لماذا تخلى الصدر عن عمامته خلال لقائه قاآني؟ .. الكشف عن كواليس اللقاء في 30 دقيقة
بغداد اليوم - متابعة
مع كشف كواليس اللقاء بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقائد “فيلق القدس” الإيراني اسماعيل قاآني تبرز بعض التفاصيل الرمزية التي اوصلها الصدر بضمنها الملابس والزي العربي وطرح موضوع انهاء التدخل الايراني امام قاآني في سابقة لم تسبق لها مثيل.
وكشفت وكالة “رويترز” في تقرير لها، تفاصيل مثيرة عن اللقاء الذي استمر لمدة نصف ساعة فقط، إذ وحسب 4 مسؤولين عراقيين وإيرانيين مطلعين على تفاصيل المقابلة، استقبل مقتدى الصدر، القيادي في “الحرس الثوري” الإيراني، بجفاء واضح.
كان يضع الصدر على كتفيه كوفية الجنوب العراقي بلونيها الأبيض والأسود، ويضع عباءة بنيّة، في هيئة محلية متعمدة تتناقض مع الثياب السوداء بالكامل، والعمامة الشيعية التي يعتمرها عادة في المناسبات العامة.
الصدر يتحدى
ملبس الصدر، ينقل رسالة سياسية قومية خلاصتها: “العراق دولة عربية ذات سيادة، سيشق طريقه بنفسه، دون تدخلات من جارته الفارسية، على الرغم من الروابط الطائفية بين البلدين”، بحسب المسؤولين الذين تحدثوا للوكالة البريطانية.
تحدى الصدر القائد الإيراني بحسب أحد المسؤولين وقال: “ما علاقة السياسة العراقية بكم؟ لا نريدكم أن تتدخلوا”، وكان يغمره شعور بالثقة بعد سلسلة من المكاسب السياسية حققها تحالفه “إنقاذ وطن” آنذاك أمام إيران و”الإطار التنسيقي” الموالي لطهران.
وفق “رويترز”، انتظر قاآني لحظة اللقاء بالصدر لعدة أشهر، وكان مسؤول الملف الإيراني في العراق متوجسا، بحسب المطلعين على تفاصيل الزيارة، وظل يسعى إلى اللقاء لأشهر، ودأب على زيارة العراق، وفي مرة صلّى علانية عند قبر والد الصدر، محمد صادق الصدر.
ونقل المسؤولون الإيرانيون عن قاآني قوله، إنه إذا ضم مقتدى الصدر “الإطار التنسيقي”، حلفاء طهران إلى أي ائتلاف، فستعتبر إيران الصدر الشخصية السياسية الشيعية الرئيسية في العراق.
ظل الصدر ثابتا، وشدد في تغريدة عقب اللقاء على التزامه بحكومة خالية من التدخل الأجنبي، وقال في رسالة خطية نُقلت بالمسح الضوئي على تويتر: “لا شرقية ولا غربية.. حكومة أغلبية وطنية”.
ما كان من جهود مقتدى الصدر للتصدي لمناورات إيران ودحرها إلا أن دفعتها ووكلاءها إلى شن هجوم مضاد سياسيا وعسكريا، بما في ذلك توجيه ضربات صاروخية إلى حلفاء الصدر الكرد في أربيل، وأبو ظبي التي يواليها السنة من المتحالفين مع الصدر.
خيبة أمل
بعد ذلك، بلغت خيبة الأمل من مقتدى الصدر مبلغها بسبب جمود الوضع السياسي، والضغط الإيراني حتى أنه أمر في حزيران/ يونيو نواب تياره في البرلمان البالغ عددهم 73 نائبا، أي ما يقرب من ربع أعضاء البرلمان، بالاستقالة والانسحاب من المجلس.
وفي تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، قام الآلاف من أنصاره باعتصام طويل ومفتوح إلى الآن أمام مجلس النواب العراقي، وتثير حمية الصدر قلق الكثيرين ممن يخشون أن يؤجج التوتر الحالي مزيدا من القلاقل، وربما مزيدا من العنف داخل العراق وفي أنحاء الشرق الأوسط.
عدد من مستشاري الصدر، قالوا لـ “رويترز” بعد 3 أيام من اللقاء الذي شابه التوتر مع قاآني، إن زعيم “التيار الصدري” استدعى مساعديه لمنزله، وأضافوا أنه كان محبطا بشكل واضح بسبب تصاعد التوتر، بل إنه عاد للتدخين، وهي عادة قديمة كان قد أقلع عنها ولم يمارسها قط في الأماكن العامة.
كما قال أحد المستشارين، الذي تطابقت روايته حول الاجتماع مع روايتي 2 آخرين من كبار “التيار الصدري” على دراية بالاجتماع: “لقد أخبر سماحة السيد الحضور بالتالي: خصومنا الآن ليس فقط من يعارض حكومة أغلبية وطنية، بل خصمنا أيضا الآن هو الدولة الجارة الشرقية، لذلك توقعوا الكثير من المصاعب والعقبات في الأيام القادمة، وعلينا جميعا أن نتوكل على الله لمواجهة الضغوطات الهائلة المسلطة علينا الآن وفي الأيام القادمة”.
هذا واشتدّت الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.
الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.
جمود سياسي
بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “إنقاذ وطن“.
أصر “إنقاذ وطن”، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.
الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.
سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.
بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.
ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.