2021.. عام البصمة التشرينية
"فلنعجل بالرحيل فما من هنا أحد يحبنا" ماركيز، الجنرال في متاهته.
الميزة التي سنستقبل بها هذا العام هو أنه عام كانت فيه البصمة التشرينية حاضرة وبقوة. صحيح أن شباب العراق وبعض مثقفيه انتفضوا قبل الحدث التشريني ضد كل أشكال الفساد وجوبهوا أيضًا بالقمع والتشويه، إلا أن خاتمة الانتفاضات في السنين الماضية كانت مُتَوَّجَة بانتفاضة تشرين التي راح ضحيتها عشرات الشباب. وفي هذه الأحداث ادّخرت القوى المناوئة لتشرين مفردات شهيرة ليست غريبة على معجمها الثوري، ووصمت المنتفضين بأقذر النعوت، ولا توجد سلطة سياسية أو اجتماعية تشعر بقليل من الكرامة الوطنية واحترام الذات يمكنها أن تتفوه بهذه المفردات تجاه أبناء بلدها كما لو أن الموضوع تصفية حساب قديم.
بينما كان التشرينيون يتظاهرون ويتعرضون للقتل والاختطاف أصبح جزءًا منهم الآن في العملية السياسية وتم إضعاف مناوئيهم لدرجة لم تكن متوقعة
المهم في الأمر، خلال الأعوام الثمانية عشر لم يستفق العراقيون على وقع أحداث سياسية كالتي شهدتها انتفاضة تشرين. يمكننا أن نتسلسل في الأحداث الكثيرة في هذه السنة وهي حتمًا ستكون أحداثًا مٌقبِضَة للروح ومحطمة للقلوب. لكن الحدث التشريني هيمن على كل أحداث هذه السنة؛ من جهة أنه شكّل منعطفًا سياسيًا لم يكن في حسبان القوى المهيمنة، ومن جهة أخرى اكتشف العراقيون أنهم لا طائفة تؤويهم ولا قبيلة ولا أي هوية فرعية أخرى لو تعلّق الأمر بالسلطة. وتشرين أنموذجًا صارخًا لهذه الحقيقة، حيث تم قتل واغتيال واختطاف الشباب وهم ينتمون لنفس الهوية المذهبية للأغلبية السياسية ولم تحرك هذه الأخيرة أي ساكن.
اقرأ/ي أيضًا: خسارة الشباب
استطاعت تشرين التغيير النسبي لمسار الأحداث، وأجبرت الحكومة على إجراء انتخابات مبكرة. حيث لم يشهد العراق، طيلة سنوات التغيير التي تلت سقوط البعث قوىً سياسية خارج دائرة التسويات الطائفية، وظلّت الوقائع السياسية ماركة مُسَجّلَة باسم الأحزاب الدينية بشكل عام. وهي وقائع أقل ما يمكن وصفها بالكارثية.
ولم يخطر في بال القوى السياسية المهيمنة أن الشباب المنتفضين سيكونون السبب الجوهري لأضعافهم في الانتخابات القادمة. وقد شكلّت تشرين من هذه الناحية عائقًا يشبه اللعنة، حيث انقلب السحر على الساحر، وأصبحت اليوم بعض القوى المهيمنة هي قوىً للمعارضة تجول أمام بوابات الخضراء من أجل التظاهر والتنديد. ولكي نفهم: معارضون ومحتجون ضد من؟ معارضون للآليات الديمقراطية التي لم تضمن لها نصيبًا من كعكة الحكم بحجة التزوير! وبينما كان التشرينيون يتظاهرون في العراء ويتعرضون للقتل والاختطاف، أصبح الآن جزءًا منهم في العملية السياسية، وعلى الجانب الآخر تم إضعاف مناوئيهم لدرجة لم تكن متوقعة.
فلعلنا لا نغالي بالقول إن الحدث الأبرز في سنة 2021 هو تصدع الجبهة المناوئة لانتفاضة تشرين، حيث منيت هذه الجبهة بخسارة فادحة لم تكن في حسبانها على الإطلاق، الأمر الذي أثار غضبها وعدوانيتها التي ظهرت جلية من خلال تهديدات الأيام الماضية، وكان آخرها القرار النهائي للمحكمة الاتحادية التي صادقت في نهاية المطاف على الانتخابات ونالت القوى المناوئة الخسران المبين. بالطبع لا تدعونا كل هذه الأحداث إلى التفاؤل المفرط، أعني بخصوص القوى الصاعدة من تشرين، ذلك أن الأمر في بداياته الأولى. الانطباع الوحيد الذي يشعرنا بالارتياح بشكلٍ ما هو الانتصار النسبي للقوى التشرينية، الأمر الذي يجعل هذا العام والذي سيليه عامًا يقتسم جزءًا كبيرًا منه شباب تشرين. على ألّا ينسينا هذا المعوقات الأساسية التي تعاني منها العملية السياسية من جهة، والمجتمع العراقي من جهة أخرى.
والعائق الأكبر للشعب العراقي هو تبديد ثرواته بين الفاسدين، والعائق الأكبر لكثير من القوى السياسية هو الديمقراطية! لذا، وبعيدًا عن أي رهان، فسيكون على الحكومة الجديدة، وبعض القوى التشرينية المعارضة في البرلمان، خصوصًا إن كانت الأغلبية البرلمانية تؤمن بالديمقراطية فكرًا وسلوكًا، أن تقلل، على الأقل، من مخاطر هاتين العقبتين. ولا يمكن بالتأكيد، لدورة واحدة أن تجعل الأوضاع وردية. لكن على الأقل ثمّة ملفات حساسة بانتظارها، وأهمها ملفات الفساد، قبل أن تنفد ثروات العراق ونغدو أضحوكة للعالمين! على الأقل نستقبل عامنا الجديد بإجراءات عملية تطال رؤوس الفاسد الكبيرة واحترام الحريات، فالحلم حق!
الحدث الأبرز في سنة 2021 هو تصدع الجبهة المناوئة لانتفاضة تشرين
ولكي لا تطالنا عدوى إطلاق الأحكام المسبقة، يمكن أن نسمي هذه النظرة، بالعابرة لثنائية التفاؤل والتشاؤم. بمعنى أننا نحتاج في الأيام القادمة النظر إلى الواقع من جانبه السياسي بمعزل عن الحمولات النفسية الأخرى النابعة من التحزّب والمناكدة. والجانب السياسي يقتضي منا طبعًا معارضة شعبية متراصة الصفوف لا أفراد يتكالبون على المتاع الرخيص، ويجعلون عامنا الجديد عامًا مملوء بالمنغصّات. بشكل وبآخر لا يمكننا توقع الأسوأ أو الأفضل. وعلى الرغم من قاعدة البيانات التي تميل كفتها للشق الأول، لكن مع ذلك سننتظر هذا العام يلقي علينا مفاجأته بمعزل عن أي توقع، فالأيام حبلى بالمفاجآت.
اقرأ/ي أيضًا:
الواقع العراقي وشروطه المُعَقّدَة
تضامنات سياسية مٌزَيّفَة