا أنه لم يتم القبض على قتلته، ولم توجه لائحة اتهام ضد أفراد أو جهة ما، في الوقت الذي يتهمُ فيه مجموعة من الناشطين العراقيين المليشيات المسلحة الموالية لإيران بارتكاب الجريمة، وتحديداً "كتائب حزب الله"، حيث تم تداول معلومات سابقة بأن الشخصية المثيرة للجدل "أبو علي العسكري"، سبق وأن هدد هشام الهاشمي بأن حياته معرضة للخطر.
مادة اعلانية
مصادر عراقية عليمة، تحدثت معها "العربية.نت"، أشارت إلى أن "أبو علي العسكري هو شخصية ناشطة على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مجال الدعاية والإعلام الحربي، وليس له دور أمني أو عسكري أو سياسي مباشر، كما أنه يقيم حالياً خارج العراق"، وبناء على ذلك، فإن من أصدر أمر الاغتيال هي جهة أو شخصية أكبر نفوذاً وقوة من "أبو علي العسكري" وإن نال الأخير شهرة نتيجة نشاطاته الإعلامية التي دائماً ما كان يهاجم فيها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وتهديداته المتكررة باستهداف القوات الأمريكية؛ وعليه فإن هذه الأنشطة هي بمثابة الغطاء الذي يعمل على نشر الدعاية المليشياوية من جهة، ويضلل الجهات الأمنية من جهة أخرى، في لعبة كرٍ وفرٍ بين الحكومة العراقية والمجاميع الخارجة عن القانون.
هشام الهاشمي
التحقيقات الأمنية
"المعلومات المهمة هي تلك التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية بعيد اعتقال فرقة الموت في البصرة"، يقول المصدر لـ"العربية.نت"، مضيفاً "المجموعة التي تم إلقاء القبض عليها قادت لبعض الخيوط حول أفراد تورطوا في عمليات اغتيال ناشطين وصحافيين، وبينهم المرحوم هشام الهاشمي، والمجموعة التي على الأرجح نفذت عملية اغتيال الهاشمي لم تعرف أسماء أفرادها بالتحديد، إلا أن المعطيات تشير إلى أنهم فروا إلى خارج العراق".
حيث يختبئ الجناة؟ يجيب المصدر العراقي المطلع "على الأرجح هم متواجدون إما في إيران أو سوريا أو لبنان، وهنالك جهود استخباراتية ودبلوماسية حثيثة يجري العمل عليها بشكل متواصل من أجل الوصول إلى مكان إقامتهم، بغية القبض عليهم وتسليمهم للسلطات العراقية".
تأخر الإعلان!
البعض يتساءل، إذا كانت هنالك معلومات مهمة بحوزة الأجهزة الرسمية العراقية، فلماذا هذا التأخير في الإعلان عنها؟ يكشف المصدر الذي تحدثت معه "العربية.نت" عن السبب، بقوله "لا يمكن تسريب المعلومات دون استكمال التحقيقات، لأن تسريبها سيكون في مصلحة الجناة والقتلة، والحفاظ على سريتها يمنح الأجهزة الأمنية العراقية القدرة على المباغتة واستكمال جهودها"، معتبراً أن "هذا النوع من عمليات الاغتيال معقد للغاية، وكشفه يحتاج إلى وقت، وتعاون بين مختلف الأجهزة، وأن مهما بلغت إرادة رئاسة الوزراء في الوصول إلى الحقيقة، فلن تكفي لتحقيق ذلك إذا بقيت وحدها".
ما سبق يكشف عن وجود خلل في التنسيق بين الأجهزة الحكومية العراقية بوضوح في قضية اغتيال الناشط إيهاب وزني، الذي قُتل في مدينة كربلاء، مايو 2021، ووجهت أصابع الاتهام إلى القيادي في "الحشد الشعبي" قاسم مصلح، الذي تم إلقاء القبض عليه في أواخر مايو الماضي، وأطلق سراحه تالياً في يونيو 2021، بعد أن اعتبر القضاء أن "الأدلة غير كافية" لإدانة مصلح!
هذه الحادثة، يعلق عليها المصدر العراقي، بقوله "كان مكتب رئاسة الوزراء جاداً في ملاحقة قتلة إيهاب وزني، وتم إلقاء القبض على قاسم مصلح، إلا أن القضاء مورست عليه ضغوطات كبيرة، جعلته يتراجع ولا يكمل المشوار الذي جاء بإرادة سياسية من السيد مصطفى الكاظمي".
هذه المشكلة ما الحل لها؟ يوضحُ المصدر "لا يمكن أن يكون هنالك حلٌ دون أن يرتفع مستوى التنسيق بين الأجهزة، ويكون هنالك مستوى من المهنية والسرية.. والأهم تنظيف الأجهزة من الاختراقات الحزبية والمحاصصة الطائفية".
صور هشام الهاشمي خلال تشييع رمزي في بغداد (أرشيفية- فرانس برس)
الدولة المخترقة!
"اختراق الأجهزة"، هي واحدة من المعضلات الكبيرة في العراق اليوم، ولهذا السبب "يتولى ملف التحقيق في قضايا الاغتيالات جهة خاصة، تأسست بأمر من مكتب رئيس الوزراء، وتتبع له بشكل مباشر، ومهامها ومعلوماتها سرية، وذلك من أجل أن لا يتطلع عليها الأفراد المنتمون للمليشيات المسلحة والذين يعمل الكثير منهم في أجهزة مهمة في الدولة، وللأسف يقومون بتسريب معلومات سرية لجهاتهم الحزبية".
الخلايا الفوضوية
بالعودة إلى "فرقة الموت" التي تم توقيفها في جنوب العراق، فبراير 2021، تشير المعلومات إلى أن أفرادها لا ينتمون تنظيمياً لحزب محدد، وإنما هم مجموعة منشقة عن مليشيات أكبر، وهذه المجموعات أكثر تعقيداً وفوضوية وعدم التزاماً، وبالتالي خطورتها أكبر في إحداث أعمال عنف وإرهاب غير متوقعة.
مصادر كشفت لـ"العربية.نت"، أنه تم قبل نحو شهر توقيف مجموعة ثانية يجري التحقيق معها، على صلة بـ"عصائب أهل الحق"، التي غرد زعيمها قيس الخزعلي، في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال هشام الهاشمي، قائلاً "لا أعتقد أن الدوافع والجهة التي تقف وراء اغتياله يمكن كشفها بسهولة، وهي غير ما يعتقد الكثيرون".
الخزعلي الذي يتفق معه كثيرون في أن "الجهة التي تقف وراء الاغتيال لا يمكن كشفها بسهولة"، أبعد التهمة عن المليشيات المسلحة الموالية لإيران، عندما قال "هي غير ما يعتقد كثيرون"، وكأنه يشير هنا إلى فرضية روجها ما يعرف بـ"محور المقاومة"، مفادها أن الذي اغتال هشام الهاشمي هي "مخابرات دولية، أمريكية أو إسرائيلية، تريد إحداث فتنة في العراق، وضرب الحشد الشعبي"، وهي وجهة النظر التي يرفضها الكثير من المراقبين والمتابعين لملف الاغتيالات في العراق.
محاسبة الجناة
خلال يونيو الماضي، زار السيد مصطفى الكاظمي مدينة الناصرية، وتوجه إلى عائلة أنس مالك، الذي توفي متأثراً بجراحه بعد إصابته خلال التظاهرات الاحتجاجية المطلبية العام الماضي، حيث قال خلال لقائه بهم "الأجهزة الأمنية والقضائية جادة بالعمل للوصول إلى قتلة الناشطين، وقد تمكنا في وقت سابق من إلقاء القبض على قتلة الصحفي الشهيد أحمد عبد الصمد وفرق الموت في البصرة وعدد من قتلة المتظاهرين".
تأكيد الكاظمي المتكرر بأن "القتلة لن يفلتوا من العقاب" يصطدم بجمهور عراقي واسع، وتحديدا في أوساط "متظاهري تشرين" الذين ينتظرون تغيرات سريعة ونتائج ملموسة، وهو أمر يراه مراقبون "متعذر الحصول في الوقت الحالي، في دولة أنهكتها المليشيات والتفجيرات والإرهاب والفساد والمحاصصة الطائفية والحزبية"، وهو الأمر الذي يجعل رئيس الوزراء يواجه ضغوطاً متزايدة من أكثر من جهة: من المليشيات التي تريد أن تطال رأسه لكنها تعلم أن ذلك خطاً أحمر سيقود إلى حرب أهلية، ومن "ثوار تشرين" الذين جاء الكاظمي إلى الحكومة بفضل حراكهم إلا أنهم يرغبون في تغيير حقيقي يعتقدون أنه تأخر كثيراً، وهي المعادلة الصعبة التي تسعى الحكومة العراقية للتعامل معها بحذر كبير يمكنها السير بين ألغامها دون أن تؤدي إلى "نهرٍ من الدماء وعدم الاستقرار" لأن "أي انفجار داخلي لن يكون خطراً على السلم الأهلي للعراق وحسب، بل على دول الجوار والمنطقة، ولذا يجب العمل بحذر وحكمة، ولكن أيضاً بقوة وإصرار ومتابعة"، كما يقول المصدر!