هل يمكن محاسبة من أهمل الجنوب وتنكر لحقوقه؟
ازدراء الجنوب وإهماله وتجاهل حقوق مواطنه وإن كان مما اعتادت الحكومات العراقية عليه منذ تأسيس الدولة العراقية، إلاّ أننا نستغرب استمراره بعد عام 2003 حيث أصبح للجنوب ممثلين في الحكومة وبات بعض ممن يحسبون عليه ولهم قواعد فيه من أصحاب القرار فيها وبمناصب هامة على رأسها منصب رئيس الوزراء، أعلى السلطات التنفيذية في الدولة.
لا يمكن لنظام سياسي أن ينجح من دون المحاسبة ولا يمكن لبلد أن يستقيم من دون إحالة كل السلبيات والأخطاء إلى التحقيق والقضاء
وعلى الرغم من منح بعض الحقوق في الآونة الأخيرة ومنها؛ القيام بعمليات إعمار وتحسين للخدمات في بعض المحافظات، إلاّ أنّ هذا لا يجب أن يمنعنا من المطالبة بمحاسبة من أهملوا الجنوب وتنكروا لحقوقه وحاجاته طوال السنوات الماضية، لأن هذا لم يحصل إلاّ بعد ضغط ومطالبة قوية من المتظاهرين، وبعد أن أريقت الكثير من الدماء لأجل ذلك، وشعور الزعماء السياسيين بالخطر على نفوذهم ومكاسبهم، وحتى لا يتكرر هذا الإهمال أو يستمر فيغدو أشبه بنهج معتاد لدى الحكومات التي تأتي مثلما كان الحال سابقًا، فهذا الأعمار المحدود والمتأخر ما هو إلاّ محاولة لامتصاص نقمة الناس ومحاولة لإبعاد الأنظار عما حصل من تقصير بحقهم وليس نتاج ندم وشعور بالمسؤولية في الأعم الأغلب.
فحقوق الجنوب وجميع المحافظات العراقية الأخرى لا تتمثل فقط بإرغام الساسة على الالتفات إلى معاناة الناس من البطالة ونقص الإعمار وحالة الخدمات المزرية وغياب الأمن وهيمنة المحسوبية والواسطة ونتشار الفساد.. إلخ، بل وكذلك في محاسبة المقصرين أيضًا حتى لا يتكرر مثل هذا التقصير أو نعتاد عليه، وهذا يصب أيضًا في صالح التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق التي ركب صهوتها الكثير ممن لا يؤمن بها أو لا يعدها إلاّ وسيلة لفرض سلطانه وتحقيق أهدافه، لأن هناك مخاطر في أن تفشل هذه التجربة لاسيما في ظل ما فيها من إشكالات نجمت من اعتماد المحاصصة، فضلاً عن مبدأ الشراكة في الحكم الذي اعتمد لحل مشكلة تعدد الأطياف العراقية.
فلا يمكن لنظام سياسي أن ينجح من دون المحاسبة، ولا يمكن لبلد أن يستقيم من دون إحالة كل السلبيات والأخطاء إلى التحقيق والقضاء، لكيلا يشعر من في نيته السوء من المسؤولين والسياسيين أنّه سيفلت من عين الرقيب وسيف المحاسبة البتار، فيمعن في الخطأ والإساءة. فالرقابة الدائمة والمحاسبة المستمرة هما صمام أمان العملية السياسية والشرط الضروري لنجاحها.
لذا من حقنا أن ندعو إلى تعويض هذه المحافظات عن الإهمال والتجاهل الطويل ومحاسبة كل من قصر بحقها من المسؤولين فضلاً عمن قصر بحق كل محافظات العراق الأخرى أو تهاون في ضمان حقوقها أو ساوم عليها من أجل مصالحه.
اقرأ/ي أيضًا:
اختيار رئيس الوزراء وعقدة التوافقية في النظام.. شرط واحد لتحقّق الأغلبية
هل هناك معنى لمفهوم "الأغلبية الوطنية"؟