تقرير شيلكوت لا يزال راهنا
قبل أيام، رحل السير جون شيلكوت (تشيلكوت) الذي وضع تقريراً عن الحرب على العراق في 2016. واليوم، في ضوء الانسحاب الأميركي من أفغانستان و"اختفاء" الجيش الأفغاني، قد ترتجى فائدة من استعادة النقاش عن انفراط عقد "جيش صدام" والدور الأميركي حينها.
حين صدر تقرير جون شيلكوت في 2016، أثار ردود مسؤولين أميركيين لعبوا دوراً بارزاً في غزو العراق في 2003، ومنهم بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي الذي وجه المرحلة الانتقالية ومرحلة إعادة الإعمار بعد إطاحة الرئيس العراقي صدام حسين.
وكتب مقالة نشرها موقع "سي أن أن" في يوليو (تموز) 2016، أعرب فيها عن ملاحظاته على ما ورد في التقرير. فهو وافقه الرأي في أبرز خلاصاته، ومنها أن التخطيط البريطاني السابق للحرب لم يعد العدة لما بعد المرحلة. ورأى بريمر أن مصاعب ما بعد الغزو التي يعزوها شيلكوت إلى سوء التخطيط البريطاني ما قبل الحرب يصح في التخطيط الأميركي وإعداده.
ولكن بريمر، على الرغم من موافقته على شطر راجح من تقرير شيلكوت خالفه في نقطتين لا تزالان إلى اليوم موضع تساؤل وهما مدار نظريات مؤامرة تنسب إلى واشنطن السعي عن قصد إلى تسليم مقاليد العراق إلى إيران. وتتناول هاتان النقطتان مسألة حل جيش صدام حسين وصولاً إلى الطعن في من أملى إطاحة صدام حسين.
جيش صدام "سرح نفسه"
وعلى خلاف شيلكوت لا يرى بريمر أن حل جيش صدام حسين كان خطأ أفضى إلى اندلاع التمرد وانزلاق العراق إلى الفوضى. فتاريخ الجيش في عهد صدام، "وحشي"، وفق قول الحاكم الأميركي المدني السابق. وعلل موقفه هذا بالقول: "هذا الجيش شن طوال عقد حرباً على المدنيين الأكراد. وقمع قمعاً عنيفاً الشيعة الذين انتفضوا على صدام في 1991". ولكن الأميركيين على حد قوله لم يحلوا هذا الجيش. وكتب: "إثر سقوط بغداد، لم نجد أي وحدة من هذا الجيش في مواقعها. فالجيش سرح نفسه. ووجب على الائتلاف أن يقرر السبيل الأمثل إلى إنشاء جيش جديد". وسلط الضوء على دور الأطراف العراقيين، ومنهم الأكراد والشيعة تحت راية آية الله علي سيستاني، في رفض الاستعانة بحيش صدام حسين على نحو ما اقترح بعض ضباط الائتلاف الدولي. وكان لسان حالهم رفض بروز عهد جديد من "الصدامية من غير صدام".
ويروي بريمر أنه أشرف على توزيع رواتب "تسريح" لكل الأعضاء السابقين في الجيش وتعويضات لمعظم الضباط البارزين. وقيمة هذه الرواتب هي ضعف الرواتب في عهد صدام، و"دفعها الاحتلال والحكومات العراقية المنتخبة (في وقت لاحق)".
ما بين جيش صدام والجيش العراقي
ويذكر بريمر أن بلاده أعلنت حينها أن في وسع أي عنصر أو ضابط أو كولونيل الالتحاق بالجيش الجديد. وخلص في تنبيهه إلى أن القطيعة بين جيش صدام وجيش ما بعد سقوطه لم تكن بائنة، وفق ما يحسب كثيرون. وكتب: "حين غادرتُ العراق، كان 80 في المئة من الجيش من أعضاء الجيش السابق". وهذا الجيش نجح بمساعدة الأميركيين في إلحاق الهزيمة بـ"القاعدة في العراق". وبعض أعضاء الجيش السابق التحقوا بـ"القاعدة" أو "داعش". والتحاقهم لا صلة له بعدم تعويضهم عن التسريح أو حرمانهم من دور في العراق ما بعد صدام، بل هو مرآة عدم التزامهم الرؤية إلى عراق ديمقراطي".
حرب ضرورة
يرى بول بريمر أن تقرير شيلكوت أهمل سياق الحوادث. فاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، "كانت بمثابة رسالة إلى الأميركيين مفادها أن الإرهابيين يرغبون في قتل الآلاف منهم". وأضاف: "العراق كان دولة ترعى الإرهاب، وفق ما أعلن الرئيسان الأميركيان السابقان من الحزبين، وكان يملك برامج نووية وبيولوجية وكيماوية. وصدام استخدم الأسلحة الكيماوية ضد العراقيين الأكراد في 1988. ومنذ 1991، أصدر مجلس الأمن 17 قراراً يطالب صدام بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل. ولكنه لم يفعل. وأجهزة الاستخبارات، الأميركية والألمانية والفرنسية والروسية والبريطانية خلصت إلى أن صدام لم يوقف العمل في برامج هذه الأسلحة". ومع مرور الوقت تبين أن تقارير الاستخبارات الغربية لم تكن في محلها. "لكن حين اتُخذ قرار الحرب، لم يعرف جورج دبليو بوش أو توني بلير ذلك".
وختم بول بريمر رده على تقرير شيلكوت بإحالة الحُكم على قرار إطاحة صدام حسين إلى التاريخ ومرور الزمن. وكتب: "كان قراراً صائباً على الرغم من أنه شائك. ولو لم نطح النظام هذا، لكنا اليوم أمام عراق مسلح نووياً يواجه إيران مسلحة نووياً. ومثل هذه النتيجة في منطقة الشرق الأوسط، أسوأ من حالها اليوم".
لا يزال الشرق الأوسط وجنوب آسيا يُكابدان نتائج آثار إطاحة نظام صدام حسين ونظام "طالبان" بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. والسؤال اليوم كما كان في الأمس مداره حول من يملأ الفراغ بعد الانسحاب الأميركي المرتجل مع بروز تقارير في الصحافة الروسية عن تشغيل الصين قاعدة باغرام الأفغانية.