الصدر يستخدم انتصاره الانتخابي لإزاحة أبرز حلفاء إيران في العراق
قد يبدو الصراع بين "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر وكتل تحالف "الإطار التنسيقي" التي أغلبها حليفة وموالية لإيران، في ملفات عدة، منها قضية التعامل مع الوجود الأميركي وسحب أسلحة الميليشيات وإعادة الاعتبار للقوات المسلحة العراقية ومكافحة الفساد، وشكل العلاقات الخارجية، خصوصاً مع إيران،
لكن هذه الملفات تخفي تحتها الصراع الحقيقي بين الجهتين، فهو صراع زعامات، بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وهو أساس عدم اتفاق الصدر مع قوى "الإطار التنسيقي" على المضي بتشكيل الحكومة وتوزيع المناصب كما يحصل بعد كل انتخابات في العراق.
صراع منذ مارس 2008
ويعود الرفض المتبادل بين الرجلين إلى مارس (آذار) 2008، حين شنّ المالكي حملة عسكرية كبيرة مدعومة من الجيش الأميركي، سميت "صولة الفرسان" ضد ميليشيات "جيش المهدي" التابعة للصدر في بغداد ومدن الجنوب، أسفرت عن مقتل العشرات واعتقال المئات منهم، وزجّهم في السجون.
وعدّ الصدر هذه العملية محاولة لسحق التيار الصدري، وإجباره على الرضوخ للقوى الشيعية الأخرى وغدراً من المالكي، كون التيار كان من أشد الداعمين له في تولي منصب رئيس الوزراء خلال فترة ولايته الأولى (2006 - 2010).
إيران أوقفت العداء مؤقتاً
وعلى الرغم من تصريحات الصدر العديدة الرافضة لتولي المالكي منصب رئيس الوزراء لولاية ثانية، وتأكيده ضرورة دعم أي بديل، فإنه تراجع عن موقفه في حينه، تحت الضغوط الإيرانية، وأعلن من داخل إيران التي كان يقيم فيها، موافقته على الولاية الثانية، بعد اجتماعه بالمالكي، بحضور مسؤولين إيرانيين، وعلى رأسهم قائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني، لكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً، فتصاعدت حدة الخلافات بين الطرفين إلى أن وصلت التصريحات المتبادلة، فهدّد أتباع الصدر بالانتقام من المالكي بعد تصريحاته في عام 2013 بأن الصدر لا يفقه شيئاً في السياسة وعلى الجميع عدم التعامل معه في هذا الشأن، وكان لهذا الأمر تأثير واضح على موقف الصدر فيما بعد، إذ نجح في إقناع القوى السياسية الشيعية بعدم التمديد للمالكي لولاية ثالثة، مستغلاً مخاوف هذه القوى والقوى الكردية والسنية منه، فضلاً عن دخول "داعش" إلى عدد من المدن العراقية، ما شكل عاملاً مساعداً في هذا الأمر.
إزاحة المالكي
ومنذ تشكيل حكومة حيدر العبادي في عام 2014، يحاول الصدر بشكل جاد العمل على إزاحة المالكي من المشهد السياسي، وجعله خارج لعبة التحالفات السياسية في العراق، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق لكون زعيم "ائتلاف دولة القانون" يمتلك نفوذاً واسعاً في مؤسسات الدولة العراقية، ويمكن القول إن "الدولة العميقة" تتبع له، ويتحرك من خلالها للبقاء في العملية السياسية.
وعلى الرغم من محاولات إيران خلال هذه الفترة إعادة الود بين الطرفين، بخاصة أن المالكي يُعد أحد أبرز حلفائها في العراق وورقة سياسية مهمة، فإن الصدر أفشل كل هذه المحاولات، وعمل على تذكير الجمهور بين الحين والآخر بأن المالكي هو سبب معاناة شيعة العراق ومشاكلهم، والإشارة إلى أنه أسهم في تعزيز النفوذ الإيراني الكبير في البلاد.
وتبدو فرصة الصدر لعزل المالكي سياسياً كبيرة، خصوصاً أنه يضغط بقوة على قيادات الإطار التنسقي للتحالف معه لتشكيل الحكومة شرط عدم إعطاء أي منصب تنفذي لرئيس الوزراء السابق مهما كانت درجته.
خلاف عميق
وقال مدير "مركز العراق للدراسات الاستراتيجية"، غازي فيصل، إن "الخلاف بين مقتدى الصدر ونوري المالكي منهجي وعميق الجذور. ويعتبر حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي من المؤمنين بالنهج الصدري، إلا أن الإيمان بالمنهج الصدري شيء، والعمل على الصعيد التطبيقي شيء آخر"، لافتاً إلى وجود اختلاف بالمنهج النظري والسياسي بين الصدر والمالكي.
الصدر عروبي
وتابع فيصل: "التيار الصدري تيار عراقي عربي، وهو لم يدخل العراق بعد عام 2003، كما فعل حزب الدعوة، وإنما نشأ في العراق، وله خصوصية في الداخل العراقي"، مشيراً إلى أن "الصدر نشأ في العراق وعاش في كنف المرجعية الشيعية في النجف".
الأغلبية الفقيرة
وأشار إلى أن "التيار الصدري يمثل الأغلبية الفقيرة، ونشأ بين الطبقات المسحوقة، وهو تيار الفقراء، وليس تيار الطبقة الأرستقراطية، فضلاً عن أن المالكي عندما كان رئيساً للوزراء خاض حرباً ضد جيش المهدي التابع للصدر باسم (صولة الفرسان) في بغداد والبصرة عام 2008"، لافتاً إلى أن "الصدر لم ينسَ أبداً العملية العسكرية التي شُنّت ضد أنصاره".
وأوضح غازي، أن "الصدر لا يطرح نفسه زعيماً للبيت الشيعي، بل زعيم تيار يشكل نسبة كبيرة من الشيعة، وهو التيار الأقوى جماهيرياً، بعكس الدعوة الذي هو حزب نخبوي"، مشيراً إلى أن "التيار الصدري، سواء في فترة حكومتي المالكي، وغيرهما، كان تياراً معارضاً ينزل إلى الشارع، ويرفض السياسة الحكومية، وهو في ذلك لا يروق لحزب الدعوة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الصدر والخليج العربي
وتابع المتحدث ذاته، أن "الصدر يعمل بذكاء، ونسج علاقات مع دول الخليج العربي وزعمائها، وموقفه ذكي وجريء بعكس الدعوة، ولا يعتبر إيران عدواً له، إلا أنه يرفض التبعية وهو يزور إيران ويبني معها علاقات جيدة، بعكس المالكي"، مستبعداً "اجتماع المتضادين الصدر والمالكي".
لن يكون هناك تقارب
بدوره، استبعد الباحث في الشؤون السياسية، إياد العنبر، تقارب الصدر والمالكي "لوجود خلافات كبيرة بينهما نتيجة تراكمات سابقة". وأضاف العنبر، أن "من بين هذه التراكمات ما هو مرتبط بأمور شخصية بين المالكي والصدر، حيث إن الأول يرفض الاعتراف بزعامة الثاني، بينما كان الصدر طرفاً مهماً في عدم وصول المالكي إلى ولاية ثالثة"، لافتاً إلى أن "هذه أسباب رئيسة نعتقد أنها أدت إلى نشوء فجوة الخلاف بين الرجلين".
الصراع بين الداخل والخارج
وذكر العنبر، أن "منهجية السيد محمد صادق الصدر قد تكون مختلفة عن منهجية السيد محمد باقر الصدر الذي أطّر العمل السياسي لحزب الدعوة"، مشيراً إلى أن "الخلاف يتعلق بكثير من القضايا السياسية والهيمنة على الزعامة السياسية الشيعية".
وأوضح العنبر، أن "الصدر يرى أن سياسيي الخارج، بمن فيهم أعضاء حزب الدعوة، كانوا خارج العراق، ولم يشكلوا طرفاً لإسقاط نظام صدام حسين، كما هو حال من كان في الداخل، بالتالي انعكست هذه الخلافات في التنافس السياسي".
وبشأن شكل علاقة كل من الصدر والمالكي بإيران، أفاد العنبر، "في البداية، ولدى ترشيح المالكي لمنصب رئاسة الوزراء، لم يكن مقرباً من إيران، وإنما يرتبط بعلاقات معها، وتطور هذا الوضع بحكم واقع العمل السياسي. في المقابل، لدى الصدر تواصل مع إيران، إلا أنه ليس متفقاً بالضرورة معها في كثير من القضايا".
وبشأن إمكانية التقارب بين المالكي والصدر، بيّن العنبر أنه "من الصعب أن يلتقيا إلا إذا كانت هناك وساطة قوية".