العراق ينجز 250 مصنعا وتفاؤل بدور واسع للقطاع الخاص
تحاول الحكومة العراقية تحرير الاقتصاد المحلي من قيود القطاع العام وجعل القطاع الخاص يتوسع تدريجاً ليأخذ دوراً أوسع من قطاعات صناعية حكومية، لم تعد قادرة على المنافسة وإقناع المستهلك العراقي، فضلاً عن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها خلال السنوات الماضية.
وضمن هذا التوجه، أعلنت وزارة الصناعة العراقية عن إنجاز 250 مصنعاً مختلفة الأحجام خلال عام واحد، فضلاً عن خطوات لتشجيع القطاع الخاص ورجال الأعمال على إنشاء وتشييد مشاريع صناعية في مختلف المجالات عبر سلسلة حوافز.
إعفاءات جمركية
وقال مدير عام التنمية الصناعية، عزيز ناظم، لوكالة الأنباء العراقية إن "القانون رقم 20 لعام 1998، نص على تسهيلات جمركية وإعفاءات لمدة عشر سنوات للماكينات والمعدات والمواد الأولية وفق الإنتاج"، مبيناً، أن "الإعفاءات ستساعد على إنجاز المشاريع بقوة وصلابة من أجل تحقيق الاستقرار بالإنتاج".
وأوضح أن "المشاريع الصناعية سواء المتوسطة أم الكبيرة عندما تكون معفية من الرسوم الجمركية والضريبية ستحقق مزايا عدة، منها التشغيل المباشر وتقليل البطالة، إلى جانب تحقيق ضريبة إنتاج وضريبة دخل، وبذلك سيتحقق مورد للدولة من جهة، وتشغيل العاملين من جهة أخرى".
الصناعات الغذائية
وأضاف عزيز ناظم، أن "الإعفاءات تكون بحسب طبيعة المشروع الصناعي ومواد إنتاجه، فالمواد الأولية التي تدخل في صناعة المواد الغذائية أو الإنشائية تكون مشمولة بالإعفاءات"، مشيراً إلى أن "تغير سعر الصرف أصبح التوجه نحو الصناعات الغذائية وافتتاح مصانع عدة بهذا الشأن".
1853 مصنعاً
وأكد أن "خلال العام الماضي، تقرر تأسيس 1853 مصنعاً، أنجز منها 253 مصنعاً، وبنسبة تطور بالإنتاج بلغت نحو 25 في المئة". وتابع أن "قرارات عدة صدرت في ظل زيادة الأسعار في الأسواق العالمية، منها القرار 65 الذي نظم عملية إيصال المواد الأولية إلى المصانع، ما أدى إلى عدم تسريبها وبيعها في السوق، وكذلك القرار 73 الذي فسر الإعفاءات للمواد الإنشائية والأساسية، وآخرها كان الإعفاء التام للمواد".
ويسعى العراق إلى إعادة الحياة إلى قطاع الصناعات التحويلية التي تضررت كثيراً خلال فترة العقوبات الاقتصادية في تسعينيات القرن الماضي وبعد عام 2003، إثر توقف ما تبقى منها نتيجة سياسة الانفتاح الشامل التي تسببت لها بخسائر كبيرة أجبرتها على تسريح عمالها ومغادرة المشهد الاقتصادي لعدم قدرتها على المنافسة.
ويبدو أن وتيرة الاستهلاك الكبيرة التي يشهدها المجتمع العراقي وحاجته المتزايدة إلى صناعات غذائية تحويلية تكفي لسد احتياجاته وبكميات كبيرة، قد تسبب عجزه عن تلبية الاستيراد بشكل كامل، ما حفز وزارة الزراعة العراقية والمستثمرين على الدخول بقوة لتفعيل هذا القطاع من جديد.
وتركزت المساعي العراقية على دعم صناعات غذائية تعتمد على فائض المحاصيل العراقية لا سيما الخضراوات وفق خطة تعتمد توزيعها على محافظات ومدن زراعية تكون بعيدة من العاصمة ومن مراكز أبرز المدن العراقية، لإحياء النشاط الاقتصادي في هذه المناطق التي تعاني ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
الروتين المدمر
وقال رئيس اتحاد الصناعات العراقية السابق علي الساعدي إن "أهم معاناة تعانيها المصانع العراقية هي البيروقراطية في الجمارك لا سيما في قضية استيراد المواد الأولية المعفاة من الرسوم"، فيما أشار إلى أن "مساهمة القطاع الخاص تقدر باثنين في المئة فقط من الناتج المحلي".
تمديد الإعفاءات
وقال الساعدي إن "أصحاب المصانع في العراق يعانون البيروقراطية في استيراد المواد الأولية، مما جعل قوانين الإعفاءات فاقدة المحتوى، ولذلك نحتاج إلى متابعة في الجمارك"، داعياً إلى ضرورة تمديد الإعفاءات إلى أكثر من عشر سنوات، كون أن الكثير من المصانع، مدة إنشائها أكثر من هذا التاريخ". وأضاف أنه "من الضروري مراقبة الحدود للمواد المستوردة التي يوجد نظير لها في العراق"، معتبراً أن "إنشاء 253 مصنعاً العام الماضي، رقم جيد".
57 ألف مشروع صناعي
وأكد الساعدي وجود أكثر من 57 ألف مشروع صناعي في البلد، إلا أن الذي يعمل من بينها حالياً هو من عشرة إلى 15 في المئة فقط، لأن الذي ينشئ المصنع يصطدم بالبيروقراطية القاتلة وعدم منح أصحاب المصانع تسهيلات بالقروض.
2 في المئة
ولفت إلى أن "هناك قرارات لم تطبق على الرغم من تشريعها منذ سنوات مثل قانون تملك الأراضي التي تم إنشاؤها منذ عشر سنوات فإنه لم ينفذ، ومن تم تمليكها هي بضعة مصانع فقط"، مبيناً أن "مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي قبل عام 2003 كانت 14 في المئة واليوم تسهم بمقدار اثنين في المئة".
صناعات جيدة
وتابع الساعدي أن "كل هذه المعرقلات لم تمنع وجود صناعات جيدة مثل الصناعات الإنشائية وصناعة المواد الغذائية كصناعة الألبان"، مشيراً إلى "إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المنتجات لو تم الاهتمام بهذه الصناعات".
إنجاز مهم
بدوره، اعتبر الباحث الاقتصادي باسم جميل أنطوان أن "إنجاز ربع هذه المصانع يعد إنجازاً جيداً وسيعمل على تشغيل الكثير من الأيادي العاملة"، مشدداً على "دعم المصانع بنسبة 20 في المئة". وقال أنطوان إن "إنجاز بناء 253 مصنعاً هو رقم جيد جداً في ظل الظرف الحالي والبيئة العراقية غير الجاذبة للصناعة"، معتبراً أن "هذا العدد لو أنجز منه ربعه فهو يعد مكسباً كبيراً، لأنه سيتم تشغيل الكثير من العمال ويسد حاجة السوق ويحد من الاستيراد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مدن صناعية
ودعا الباحث الاقتصادي إلى إنشاء مدن صناعية متكاملة وفق دراسة من قبل وزارة الصناعة للمعوقات التي يعانيها أصحاب المصانع، مشدداً على ضرورة أن يتم تقسيم المناطق الصناعية كمدن صناعية ملوثة وأخرى غير ملوثة.
الغذائية والإنشائية
وعن المصانع التي يقبل عليها المستثمرون، قال أنطوان إن "المصانع الغذائية هي سيدة المشاريع وكذلك الصناعات الإنشائية مثل صناعة الأسمنت، التي حققنا الاكتفاء الذاتي منها لا سيما في ظل البناء والإعمار في البلد الذي يسير على قدم وساق".
وكان العراق يستورد حتى عام 2015 نحو 12 مليون طن سنوياً من الأسمنت بحسب إحصاءات وزارة الصناعة العراقية، وشركة الأسمنت العراقية الحكومية، قبل أن يتم منع استيراده وتوفير مبالغ صعبة كبيرة، ويحل الأسمنت المحلي الذي تتوزع معامله من إقليم كردستان وحتى البصرة بدلاً منه في السوق العراقية".
واستطاع العراق بفعل هذه الخطوات خلال عام 2018 تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الأسمنت لأول مرة منذ عام 2003 وبإنتاج بلغ أكثر من 18 مليون طن من مصانع حكومية وأهلية، ليمثل مقدمة مهمة للارتفاع بالإنتاج إلى مستويات قياسية لم تشهدها البلاد منذ تأسيس هذه الصناعة في البلاد في أربعينيات القرن الماضي.
ولفت أنطوان إلى أن "الصناعة العراقية كانت تنافس سابقاً المستورد إلا أن إغراق السلع الأجنبية وتطور المصانع العالمية أدى إلى تراجع الصناعة المحلية"، داعياً إلى "إيجاد دعم حكومي من ناحية القروض الميسرة لتحديث المصانع".
دعم الصناعة
وأشار المتحدث ذاته إلى وجود قوانين بحاجة إلى تفعيل، منها قانون التعرفة الجمركية التي تشجع على حماية الإنتاج الوطني وقانون منع الإغراق"، مؤكداً أن "دول الجوار تدعم صناعتها بنسبة تصل إلى 20 في المئة ولا يمكن منافسة تلك الصناعة من دون دعم حكومي".