"صدمة وسلوك اجرامي".. الجرعة الثالثة من اللقاح تثير غضباً واسعاً
بغداد اليوم-متابعة
"الصدمة" و "السلوك الإجرامي" تعبيرات لا يستخدمها الأطباء المتخصصون في العادة، لكن الحال تبدلت مؤخرا في ظل تفاقم ضغوط مواجهة جائحة كورونا، التي تقترب من دخول عامها الثالث.
فقد جاء إعلان دول عدة، بينها الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، عن تقديم جرعة لقاحات "ثالثة" معززة لمواجهة الفيروس، لتثير حفيظة خبراء الأمراض المعدية حول العالم، الذين حذروا بشدة أن تلك "السياسة" ستؤدي بالبلدان الفقيرة إلى مواجهة نقص شديد في جرعات اللقاح، مما قد يؤدي إلى إطالة أمد الوباء، وربما ظهور سلالات أكثر خطورة.
والأربعاء، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس: "لا نريد أن نرى تقديم لقاحات معززة على نطاق واسع، لأصحاء تم تطعيمهم بالكامل"، مكررًا دعوة سابقة من منظمته لتأجيل خطط "الجرعة الثالثة" حتى تتمكن الدول الفقيرة من تخطي آثار برامج التطعيم غير الكافية.
وأكد غيبريسوس، وفق موقع مجلة "فورتشن"، أن العالم مازال يشهد "تفاوتا مروعا في الحصول على اللقاحات".
وكانت خطط تقديم تلك الجرعات المعززة أثارت قلق المجتمع العلمي وحكومات عدة في جميع أنحاء العالم، حيث تزايدت علامات الاستفهام بشأن تخزين دول غنية لجرعات اللقاح الزائدة، في وقت تكافح عشرات الدول الفقيرة لتحصين نسبة ضئيلة من سكانها.
وحسب "فورتشن" فقد دفع قرار السلطات الأميركية بالبدء في إعطاء جرعات معززة لملايين الأميركيين بدءا من سبتمبر الجاري، اثنين من كبار مسؤولي اللقاحات في إدارة الغذاء والدواء إلى الاستقالة احتجاجًا.
ولمواكبة تلك التطورات، اتخذ مصنعو اللقاحات خطوات لزيادة الإنتاج، ولكن في أغلب الأحوال للجرعات المعززة.
فقد تقدمت شركة "فايزر" بطلب إلى إدارة الغذاء والدواء (FDA)، للموافقة على لقاحها المعزز، الذي تم تسويقه تحت اسم Comirnaty ، بينما تعمل شركة موديرنا على زيادة الإنتاج في ولايتي ماساتشوستس ونيو هامبشاير.
وعبر الأطلنطي، صرحت وكالة الأدوية الأوروبية الشهر الماضي لموقعين جديدين تابعين لشركة فايزر-بيونتيك، في فرنسا وألمانيا، لبدء تصنيع الجرعات المعززة.
تباين مؤسف
ورغم التحذيرات المتتالية، طوال أشهر، فقد حدث بالفعل التباين العميق بين البلدان الغنية والفقيرة، فيما يتعلق بتوفير اللقاحات، وتوضح الأرقام التالية حجم التفاوت الصارخ.
فقد اُستخدم حوالي 75% من 5 مليارات جرعة لقاح في العالم حتى الآن في 10 دول غنية فقط، وهو تفاوت قد يكلف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 2.3 تريليون دولار بحلول عام 2023، وفقًا لتقرير صدر قبل أسبوع عن وحدة المعلومات الاقتصادية.
وفي فرنسا، على سبيل المثال، تم تلقيح حوالي 65.6% من السكان البالغ عددهم 66 مليونًا بعد حملة كبرى جرت خلال شهور الصيف، وبالمقارنة فإن نسبة ضئيلة تبلغ 2% فقط من سكان قارة أفريقيا، البالغ عددهم 1.2 مليار شخص، قد تم تطعيمهم بالكامل.
ورغم ذلك، تقول "فورتشن"، باتت فرنسا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تقدم جرعة ثالثة معززة للقاح لأي شخص يتخطى عمره 65 عامًا، وهو إجراء قالت وكالة مكافحة الأمراض المعدية التابعة للاتحاد الأوروبي، الأربعاء، إنه غير ضروري.
وفي يوليو، باتت إسرائيل، التي تلقى أكثر من 60% من سكانها جرعتي فايزر بالفعل، أول دولة تقوم بإعطاء جرعات معززة، لأي شخص يزيد عمره عن 60 عامًا.
هذه "البرامج" أثارت انتقادات شديدة من علماء بارزين، أكدوا أن تلك "الجرعة المعززة" ستؤثر بشكل مباشر على اللقاحات المتاحة للبلدان الفقيرة.
ونبه عالم الأوبئة الشهير، بروس أيلوارد، أحد كبار مستشاري منظمة الصحة العالمية، في تصريحات إلى مجلة "ساينس" إلى أن العالم يتعامل "مع مورد محدود.."، مضيفا أن ما يحدث يعني "تقليل المعروض (من اللقاحات) لمن هم في حاجة ماسة إليه".
بينما وصف توليو دي أوليفيرا، عالم الأحياء بجامعة كوازولو ناتال في جنوب إفريقيا، تلك الجرعات المعززة بـ"غير العادلة على أقل تقدير، بل ربما.. حتى إجرامية".
وقبل أيام اعتبر مسؤولون أميركيون بارزون، بينهم مديرة مراكز الوقاية من الأمراض والسيطرة عليها روتشيل والينسكي، والقائمة بأعمال وكالة الأدوية والأغذية الأميركية جانيت وودكوك أن البيانات المتاحة تظهر بوضوح أن الحماية من الإصابة بفيروس سارس-كوف-2 تبدأ في الانخفاض بمرور الوقت بعد أول جرعتين من اللقاح، وبالاقتران مع هيمنة المتحورة دلتا".
وخلص المسؤولون إلى "أن هناك حاجة إلى جرعة معزِّزة لزيادة الحماية التي يوفرها اللقاح إلى أقصى حد وإطالة أمدها".
لكن، ووفقًا للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، قد تكون الحقن المعززة غير ضرورية من الناحية الطبية.
بينما اعتبرت الوكالة الأوروبية أنه "ليست هناك حاجة ملحة" لجرعات معززة، ما لم يكن الشخص في حالة صحية واهنة، وأضافت أن البعض ربما نسى الغرض من اللقاحات، وهو الحيلولة دون اللجوء للمستشفيات وتقليل نسب الوفاة.. وفي الوقت الحالي، بحسب التقرير، فإن جرعتين فقط من لقاح كورونا "توفران درجة حماية عالية".
لكن كل تلك التحذيرات والأرقام، لن تكون حسب "فورتشن" كافية لإقناع المواطن العادي في بلد غني مثل فرنسا لعدم تلقي جرعة ثالثة، إذ تتوفر هناك جرعات اللقاح في الصيدليات، أو مراكز التطعيم، بالمجان، في وقت يعاني ملايين البشر من الحصول حتى على جرعتي التطعيم الأساسيتين.