هل تطيل الأحداث السياسية أمد تشكيل الحكومة العراقية؟
مع استمرار التوترات السياسية في العراق على إثر خسارة التيارات الموالية لإيران في الانتخابات الأخيرة، تدور التساؤلات حول إمكانية أن يطول أمد تشكيل الحكومة المقبلة خصوصاً مع عدم حسم شكل التحالفات البرلمانية وتحديداً على الساحة الشيعية وتمسك التيار الصدري بخيار "الأغلبية السياسية".
وتعيد التوترات السياسية الحالية إلى أذهان العراقيين أزمة تشكيل حكومة نوري المالكي الثانية عام 2010 والتي شهدت العديد من التوترات تحديداً بعد فوز "القائمة العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي بالانتخابات.
وكانت حكومة المالكي الثانية تشكلت بعد نحو 9 أشهر من إعلان نتائج الانتخابات نتيجة التوترات السياسية وعدم حسم مفهوم "الكتلة الكبرى" داخل البرلمان العراقي.
ويبدو أن الإشكالية هذه المرة لا تتعلق فقط بالمسارات القانونية بل بتلويح المليشيات الموالية لإيران بالتصعيد إذا ما لم يتم النظر إلى اعتراضاتها، وهو الأمر الذي يراه مراقبون تعقيداً إضافياً ربما يطيل أمد تشكيل الحكومة بشكل كبير.
المسارات القانونية ستحسم الجدل
يبدو أن أمد تشكيل الحكومة المقبلة قد يطول خصوصاً مع عدم توفر أي بوادر لحسم الإشكالات تحديداً على الساحة السياسية الشيعية وتمسك التيار الصدري الفائز بـ74 مقعداً باستبعاد خيار التوافق حتى الآن.
وتستمر التيارات الموالية لإيران بالتشكيك بنزاهة الانتخابات الأخيرة، فضلاً عن تلويحها بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي ربما يؤدي إلى تأخير التفاهمات السياسية بين الأطراف الأخرى التي نجحت في حصد عدد كبير من المقاعد في البرلمان العراقي وعلى رأسها "الكتلة الصدرية".
ويعتقد الباحث في الشأن السياسي، بسام القزويني، أن إصرار تلك القوى على "الحصول على مقاعد تدفعها إلى الأمام قد يؤخر تشكيل الحكومة بضعة شهور".
ويشير القزويني إلى عدة عوامل ربما تسهم بشكل مباشر في تأخير حسم الإشكالات والشروع نحو تشكيل الحكومة المقبلة على رأسها "استمرار تمسك الصدر بخيار الأغلبية أو المعارضة ورفضه العودة إلى سياق التوافق، فضلاً عن تلويح القوى المتراجعة في الانتخابات بالذهاب إلى الأمم المتحدة لتقديم شكوى حول النتائج".
وبالرغم من الترجيحات بإطالة أمد تشكيل الحكومة المقبلة، إلا أن القزويني يستبعد إعادة سيناريو حكومة المالكي الثانية والتي طال تشكيلها نحو 9 أشهر، مبيناً أن "الصدر دخل مرحلة النضوج السياسي ولا يريد إطالة أمد المفاوضات وسيتخذ قراراً تجاه مشاركته من عدمها".
ويبدو أن حسم هذا الصراع يتوقف على مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات، بحسب القزويني الذي يرجح أن تنهي مصادقة المحكمة الصراع المحتدم، مبيناً أن "جميع القوى ستكون أمام أمر واقع وهو القبول بالنتائج والشروع بعملية التفاوض والاشتراك أو العزوف والمعارضة".
ويختم أنه "من المحتمل أن تتكرر مشاهد العنف في حال استبعاد القوى المعترضة الحاملة للسلاح أو سحب بساط نفوذها مرة واحدة، وبالتالي قد تحصل على تطمينات لا تنازلات من القوى المتقدمة في نتائج الانتخابات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عام كامل قبل الحسم
ويرتبط التعقيد بما يتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة بمسارين يتعلق الأول بحسم ملف الطعون والاعتراضات التي قدمتها القوى الخاسرة وصولاً إلى مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية، أما المسار الآخر فيرتبط بالسيناريوهات المحتملة للتصعيد الذي ربما يعقد ملف عقد التفاهمات بين القوى الفائزة.
في المقابل، يعتقد الكاتب والصحافي العراقي، أحمد الشيخ ماجد، أن حسم الجدل حول تشكيل الحكومة المقبلة لا يتوقف فقط على المسارات القانونية ومصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج، بل يرتبط إلى حد كبير بالإشكالات التي يمكن أن تسببها القوى المسلحة الموالية لإيران.
ويبدو أن مسار تشكيل الحكومة المقبلة قد يكون "أكثر تعقيداً من مخاض تشكيل حكومة المالكي الثانية"، بحسب الشيخ ماجد الذي يلفت إلى أن "العراق في هذه المرحلة يشهد أكبر حالة نفوذ للقوى المسلحة وهو ما قد يطيل أمد تشكيل الحكومة إلى نحو عام كامل".
"معركة المفوضية مع القوى الخاسرة"
ويرجح مراقبون أن يكون حسم ملف الطعون وإعلان النتائج النهائية للانتخابات والمصادقة عليها سيمثل "دفعة كبيرة" لتعجيل حسم ملف الحكومة المقبلة.
ويرى رئيس "المركز العراقي الأسترالي"، أحمد الياسري، أن ما قد يعقد مسار تشكيل الحكومة المقبلة هي المتغيرات التي حصلت في مفهوم السلطة في العراق وتحديداً على مستوى القوى الشيعية.
ويشير الياسري إلى أن "الصراع حول السلطة في العراق بات يتخذ شكلا مختلفاً وتحديداً بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فبعد أن كانت الصراعات تنطلق بين المكونات المختلفة باتت الآن محصورة بين أطراف المكوّن الشيعي الذي يحسم ملف رئاسة الوزراء".
ويحدد الياسري مساراً رئيساً لحسم الجدل بشأن إمكانية إطالة أمد الإشكالات يرتبط بما أسماه بـ "المعركة السياسية بين المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والقوى الخاسرة"، مبيناً أن "شكل الصراع القادم وإطالة أمد تشكيل الحكومة مرتبط بأداء المفوضية في تلك المعركة".
ويلفت إلى أن كل البوادر تذهب باتجاه "انتصار المفوضية على إرادة القوى الخاسرة" الأمر الذي سيعطي دفعة لتشكيل "أغلبية سياسية من القوى الفائزة".
ويختم أن "احتمالات التصعيد التي تلوّح بها الجماعات الموالية لإيران، ربما تسهم إلى حد ما في تعقيد المشهد".
مفهوم الفائزين يزيح ملف التوافق
وبالرغم من الحديث عن الإشكالات التي تعرقل مسار تشكيل الحكومة المقبلة، يبدو أن حسم التفاهمات بين "الكتلة الصدرية" بزعامة مقتدى الصدر وتحالف "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي و"الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، ربما تعجل بتشكيل الحكومة المقبلة.
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن "عدم حصول التوافق داخل البيت الشيعي يرجح استمرار الأزمة بين القوى الشيعية الرئيسة"، مبيناً أن مسار حسم تلك الإشكالات يتعلق بـ "تشكيل الكتلة الأكبر من قبل الزعماء الثلاث الصدر- البارزاني - الحلبوسي والذي يبدو قريباً".
ويشير في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى أن ما قد يعقد الإشكالية التي تمر بها البلاد يتعلق بـ "إطالة أمد عدم حسم التفاهمات بين الثلاثي الفائز في الانتخابات، الأمر الذي سيضع القوى الفائزة تحت ضغوط داخلية وخارجية للعودة إلى مبدأ توافق الجميع في الحكومة المقبلة".
ويتابع أن المخاوف من إمكانية أن تسمح إطالة مدة التفاهمات إلى تسليط الضغوط على القوى الفائزة "ستدفع الصدر إلى تعجيل الاتفاقات وفق السقوف القانونية والدستورية".
ويبدو أن مفهوم "الفائزين والخاسرين في الانتخابات" قد حل محل التوافق السائد في البلاد، كما يعبّر الشمري الذي يلفت إلى أن هذا المفهوم "سيكون هو الفيصل في تحديد ملامح شكل السلطة المقبلة".
وبالرغم من القلق المستمر من احتمالية أن تشن المليشيات تصعيداً مسلحاً، يرى الشمري أن "الرسائل الخارجية والداخلية ستكبح هذا الخيار خصوصاً بعد بيانات مجلس الأمن والرفض الشعبي لمحاولة الانقلاب على الدولة بعد محاولة اغتيال الكاظمي"، مردفاً "هذه القوى ستقبل بأقل الخسائر أما أن تذهب للصراع المسلح فلن يكون خياراً حاضراً".