تقرير اميركي “يفكك” أسباب معضلة الكهرباء في العراق: الطاقة تتسرب.. وعقود الظل
يس عراق: بغداد
سلطة تقرير اميركي الضوء على المشكلة الأزلية التي تواجه العراق والمتمثلة بالكهرباء، لتتحدث عن أسباب واضحة وبسيطة تقوض امكانية تحسين ملف الكهرباء في هذا البلد بالرغم من صرف مايفوق الـ80 مليار دولار وهو مايعادل ميزانية عام كامل للعراق.
وكالة اسوشيتد برس، قالت في تقرير اطلعت عليه “يس عراق”، إن “كل وزير للكهرباء منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003 والذي اطاح بصدام حسين، واجه هذه المعادلة الرهيبة: يجب ان يكون العراق قادرا على انتاج اكثر من 30 الف ميغاواط من الطاقة، وهو ما يكفي لتلبية الطلب الحالي، لكن نصف ذلك فقط يصل الى المستهلكين”.
واوضحت الوكالة ان البنية التحتية المتردية والوقود غير الملائم والسرقة مسؤولة كلها عن ما بين 40٪ و60٪ من الخسائر، وهي من بين اعلى المعدلات في العالم.
كما اشارت الى ان عملية تحصيل الايرادات من المشتركين تتم بشكل سيء، مضيفة ان الوزارة تقوم بتحصيل اقل من 10٪ من الفواتير. وتابعت انه في شهر ديسمبر/كانون الاول الماضي، اعلنت لجنة برلمانية ان 81 مليار دولار انفقت على قطاع الكهرباء منذ العام 2005، لكن الانقطاعات لا تزال هي الوضع القائم.
المستقبل قاتم
واكدت الوكالة انه من المقرر ان يتضاعف الطلب على الكهرباء بحلول العام 2030 مع نمو عدد سكان العراق بمقدار مليون نسمة سنويا. وتقدر وكالة الطاقة الدولية انه من خلال عدم تطوير قطاع الكهرباء، فان العراق خسر 120 مليار دولار بين عامي 2014 و2020 في الوظائف والنمو الصناعي بسبب الطلب غير المتوفر.
ومن هنا تتلخص مشكلة الكهرباء في العراق بشكل واضح أولًا، بسوء وتهالك شبكات التوزيع وكفاءة المحطات، حيث أن محطة انتاج الطاقة ذات قدرة توليد ألف ميغا واط على سبيل المثال، لاتعطي سوى 600 ميغا واط بسبب رداءة الوقود والطقس الحار الذي يقلل كفاءة المحطة وعدم الصيانة، بالاضافة الى ذلك فان ماتعلنه وزارة الكهرباء عن انتاج 20 الف ميغا واط على سبيل المثال كما العام الحالي كرقم قياسي، يشير خبراء الى ان الحقيقة مايصل الى المنازل والمستلهك اقل من هذا الرقم وقد يصل إلى 10 الاف ميغا واط فقط.
حيث تصل نسبة الضائعات احيانا وتتراوح بين 60% إلى 30% وهي ارقام كبيرة جدًا، فيما تأتي هذه الضائعات بسبب سوء وتهالك شبكات التوزيع والنقل وامتداد الطاقة على اسلاك لمسافات طويلة جدًا تسبب بضياع الطاقة في هذا النقل، بالاضافة الى الاحياء العشوائية والتجاوز على خطوط نقل الطاقة.
الفساد.. الشركات لاتنتج المشاريع قبل دفع الاموال
واحدة من الأسباب الأبرز التي تطرق لها التقرير هو ملف الفساد، ناقلا معلومات خطيرة عن نسب ما تضطر الشركات الاجنبية على دفعه مقابل تمكنها من العمل.
واوضح التقرير ان وزارة الكهرباء مثال على كيفية سير الامور في المشهد السياسي العراقي من ناحية الفساد الذي تتسابق عليه الكتل الفائزة بحسب عدد مقاعدها فأتاح هذا قيام نظام من المدفوعات المالية السرية الى النخب السياسية التي تسحب اموال الدولة من الشركات التي يتم التعاقد معها من اجل تحسين الخدمات.
واوضح التقرير ان الوكالة تحدثت الى عشرات المسؤولين السابقين والحاليين في وزارة الكهرباء ومقاولي الشركات، وتحدثوا عن الشراكات الضمنية التي تم تأمينها من خلال الترهيب والمصلحة المتبادلة بين المسؤولين الذين يعينهم السياسيون والاحزاب والشركات، مما يضمن ان تنتهي نسبة مئوية من هذه الاموال في خزائن حزبية.
عقود الظل
وتناول التقرير تجربة رجل اعمال عراقي تلقى في حزيران/يونيو الماضي، اتصالا هاتفيا من ممثل اللجنة الاقتصادية للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر الذي حصل على اكبر عدد من المقاعد في انتخابات العام 2018. وتابع التقرير ان “المندوب عباس الكوفي اراد ان يلتقيه. وكان قد تم ابلاغه بان رجل الاعمال التقى بمسؤولين في وزارة الكهرباء لمناقشة مشروع بملايين الدولارات لزيادة تحصيل الرسوم المتعلقة بالفواتير المستحقة للحكومة على المستهلكين، والتي نادرا ما يتم دفعها في العراق”.
وتابعت الوكالة انه خلال اللقاء في مكتب الكوفي، “جرى الطلب من رجل الاعمال لتسليم 15٪ من الارباح، نقدا، بمجرد توقيع الصفقة ودفع الوزارة الفواتير”.
ونقلت عن رجل الاعمال قوله ان الكوفي قال له “ان وزارة الكهرباء ملك لي ولحزبي، وانه لا يمكنني فعل اي شيء من دون موافقته”. واضاف رجل الاعمال “انهم لا يخجلون، ويقولون لك: اذا لم تتبعنا، فسوف نلحق بك الاذى”.
ولفتت الوكالة الى ان الكوفي الذي كان سابقا قياديا في الفصائل التي حاربت ضد تنظيم داعش، هو مثال عن ممثلي الحزب الاقتصاديين الذين لديهم شركات قوية النفوذ.
واوضحت الوكالة نقلا عن مسؤولين في ست شركات منخرطة في هذه العملية منذ العام 2018، انه “من خلال التنسيق بين الموالين للوزارة ومسؤولي الشركات والنواب، يتم تعيين ممثلين مثل الكوفي لضمان الحصول على الموافقة على عقود محددة، كما يتم انتقاء مقاول من اختيارهم لتنفيذها وتسليم حصة الى الحزب”.
واشارت الى ان اسم الكوفي تردد في وسائل الاعلام المحلية في يوليو/تموز عندما اتهمته رسالة يعتقد ان وزير الكهرباء السابق ماجد حنتوش صاغها، بتقويض عمل الوزارة، مضيفة ان حنتوش الذي استقال فيما بعد، نفى كتابته لهذه الرسالة.
ونقلت عن مقاولين قولهم ان الترهيب هو جزء تقليدي من مسار العمليات في وزارة الكهرباء. كما قال مسؤول في شركة كبرى متعددة الجنسيات لم يحدد اسمها، انه تلقى أمرا بالتعاقد من الباطن مع شركة محلية “حصريا” حيث يتم التفاوض مع الحكومة على حزمة من الصفقات بقيمة مليارات الدولارات. وقال المسؤول “لقد اوضحوا لي: اما ان تنضم الينا، او انك لن تحصل على شيء في النهاية”.
وتابعت الوكالة انه من اجل تامين الاموال المخصصة لـ”المكافآت”، يجري في بعض الاحيان اصدار فاتورة شراء مواد بكلفة أكبر مما تم شراؤه بالفعل. واضافت ان احد المسؤولين قدر الخسارة بـ”المليارات” منذ العام 2003، لكن الارقام الدقيقة غير متوفرة.
وبحسب الوكالة، فان المسؤولين الذين يطرحون تساؤلات حول سبب تضخم اسعار العقود، يتلقون تحذيرات. ومن بين هؤلاء مسؤول اعترض على انشاء محطة كهرباء في محافظة صلاح الدين الشمالية، تجاوزت قيمتها 600 مليون دولار. قال انه تلقى مكالمة عندما اتضح انه لن يوقع على الصفقة، وقيل له “كن حذرا”.
شارك هذا الموضوع: