هل يكون العراق جزءا من صفقة "الاتفاق النووي" بين واشنطن وطهران؟
مع تسارع الأحداث على الساحة العراقية خلال الفترة الماضية لا يزال السؤال حول دور الولايات المتحدة الأميركية بخصوص الأزمة العراقية قائماً، خصوصاً بعد تصاعد حدة الصراع بين "التيار الصدري" من جهة والجماعات الموالية لإيران من جهة أخرى.
وتبدو الإجابة عن هذا السؤال خاضعة لعوامل عدة أبرزها التفاوت بين تعامل واشنطن مع الملف الإيراني في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والفترة الحالية بقيادة جو بايدن.
ولعل أبرز الفروق بين الحقبتين هي أن الإدارة السابقة كانت تعتمد سياسية "أقصى الضغوط" في التعامل مع طهران وأذرعها في المنطقة، وهو الأمر الذي لا تنتهجه سياسية بايدن وتبحث، بحسب مراقبين، عن آليات جديدة لـ"احتواء طهران" وإعادة تفعيل الملف النووي مرة أخرى.
يرى مراقبون أن محاولات احتواء طهران وحلفائها في المنطقة ربما يمثل المسار الرئيس لإمكانية إعادة تفعيل التوافق الإيراني - الأميركي في شأن العراق، وهو ما يعطي الأحزاب العراقية الموالية لإيران مساحة ارتياح جديدة لإعادة ترميم أوضاعها في الداخل العراقي.
ولم تنتهج الإدارة الأميركية طوال الفترة الممتدة من إعلان نتائج الانتخابات وحتى الآن وما رافقها من أزمات أي تصعيد إزاء أذرع إيران، إذ ركزت تصريحات المسؤولين الأميركيين على ضرورة جلوس كل الأطراف السياسية على طاولة حوار لحل الأزمة والتعجيل بتشكيل الحكومة المقبلة.
موقف متناغم مع طهران
في خضم ما جرى من أحداث في بغداد نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي والصراع المسلح بين "التيار الصدري" والميليشيات الموالية لإيران، يرى مراقبون أن تناغم موقف وزارة الخارجية الأميركية بشكل كبير مع الموقف الإيراني ربما يشي بنوع من التسويات المحتملة على مستوى العراق.
وقالت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف إن "الصراع السياسي الأخير بين النخب السياسية لا يحل إلا على طاولة المفاوضات والحوار".
وأشارت في تصريح صحافي إلى أن "اشتباكات المنطقة الخضراء جعلت العراق على حافة الهاوية وربما تقود لحرب أهلية".
ولعل ما يعزز الاعتقاد أن صانعي القرار في واشنطن ربما يحاولون دفع جميع الأطراف بما فيهم الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران للدخول في حال توافق مرة أخرى هو دعم الحوار الذي يرعاه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بين "الإطار التنسيقي" من جهة و"التيار الصدري" من جهة أخرى، إذ لفتت ليف إلى أنه يمثل "المسار الصحيح للمضي قدماً بحل الأزمة، ولا نتوقع حلحلة الأمور بجلسة واثنتين".
وشهدت جلسة الحوار التي أطلقها الكاظمي حضور أطراف "الإطار التنسيقي" الموالي لطهران وغياب "التيار الصدري" للمرة الثانية.
واشنطن خارج "المؤامرة"
ربما يثير إصرار إدارة بايدن على إعادة تفعيل الاتفاق النووي مع طهران إمكانية أن يكون أي اتفاق جديد بشروط مخففة على إيران يمثل منفذاً تستغله الأطراف الولائية في العراق لإعادة ترتيب سيناريو التوافق الأميركي - الإيراني في شأن الحكومة المقبلة.
في 22 أبريل (نيسان) الماضي وقبل تصاعد الأحداث في البلاد بأشهر كانت نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون العراق وإيران جينيفر غافيتو حثت السياسيين العراقيين على الإسراع بتشكيل الحكومة معللة ذلك بضرورة "تجنيب البلاد الفوضى".
ويدفع الحديث الأميركي عن ضرورة الحوار واستعجال تشكيل الحكومة عديداً من الباحثين إلى القول إنه يتضمن دفعاً لـ"التوافق بين المختلفين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالتزامن مع ذلك يبدو أن ثمة حراكاً سياسياً داخلياً يطمح إلى إعادة تفعيل هذا السيناريو إذ لم تتوقف أطراف الميليشيات والأذرع السياسية الموالية لإيران عن مغازلة واشنطن وتخفيض مستوى التصعيد بشكل عام ضد المصالح الأميركية في البلاد خلال الأشهر الماضية.
وتعطي تصريحات عدة لرئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي منذ وصول بايدن إلى السلطة انطباعاً عن مسار مغازلة الأطراف "الولائية" للإدارة الجديدة في واشنطن، إضافة إلى علامات الارتياح التي تبديها طهران بخصوص إمكانية إعادة تفعيل الاتفاق النووي مرة أخرى.
وكان المالكي قد استثنى في 28 أبريل (نيسان) الماضي واشنطن مما سماه "المؤامرة التي يقودها التحالف الثلاثي على المكون الأكبر"، وفي حين أشار إلى أنها "غير راضية" عن هذا المشروع أوضح أن إدارة بايدن "متخوفة من فشل المشروع وارتداده بعواقب وأضرار".
سياسة "تخدير الأزمات"
في السياق يقول رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة "غالوب الدولية" منقذ داغر إن الموقف الأميركي إزاء العراق "لم يصل إلى مرحلة من الثبات منذ الاحتلال وحتى الآن"، معللاً ذلك بـ"المتغيرات في الإدارات المتعاقبة بخصوص السياسية الخارجية تجاه العراق".
ويؤكد داغر في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن السياسية الخارجية الأميركية إزاء العراق لا تزال محكومة بسياسة "تخدير الأزمات"، مبيناً أن حساسية الموقف مع إيران في الفترة الحالية التي تشهد محاولات عقد صفقة نووية يجعل واشنطن "مقيدة بخصوص الشأن العراقي وملف أذرع طهران فيه".
ويصف داغر التحركات السياسية الأميركية في العراق خلال الفترة الحالية بأنها "تشبه السير في حقل ألغام" ففي الوقت الذي تحاول واشنطن "المحافظة على التوازن مع إيران لا تريد أيضاً إفساح المجال للميليشيات للاستحواذ على العراق".
ويختم بأن ثمة فقدان ثقة داخل واشنطن بـ"التيار الصدري"، وهو ما يجعل صانعي القرار في البيت الأبيض في موضع "إدارة التناقضات خوفاً من تفجر الأوضاع بطريقة قد تخلق أزمة تعرقل مشاريعهم بخصوص الشرق الأوسط".
محاولات "احتواء طهران"
يرى مراقبون أن ما يدفع الأطراف الموالية لإيران للاعتقاد بإمكانية إعادة تفعيل سيناريو (واشنطن - طهران) في العراق هو تشابه الأجواء السياسية الأميركية الحالية إلى حد ما مع أجواء تشكيل الحكومات العراقية في فترة حكم الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، التي شهدت تفعيل هذا السيناريو التوافقي.
يتحدث رئيس "المركز العراقي الأسترالي" للدراسات أحمد الياسري عن تحول استراتيجي في السياسة الأميركية بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، إذ يشير إلى أن صانعي القرار في واشنطن أعادوا ملف الأذرع الإيرانية في المنطقة إلى كونه "جزءاً من التفاهمات مع طهران".
ولعل هذا التحول يندرج ضمن "سياسية احتواء طهران" التي ترغب الإدارة الجديدة في انتهاجها بدلاً من سياسة "أقصى الضغوط" التي مارستها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، بحسب الياسري الذي يضيف لـ"اندبندنت عربية"، أن ما يؤكد المتغيرات في السياسة الخارجية الأميركية هو "الموقف المتشابه للخارجيتين الأميركية والإيرانية إزاء أحداث العراق الأخيرة"، مبيناً أن تلك السياسة تتزامن مع "تراجع واضح من الأذرع الإيرانية بخصوص التصعيد إزاء واشنطن واستهداف مصالحها في البلاد".
ربما يمكن توصيف حقبة بايدن بأنها تشبه فترة حكم أوباما، خصوصاً في ما يتعلق بملفات الشرق الأوسط، كما يعبر الياسري، متابعاً أن "هذا التشابه هو الذي دفع إدارة بايدن إلى ترك ملف الأذرع الإيرانية للتفاعلات المحلية والإقليمية مع محاولات نسبية لعدم السماح بتمكينها بشكل أكبر".
ويعزو الياسري اتخاذ واشنطن موقفاً حيادياً إزاء الصراع بين "التيار الصدري" وأذرع طهرات إلى "المخاوف من تحول المنطقة الجنوبية في البلاد إلى مساحة نزاع مفتوحة"، مبيناً أن هذا الأمر أسهم إلى حد ما في "توحيد وجهات النظر بين واشنطن وطهران في التعامل مع الأزمة الأخيرة".
إضافة إلى المخاوف من انزلاق الأوضاع، يرى الياسري أن الإدارة الديمقراطية في واشنطن "ترغب في تشكيل ضغوط على النفوذ الإيراني للحصول على مكاسب في مفاوضات البرنامج النووي وليس فتح جبهة مباشرة مع أدواتها في المنطقة".
ويختم بأن سياسية بايدن هذه أتاحت المجال لأذرع طهران في "إمكانية إعادة تفعيل سيناريو التوافق مرة أخرى، خصوصاً مع فشل مساعي الصدر في تشكيل حكومة أغلبية سياسية".
حفاظاً على "الاستقرار الهش"
ساد اعتقاد خلال الفترة التي سبقت استقالة نواب "الكتلة الصدرية" بإمكانية كسر معادلة التوافق تلك من خلال استمرار تماسك "التحالف الثلاثي" وفرضه حكومة أغلبية سياسية، لكن الأجواء الحالية تعطي انطباعاً بأن العودة إلى التوافق باتت ممكنة جداً.
يعتقد رئيس "مركز كلواذا للدراسات" باسل حسين، أن المواقف الأميركية خلال السنوات الأخيرة تبدو متأثرة بشكل مباشر باستمرار الأزمات في العراق منذ نحو عقدين، الأمر الذي أصاب واشنطن بـ"الإنهاك من هذا الملف".
ويضيف حسين لـ"اندبندنت عربية"، أن انشغال إدارة بايدن بملفات عدة بينها الملف النووي الإيراني وانعكاسات الأزمة الأوكرانية وغيرها دفعت الملف العراقي "خارج أولويات صانعي القرار في واشنطن".
وينصب الاهتمام الأميركي بالملف العراقي على نقطتين، بحسب حسين، تتمثلان بـ"الحفاظ على الاستقرار الهش الذي يضمن عدم حصول تغييرات حادة في النظام السياسي الذي أسهمت في إنشائه، ومنع تصاعد الخلاف إلى الاقتتال الداخلي حفاظاً على الاستقرار".
وتمثل الساحة العراقية "المنصة المثلي بالنسبة إلى واشنطن وطهران"، كما يعبر حسين، لافتاً إلى أنها لا تزال ساحة "إرسال الرسائل المتبادلة بين الطرفين خلال فترات التصعيد أو التسوية".
تبدو المخاوف في الفترة الحالية تتمحور حول إمكانية أن يكون العراق جزءاً من صفقات التسوية الأميركية - الإيرانية في سياق محاولات التوصل لاتفاق نووي جديد، إذ يشير حسين إلى أن "صفقة كهذه ستسهم في زيادة تضخيم أدوار أذرع إيران في العراق".
نصف استدارة
يرى رئيس "مركز التفكير السياسي" إحسان الشمري أن زيارة مساعدة وزير الخارجية للبلاد على أثر الأحداث الأخيرة تمثل "نصف استدارة" نحو الملف العراقي مرة أخرى، خصوصاً مع المخاوف الكبيرة من قبل إدارة بايدن من "تفجر الأوضاع الأمنية واحتمالات تصاعد التمدد الإيراني بشكل أكبر في توجيه بوصلة بغداد السياسية".
ويعتقد الشمري أن النسق العام للسياسة الأميركية في العراق حالياً يتمثل في "محاولات ضبط إيقاع الخلافات داخل النظام السياسي العراقي بالشكل الذي لا يحقق انتصاراً كاملاً لإيران، وفي الوقت ذاته لا يعطي الأطراف المختلفة تصوراً بأن واشنطن قد غادرت الملف العراقي بشكل كامل".
لعل ما يثير التساؤلات في شأن دور المجتمع الدولي في الأزمات العراقية المتتابعة، بحسب الشمري، هو "تعويل المجتمع العراقي بشكل عام على القوى الدولية"، مبيناً أن الدوافع لترقب العراقيين تدخلاً دولياً يرتبط بـ"فشل الوسائل الداخلية من حسم الإشكالات، خصوصاً مع مجابهة كل الحركات الاحتجاجية بعنف كبير".
ويتابع الشمري أن ترقب العراقيين لتدخل دولي خرج من مساحة انتظار "قوة عسكرية" ليدخل في محاولات دفع المجتمع الدولي إلى "تسليط ضغوط على النظام السياسي وإصدار قرارات من قبل مجلس الأمن لإرغام النظام على القيام بإصلاحات".
ويستبعد الشمري أن تكون غاية الحراك السياسي لإدارة بايدن في العراق مرتبطة بـ"إرسال رسائل طمأنة لطهران"، مردفاً أن "العراق لا يعد الورقة الأبرز لفرض شروط على إيران".