لماذا تمكن "داعش" من تنفيذ "هجوم العظيم"؟
عاد تنظيم "داعش" لتنفيذ هجمات نوعية تجذب الأنظار من جديد إلى قدراته على الاستمرار في العراق، على الرغم من إعلان السلطات وأجهزتها الأمنية تكراراً ومراراً عن عمليات عديدة ضد التنظيم في مناطق مختلفة من البلاد للحد من نشاطاته ومنعه من تنفيذ عمليات واسعة داخل المدن العراقية.
وتعد أطراف محافظة ديالي، والتي يمتد قسم كبير منها إلى سلسلة مرتفعات حمرين حالياً هي الأكثر نشاطاً للتنظيم في شن هجماته على قوى الأمن العراقية والمدنيين الرافضين وجود التنظيم في المناطق والقرى الواقعة بجانب هذه المرتفعات.
وتمثل سلسلة جبال وتلال حمرين الممتدة بين ثلاث محافظات عراقية شمال البلاد، وهي ديالي وصلاح الدين وكركوك، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات "داعش" على مناطق واسعة من هذه المحافظات، وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
عملية نوعية
ومثَّل هجوم التنظيم على سرية للجيش العراقي وقتله لـ11 منتسباً في منطقة العظيم بمحافظة ديالي وبوقت قصير، تحدياً جديداً للحكومة العراقية ورسالة خطيرة عن استعادة التنظيم المبادرة في تنفيذ عمليات كبرى ضد القوات العراقية، ما يعيد إلى الذاكرة هجماته التي كان ينفذها قبيل سيطرته على عدد من المدن في يونيو (حزيران) 2014.
تحميل الجنود المسؤولية
وقال محافظ ديالى مثنى التميمي، إن الهجوم تم على أفراد من الفرقة الأولى للجيش العراقي في منطقة العظيم، وهي المنطقة الفاصلة مع الحدود الفاصلة مع محافظة صلاح الدين، عازياً إلى إهمال المقاتلين لأن المقر محصن بالكامل، وتوجد كاميرات حرارية ونواظير ليلية، وأبراج مراقبة خرسانية.
وأضاف التميمي أن الإرهابيين استغلوا برودة الطقس وإهمالاً في الالتزام بتنفيذ الواجبات، ما جعلهم ينفذون جريمتهم، ومن ثم انسحبوا إلى صلاح الدين، مبيناً أن "المحافظة طالبت سابقاً، وتطالب حالياً بضرورة التصدي لتسلل الإرهابيين من محافظة صلاح الدين إلى ديالي، ووضع حد لمساحة 65 كيلومتراً من الحدود بين المحافظتين لمنع تسلل الإرهابيين، لأنه من دون ذلك ستستمر مثل خروقات كهذه".
وأكد أن "القوات الأمنية ستقوم بعمليات مضادة، والعمليات مستمرة ضد العصابات الإرهابية".
الكاظمي يتوعد بالثأر
في المقابل، عقد رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اجتماعاً طارئاً للقيادات الأمنية والعسكرية في مقر قيادة العمليات المشتركة ببغداد، لمناقشة الهجوم الذي نفذه تنظيم "داعش" في ناحية العظيم بمحافظة ديالي، وأدى إلى مقتل ضابط وعدد من الجنود.
وتوعد الكاظمي، بحسب بيان، بالثأر لدمائهم عبر عمليات عسكرية لملاحقة فلول "داعش" وإطاحة قياداته، مستشهداً بالعمليات العسكرية التي نفذتها القوات العراقية في وقت سابق بمنطقة التاجي، وقتلت فيها عدداً من قيادات "داعش".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد الكاظمي ضرورة محاسبة المقصرين مهما كانت مناصبهم ورتبهم بعد انتهاء التحقيقات في الهجوم.
تحذيرات ومطالبات بالرد
وشدد رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني في اتصال هاتفي مع الكاظمي على أهمية تعزيز التنسيق المشترك بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، ورفع وتيرة التأهب الأمني، لدحر خطط الجماعات الإرهابية، وزيادة عمليات ملاحقة فلول "داعش" وتدمير أوكارها، والقضاء على حواضنها كافة.
بدوره، شدد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على ضرورة الرد بشكل قوي والعمل استخباراتياً بشكل مبادر واستباقي بمستوى الخطر الذي يهدد أمن الوطن والمواطن. فيما وصفت بعثة الأمم المتحدة في العراق هجوم "داعش" في ديالي بتذكير مؤلم بأن "داعش" لا يزال يشكل تهديداً.
صور الضحايا تحتل الصدارة
وتفاعلت وسائل التواصل الاجتماعي مع الهجوم، ونشرت صوراً للجنود الذين قتلوا على يد "داعش"، فيما نشرت مقاطع فيديو وصور زفاف الضابط ضرغام الكرطي، وهو ملازم في الجيش لم يمضِ على زواجه شهر، مطالبين بالقصاص من عناصر "داعش"، ومحاسبة المسؤولين عن زج هؤلاء الجنود في مناطق نائية دون دعم.
محاسبة القيادات الأمنية
بدوره أبدى الخبير الأمني عدنان الكناني استغرابه من وجود 12 عنصراً أمنياً في سرية المفترض أن يكون عدد عناصرها 70، داعياً إلى محاسبة القيادات الأمنية.
وقال الكناني، إن "السرية تقع شمال محافظة ديالي وجنوب محافظة صلاح الدين، وهذه المنطقة تسمى النهايات السائبة وتصل مساحتها 65 كيلومتراً بين المحافظتين، وفي تلك المنطقة يضعف الوجود العسكري للقطاعات الماسكة للأرض".
الفضائيون مجدداً
وأضاف أنه من المفترض أن يوجد بالسرية إذا "ما احتسبنا المجازين نحو 70 عنصراً وفق القياسات العسكرية العراقية بدلاً من 12، حيث تم قتل 11 فيما كان عنصر في دورة المياه"، متسائلاً: "هل هناك مجازون بطريقة غير رسمية أو "فضائيون" (هو لقب يطلق على أشخاص مسجلين في دوائر رسمية حكومية، ويتلقون رواتب شهرية، من دون أن يظهروا أو يعملوا)؟".
وأشار الكناني إلى أن السرية إذا ما كانت قاومت لكانت استغرقت مقاومتها ما بين ثلاث وأربع ساعات، بيد أن العملية حدثت بنصف ساعة مما يشير إلى عدم وجود مقاومة، مبيناً أن العدو تمكن من السرية لوجود حارس واحد، وكان نائماً لم يؤدِ واجبه، وتم قتله والدخول داخل السرية.
عدم الاستهانة
وتابع الكناني أن هذا الأمر يوضح تقصيراً في الواجب وتقصيراً في القيادة العليا، ويجب أن يحاسب جميع المسؤولين عن القطعات العسكرية، وهو خلل كبير جداً، مشدداً على ضرورة عدم الاستهانة بـ"داعش" كونه تنظيماً متطرفاً، ويهدف إلى استباحة الدماء، ولديه هيكل تنظيمي وعناصر رصد وعناصر استخبارات واستطلاع ومقاتلون وممولون وداعمون، والأجهزة الأمنية والاستخباراتية تعلم بذلك.
ويرجح الكناني وجود أناس متعاونين مع التنظيم يزودونه بالمعلومات كون هذه العملية تمت دراستها دراسة مستفيضة من قبل "داعش" واستطلاع الموقع ورصد تحركات ما هو موجود بالسرية، وربما اخترقت السرية أو هناك متعاونون من الداخل زودوا التنظيم بمعلومات كاملة، لافتاً إلى أن التنظيم استفاد من برودة الجو وتوقيت الساعة الثالثة فجراً هو توقيت يكون فيه العسكري منهكاً، ويستسلم إلى النوم، أو يكون في سُبات نتيجة انخفاض درجات الحرارة مما يتسبب في ضعف بمراقبة المنطقة.
الاستعانة بقوات خاصة
وأكد الكناني وجود ضعف في إعداد الخطط والدراسات التي على ضوئها يتم تعزيز الدفاعات عما هو موجود على أرض الواقع، داعياً إلى ضرورة الاستعانة بقوات خاصة مدربة جيداً للمناطق الوعرة والتضاريس الجبلية أو الهضاب أو المناطق الزراعية والمستنقعات، وبذلك نحتاج إلى أسلوب قتال غير تقليدي مثل القوات الخاصة.
وأسفرت هجمات "داعش" خلال عام 2021 في أطراف مدن ديالي وكركوك وصلاح الدين والأنبار عن مقتل وإصابة المئات من عناصر الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والحشد وعدد من المدنيين.
مخاوف من هجمات جديدة
من جهة ثانية، يبدي الصحافي والمدون عن محافظة ديالي عبد الله جاسم مخاوفه من زيادة وتيرة هجمات التنظيم في المحافظة خلال الفترة المقبلة.
ويضيف أن يوم 19 من هذا الشهر شهد عملية عسكرية كبيرة للجيش العراقي والحشد الشعبي تضمنت تفتيش قرى ديالي في ناحية العظيم المحاذية لصلاح الدين ومن ضمنها المناطق التي تعرضت لهجوم، مبيناً أن التنظيم شن بعد أقل من 24 ساعة من انتهاء العملية، هجوماً على قطاعات الجيش العراقي، ما يشير إلى أن العمليات العسكرية التي تتم في تلك المناطق غير جدية وتفتقد الجهد الاستخباراتي".
ويتابع جاسم أن محافظة ديالي محاذية لصالح الدين، ولا توجد قطعات أمنية، وهي مرتبطة بسلسلة جبال حمرين، وهناك نهر الخالص، وتحتاج إلى جهد عسكري، موضحاً أن "داعش" يستخدم أسلوب المباغتة بعملياته ولا يتبع أسلوب الاصطدام المباشر مع قوات الجيش مما يدلل على افتقاده العناصر.
مخاوف من نزوح جديد
ويلفت أن هناك مخاوف، لا سيما في ناحية العظيم وأطرافها من تصاعد حدة عمليات "داعش" بالأشهر الماضية، وهناك عدد من العائلات نزحت من بعض القرى مثل قرى أبو بكر والصفرة، لأن "داعش" استهدف مدنيين في تلك القرى، موضحاً أن هناك مخاوف من الأهالي من زيادة الاستهدافات وزيادة العمليات العسكرية التي تضغط عليهم ولا تجلب نتيجة وقد نشهد عمليات نزوح جديدة من بعض المناطق.
الفساد عاد بقوة
وقال الصحافي والكاتب باسم الشرع إن عملية "داعش" الأخيرة في ديالي أظهرت حجم الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية من جميع النواحي، مبيناً أن تنظيم "داعش" الإرهابي يستغل الثغرات الكبيرة للأجهزة الأمنية.
وأضاف أن السرية العسكرية في العراق يترواح عددها بين 150 و200 جندي أو أكثر بقليل، لكن وجود 11 جندياً فقط في مقر السرية يبين حالات التسرب من الخدمة أو ما يسمى الفضائيين عراقياً، والذين يعطون قسماً كبيراً من رواتبهم للضباط مقابل عدم مجيئهم إلى وحداتهم العسكرية.
تحصينات بالية
وبين الشرع أن صور التحصينات للسرية التي تعرضت للهجوم، مخزية وتشير إلى هزالة الخطط الموضوعة في مكافحة "داعش"، فضلاً عن الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية، كما أن التحصينات ليس فيها أبراج عسكرية للمراقبة، بل مبنية من البلوك الخرساني المكشوف الذي بإمكان التنظيم اختراقه بسهولة.
الهجمات ستستمر
ورجح الشرع استمرار هجمات التنظيم في الفترة المقبلة بسبب عدم اتخاذ إجراءات جدية لتحسين واقع المؤسسة العسكرية وانتهاء جميع لجان التحقيق بالهجمات السابقة من دون نتيجة تذكر تصحح مسيرتها، لافتاً إلى أن عدم إصلاح المؤسسة العسكرية بوضعها الحالي على الرغم من التخيصيصات المالية الضخمة لها سنوياً، يعني توقع هدر مزيد من دماء العراقيين على يد تنظيم "داعش" الإرهابي.
ويتكون الجيش العراقي من 14 فرقة عسكرية وقيادات القوة الجوية والبحرية والبرية والدفاع الجوي ومديرية الاستخبارات العسكرية ودوائر أخرى، إذ يبلغ عدد منتسبيه 350 ألف بين جندي وضابط، تنتشر قطاعته في جميع المدن العراقية باستثناء مدن إقليم كردستان العراق.