بالغناء والرسم يهرب شباب الشرق الأوسط من اضطرابات بلدانهم
في لبنان يجسد الطالب علي مرعي امتعاضه من أداء السلطة عبر لوحات يرسمها، بينما تهرب المدرسة جواهر الأقرع من دوامة الحرب في غزة عبر الغناء، على غرار العديد من الشباب العرب الذين يواجهون بالفن أزمات منطقتهم.
وفي سلسلة مقابلات أجرتها مع فنانين في لبنان وسوريا والأردن وقطاع غزة وإسرائيل والعراق، ترصد وكالة الصحافة الفرنسية تطلعات الشباب وشجونهم.
شباب لبنان
ويتابع الطالب اللبناني علي مرعي دراسته للسنة الأخيرة في اختصاص الفنون الجميلة، بينما تغرق بلاده في انهيار اقتصادي غير مسبوق منذ قرابة ثلاثة أعوام، قلب حياة اللبنانيين رأساً على عقب بعد تدهور سعر الليرة وارتفاع نسبة البطالة والفقر وعجز المرافق العامة عن تأمين أبسط الخدمات من مياه وكهرباء.
ويقول مرعي (21 عاماً) "باتت الحياة بالنسبة إلى الشاب اللبناني صعبة للغاية، فالجزء الأكبر من الشباب بات يفكر في السفر".
لكنه بخلاف كثر لا يعتزم السفر على رغم مشقة العيش، ويقول "إذا كنا عاجزين عن الخروج في ثورة حقيقية ذات قيمة فعلينا أن نجد بديلاً".
وبالفن يعبر مرعي عن غضبه "في بلد يفترض أن نعيش حياتنا فيه، لكن عوضاً عن ذلك نبحث عن أدنى أساسات الحياة"، مضيفاً "أنت تفرغ الغضب الموجود في داخلك في اللوحة".
شباب سوريا
في الاستوديو الصغير الخاص بها على أطراف دمشق، وجدت دانا سلامة ملجأ بعيداً من تحديات الحياة اليومية في بلد مزقه أكثر من عقد من الحرب وأزمة اقتصادية خانقة.
وتقول سلامة (23 عاماً) "ربما أنا هاربة وربما أحاول الابتعاد، إذ لا أستطيع رؤية الأمور القبيحة". وتتابع، "أن تعيش في مكان صعب إلى هذه الدرجة هو إنجاز في حد ذاته".
وفي كل يوم تتحدى سلامة الظروف الضاغطة والتحديات المادية والمعنوية، وتوزع وقتها بين عملها الخاص وبين تعليم الرسم للصغار محاولة قدر الإمكان الاستمتاع بالعمل الإبداعي الذي تقوم به والاحتفاظ بالإيجابية.
وتروي، "بعد تخرجي كنت أظن أنني سأبحث عن مكان ما أسافر إليه، إلا أنني شعرت أن ثمة أموراً جميلة كثيرة أود القيام بها هنا"، وتضيف بحماسة "يجب أن أظهر للناس أننا كفنانين قادرون على تقديم الفن في هذا المكان".
شباب الأردن
تتصدر فنانة الشارع الأردنية دلال متولي (24 عاماً) واجهة المشهد الفني في عمان الذي يسهم في تغيير ملامح المدينة، وتؤكد بينما يغطي الطلاء ثيابها بعد يوم طويل من تعليم الأطفال رسم الجداريات، "ثمة مسؤولية ملقاة على عاتقي".
وفي المناطق الأكثر حرماناً تعمل الشابة على تحويل الجدران إلى لوحات مضيئة تعبر من خلالها عن قضايا اجتماعية وتسعى إلى تعزيز الروابط المشتركة، قائلة "عليّ أن أرد الجميل للمكان الذي أتيت منه"، ومضيفة "حتى لو لم يعطني هذا المكان بما فيه الكفاية، عليّ أن أوفر تلك الأمور لتكون متاحة لمن سيأتي بعدي".
شباب غزة
في مدرسة صغيرة لتعليم الموسيقى في قطاع غزة تغني مدرسة اللغة الإنجليزية جواهر الأقرع (25 عاماً)، بينما يرافقها آخرون عزفاً على الغيتار والكمان أو العود، وتقول "مجتمعنا محافظ وقبل أن تخرج الفتاة من كنف العائلة يقال لها من المعيب أن تخرجي أمام مجموعة من الناس وتعزفي أو تغني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الغناء هو وسيلة الهرب الوحيدة المتاحة في قطاع غزة الساحلي الذي تسيطر عليه حركة "حماس" وتحاصره إسرائيل، وقد شهد منذ عام 2008 أربع جولات حروب.
وتسأل الأقرع، "كيف أهرب من الحرب؟ كنت أغني وأبحث عن أي طريق أسيطر من خلاله على نفسي، فوجدت في الموسيقى والغناء ملجأ وطريقاً من طرق الهرب".
وعلى رغم الوضع السياسي والمعيشي المعقد لا تتوانى الأقرع عن البحث عن مصادر قوة للاستمرار وتقول، "لا أركز على واقع أن أوضاع غزة هي سبب الفشل، كلا فيمكن لغزة أن تكون مصدر قوة ويمكنني أن أستغل تلك الصعوبات لأصبح أقوى على الصعيد الشخصي".
شباب إسرائيل
في مقهى في وسط مدينة القدس تستخدم الفنانة الإسرائيلية شافيت فيتال (22 عاماً) الجهاز اللوحي لوضع تصاميمها،
وترى الشابة التي خدمت في الجيش الإسرائيلي خلال الحرب التي استمرت 11 يوماً على قطاع غزة خلال العام الماضي، أن الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني "هو ما يحدد صورة إسرائيل إلى حد كبير".
وترغب الشابة في أن تصبح رسامة وشوم على رغم أن عائلتها "متدينة ولا تقبل ذلك"، ومع ارتفاع كلفة المعيشة ونسبة تفاوت المداخيل، يحيط الغموض بالمستقبل الذي ينتظرها، لكنها تقول "لا أتطلع إلى أن أصبح ثرية أو أي شيء من هذا القبيل، لكن في غضون خمس سنوات لا أريد أن أكتفي بتأمين حاجتي اليومية".
شباب العراق
تعزف قمر العاني على السنطور العراقي التقليدي محاولة أن تنأى بنفسها قدر الإمكان عن التوترات السياسية التي تلف بغداد وأشعلت مواجهات مسلحة نهاية أغسطس (آب) الماضي، موضحة "الوضع غير مستقر ونعيش دائماً في حال خوف من الآتي".
ويشهد العراق شللاً سياسياً تاماً منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وعلى رغم أنه يعد من بين أغنى دول العالم في موارده النفطية، لكنه غارق في أزمات اقتصادية واجتماعية، وتقول العاني "أحاول دائماً الابتعاد من الرؤية السلبية على أمل أن نسير نحو الأفضل، وأشعر أننا اليوم أفضل مما كنا عليه قبل 10 سنوات".