هل تدفع نتائج الانتخابات العراقية البلاد إلى أزمة سياسية مفتوحة؟
مع اتساع رقعة الرافضين لنتائج الانتخابات العراقية المبكرة، التي جرت في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أسهمت النتائج في دخول بلاد الرافدين أزمة سياسية مفتوحة، حيث انقسمت القوى السياسية الفاعلة في العملية السياسية إلى فريقين، الأول داعم لنتائج الانتخابات كونه فائزاً بالانتخابات، والثاني يرفض نتائجها بشكل مطلق بسبب خسارته لكثير من المقاعد في البرلمان الجديد.
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات، نتائج الاقتراع بعد الانتهاء من عملية العد والفرز اليدوي.
وقال رئيس مجلس المفوضين في المفوضية القاضي جليل عدنان في مؤتمر صحافي، إنه "تم الانتهاء من عملية تدقيق نتائج الانتخابات، بعد إكمال العد والفرز اليدوي لـ 3681 محطة"، مشيراً إلى أن "النتائج الأولية الآن متاحة أمام الجميع عبر موقع المفوضية العليا للانتخابات"، مبيناً أن "هذه النتائج تعد أولية وبالإمكان الطعن فيها". وتابع، "نحن ملزمون وفقاً للقانون بأن نقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين".
من جانبه، ذكر قسم الشكاوى في المفوضية خلال المؤتمر الصحافي، أنه "تم فتح أبواب استلام الطعون في نتائج الانتخابات"، مؤكداً أنه "سيتم إجراء عمليات تفحيص وتدقيق الطعون المقدمة كافة".
وأضاف أنه "سيتم استقبال الطعون خلال 3 أيام من إعلان نتائج الانتخابات".
الكتلة الصدرية الأكبر انتخابياً
في المقابل، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قبوله قرارات المفوضية ونتائج الانتخابات البرلمانية.
وقال في بيان نشره على حسابه في موقع "تويتر"، إن "الكتلة الصدرية الأكبر انتخابياً"، مضيفاً "سنكون حكومة خدمية نزيهة لا تقدم المصالح الشخصية على العامة". وذكر زعيم التيار الصدري الفائز في سباق انتخابات العراق 2021، "سنعمل على حكومة لا تخدم المصالح الفئوية أو الحزبية أو الطائفية"، موضحاً أن "الانتخابات صوت الشعب وهذا الصوت يتغير وفق التصرفات والمنجزات".
ويؤكد الصدر أنه "على الجميع قبول الطرف الآخر وتقبل النتائج"، معلناً رفضه "الاقتتال وزعزعة السلم الأهلي والإضرار بشعب العراق وأمنه".
وأوضح "بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات يجب ألا يكون العراق ساحة للخلافات والصراعات".
رفض نتائج الانتخابات
لكن الإطار التنسيقي للقوى الشيعية في العراق (ماعدا التيار الصدري) رفض نتائج الانتخابات. وأكد الإطار التنسيقي في بيان له، "كنا نأمل من مفوضية الانتخابات تصحيح المخالفات الكبيرة التي ارتكبتها أثناء وبعد عد الأصوات وإعلان النتائج، وبعد إصرارها على نتائج مطعون بصحتها نعلن رفضنا الكامل لهذه النتائج، ونحمل المفوضية المسؤولية الكاملة عن فشل الاستحقاق الانتخابي وسوء إدارته، ما سينعكس سلباً على المسار الديمقراطي والوفاق المجتمعي".
في حين، رفضت كتلة "عراق النهضة والسلام" برئاسة الشيخ نواف سعود زيد الباشا، نتائج الانتخابات.
وقال الباشا في بيان له "عندما أعلنت المفوضية النتائج الأولية للانتخابات، وجدنا أنها لا تمت للواقع بصلة ومنافية له، مقارنة مع عملنا وجمهورنا، حيث قدّم المكتب السياسي لكتلة عراق النهضة والسلام كثيراً من الخدمات للشرائح كافة في مدينتنا الحبيبة الموصل، كما قدم أهلنا لنا العهد والوعد بالتوجه لانتخاب الكتلة ورئيسها الشيخ نواف الباشا، ولكن كانت النتائج مفاجئة ولا تنسجم مع الوقائع على الأرض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب الباشا "المفوضية العليا للانتخابات بعدّ وفرز صناديق الاقتراع يدوياً ومطابقتها بالنتائج الأولية التي تم عرضها، ونؤكد بشدة على عد وفرز المحطات التي تم إرسالها إلى بغداد، والتي لم يتم عدها وفرزها لهذه اللحظة، وتركها في مخازن المفوضية من دون رقابة، كما ونطلب أن يكون العد والفرز تحت إشراف أممي وتحت أنظار وسائل الإعلام والشعب العراقي".
ارتفاع في مؤشرات التناحر السياسي
من جهة ثانية، أكد رئيس تجمع "اقتدار وطن" الوزير السابق، عبد الحسين عبطان، أن لا أحد من المكونات السياسية يستطيع بمفرده تأمين ثلثي المجلس النيابي لاختيار رئيس الجمهورية والمضي بتكليف رئيس الوزراء، داعياً الكتل الفائزة إلى التكاتف وطي الخلافات والمضي بمفاوضات تشكيل الحكومة.
وأشار عبطان إلى أن "التأخير في تشكيل الحكومة المقبلة سيدفع ثمنه الشعب المسكين الذي أنهكته المشكلات المعيشية والخدمية التي رافقت الحكومات المتعاقبة"، مضيفاً أن "التأخير في تشكيل الحكومة سيخلق حالة من الفوضى وارتفاعاً في مؤشرات التناحر السياسي".
رفض العودة للمحاصصة
لكن الباحث السياسي واثق الجابري، أكد أن "في ظل النتائج المعلنة، ورفض قوى سياسية النتائج ستكون هناك أزمات متصاعدة ما لم تتدارك القوى والمفوضية والحكومة ما يمكن أن يحصل من أزمات تؤدي بالعراق للخطر والمنزلق، وحتى في حال إقرار النتائج وقبول النتائج، فإن التحالفات من الصعب التكهن بها في ظل صراع القوى المحموم على السلطة، سيما مع وجود تقاطعات حادة بين القوى الرئيسة وعدم تقاربها من بعض".
وختم الجابري حديثه بالقول، "في كل الأحوال يمكن أن تصل إلى حل مشترك بالدخول في تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا ما يولد أزمة مع الشارع العراقي الذي يرفض العودة للمحاصصة".
تحالفات عابرة للمكونات
بدوره، يؤكد الباحث السياسي علي البيدر، "حتى الآن هناك أكثر من طرف رفض نتائج الانتخابات، وبذلك سيفتعلون أزمات عدة من أجل إعادة تواجدهم في السلطة ثانية".
ويؤكد البيدر أن "التلويح بحمل السلاح أحد خيارات القوى الخاسرة، أو تلك التي لم تفلح في الحصول على مقاعدها السابقة، وبذلك هذا الأمر مؤشر خطير للغاية، وقد يؤدي إلى كارثة تنزلق فيها البلاد إلى أتون الحرب الأهلية".
ويضيف "الصراع اليوم داخل البيت الشيعي تحول من صراع سياسي إلى صراع عقائدي، الصدريون أكثر قرباً اليوم إلى السنة والكرد من بعض الشيعة، المعادلة الجديدة قد تشكل تحالفات عابرة للمكونات على حساب المذهب الذي سيقفزه التيار الصدري من أجل عيون العراق والعراقيين".
ويكشف البيدر أن "ترضية وترويض السلاح لا تتم عبر سلب إرادة العراقيين ومنحه مقاعد نيابية خوفاً من رد فعله، وهذا الأمر سيخنق مساحة الإصلاح في البرلمان الجديد، ويجعل المواطن يفقد الثقة بشكل مطلق في الانتخابات".
وناشد البيدر "المجتمع الدولي لحماية التجربة الديمقراطية في العراق من السلاح كونها ملزمة بذلك إنسانياً وأخلاقياً بعد تأسيسها بمشاركة أطراف عراقية بعد عام 2003".
وتابع "التجمع المعروف باسم الإطار التنسيقي يهدف إلى وضع العصا في دولاب إرادة العراقيين الساعية إلى الإصلاح، والصدر لا يشبه زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي في 2010، كما أن التشنج قد يقود إلى حال من الانفجار أو الغضب الشعبي الذي قد يعيد التظاهرات مجدداً وبأكثر من طرف".