طاولة حوار دولية في محاولة لحل الأزمة العراقية المتفاقمة
يبدو أن بعثة الأمم المتحدة في العراق والجهات الدولية الداعمة لها حسمت أمرها حول شكل الحكومة المقبلة، وضرورة أن تتضمن مشاركة الجميع بعد حوار شامل لحل الأزمات التي تمر بها البلاد.
وبعد مرور عام على تنظيم الانتخابات البرلمانية الباكرة وما تلاها من أزمة سياسية خانقة أدت إلى جمود سياسي وتصاعد حدة التوتر بين الأطراف الشيعية وصل حد النزاع المسلح، فإن البعثة الدولية وجهت إنذاراً غير مباشر إلى جميع الكتل السياسية العراقية مفاده أن الوقت ليس في مصلحتها، وأن البلاد لا تتحمل مزيداً من التأزيم والمشكلات.
وأضافت في بيان أن "الوقت حان كي تتحمل الطبقة السياسية المسؤولية ومطابقة الأقوال والانخراط في حوار من دون شروط مسبقة، فضلاً عن الاتفاق بشكل جماعي على النتائج الرئيسة من خلال تقديم تنازلات تعيد تأكيد هدفهم المعلن المتمثل في تلبية حاجات الشعب العراقي وتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة وفاعلة".
وأكدت أن "إقرار موازنة 2023 قبل نهاية العام بات أمراً ملحاً"، منوهة أن "جهوداً دؤوبة بذلت خلال الأسابيع والأشهر الماضية لجميع الجهات الفاعلة للشروع في طريق نحو الاستقرار السياسي ولكن من دون جدوى".
من جانبه، عد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الانتخابات في ذكرى مرور عام عليها، "إنجاز أهم بند في برنامجه الحكومي" ودعا في بيان "الأحزاب والقوى السياسية جميعها مرة أخرى إلى الاحتكام لمنطق الحوار العاقل الهادئ والبناء لحل الأزمة السياسية، والدفع بحلول وطنية شاملة تعزز الديمقراطية الفتية وتدعم ركائز الاستقرار والازدهار".
جلسة اختيار الرئيس
وجاءت دعوات البعثة الدولية والكاظمي إلى إجراء حوار جاد بالتزامن مع مضي الإطار التنسيقي في تحديد جلسة لاختيار رئيس الجمهورية، بهدف تكليف مرشحه لمنصب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وتتخوف الجهات الدولية والحكومة العراقية من ردود فعل واسعة من قبل أنصار التيار الصدري التي قد تعيد مشهد اشتباكات المنطقة الخضراء في حال إصرار الإطار التنسيقي على تشكيل الحكومة بمعزل عن الصدر.
وعلى رغم ترحيب الإطار التنسيقي ببيان البعثة الدولية، لكنه يعمل مع حلفائه في البرلمان على تحديد نهاية الأسبوع الحالي موعداً لانتخاب رئيس الجمهورية وتمرير حكومته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غياب الرؤية والبرنامج
يقول مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل إنه "من المستبعد أن تقود جولة الحوار الثالثة إلى توافقات بين أطراف الحوار، خصوصاً أن التيار الصدري متوقع له عدم المشاركة في هذه الجولة قبل تلبية مطالبه وشروطه المتمثلة في حل الميليشيات ونزع السلاح وحل البرلمان وإجراء انتخابات باكرة، والتي يعتبرها التيار الصدري قضايا أساس". وأضاف أن "الأحزاب التي شاركت في الجولة الأولى والثانية من المفاوضات لم تطرح برنامجاً أو استراتيجية للمناقشة أثناء الحوار، فضلاً عن عدم وضع حلول للقضايا الأمنية والسياسية والعلاقة بدول الجوار، وكذلك القصف الإيراني على أربيل ودهوك والسليمانية ومناطق كردستان وغيرها من أعمال القصف"، مبيناً أن هناك صمتاً من قبل أطراف الإطار التنسيقي تجاه هذه القضايا، كما أن هناك إهمالاً للإرادة الشعبية مثل ’حركة تشرين‘ التي لها مطالبات وطنية تتعلق بالبطالة والفقر والمدن العشوائية والتخلف والصناعة والزراعة التي أهملت والبنى التحتية" .
مفاتيح الأمم المتحدة
وعن دعوة الأمم المتحدة إلى الحوار أوضح فيصل أنها قد تحرز تقارباً بين الأطراف السياسية المختلفة التي تعيش تناقضات وعجزاً عن تشكيل الحكومة منذ عام، مشيراً إلى أن "الأمم المتحدة بحكم وجودها في العراق تحت الفصل السادس والسابع وقانون الطوارئ الأميركي وبالتنسيق مع الأعضاء البارزين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، يمكن أن تلعب دوراً مفصلياً في ضمان أمن واستقرار العراق، لا سيما أن هذه مهماتها الأساس".
وأكد أن "الأمم المتحدة تمتلك مفاتيح للضغط على أطراف العملية السياسية التي ترى أن قادتها لا يهمهم مصلحة الشعب العراقي".
وعن إمكان إجراء الحوار في ظل الشروط التي وضعها الصدر، أوضح فيصل أن "هذه لا تعد شروطاً لكون الصدر يدعو إلى تبني رؤيته استراتيجية شاملة ولم يطرح حدوداً أو مطالب"، مرجحاً أن تذهب أطراف النزاع إلى الحوار لمناقشة كيفية مواجهة الانسداد الخطر.
تفاهم القوى
ويرى الباحث في الشأن السياسي حيدر البرزنجي أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منتهي الصلاحيات وغير مؤهل لإدارة مثل هذا الحوار الذي أنتج تحالف إدارة الدولة، وبالتالي أصبحت جميع الأطراف متفاهمة ومتحالفة ومتآلفة في إدارة الدولة خلال المرحلة المقبلة، وهو أمر مهم لم يكن موجوداً خلال المرحلة السابقة"، مشيراً إلى أن التحالفات كانت ثنائية بينية وأصبحت الآن كلية بين الأطراف المختلفة.
واعتبر أن المجتمع الدولي يطلع على مجريات الحوار من طريق البعثات الدبلوماسية في العراق، وهم يعرفون أدق التفاصيل التي تسببت في عدم تشكيل الحكومة والنزاعات السياسية، مبيناً أن "هدف الحوار ليس تشكيل الحكومة، بل ما بعد تشكيل الحكومة وهو الأهم، لاستقامة الصف وبداية مرحلة جديدة في حياة سياسية تطمئن جميع الأطراف من دون أن تتخذ سلوكات عدائية تجاه أي منها".
وعن إمكان حضور ممثل عن الصدريين خلال جولة الحوار الثالثة، يرى البرزنجي أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يمثله بالفعل، والدليل أن الصدر يدعم الأخير لولاية ثانية، مما يدل على أنه مرشحهم"، مؤكداً أن "هناك كثيراً من المناصب الحكومية فيها ممثلون عن الصدر، ومنها الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي".
حوار شامل
فيما يذهب الأكاديمي الكردي عبدالسلام برواري إلى أن "هناك نوعين من الحوار، أحدهما شامل يجريه الصف الأول من القيادات ويناقش المرحلة الماضية وسبب تعطل الخدمات لوضع رؤية مشتركة عن مستقبل الحوار ومناقشة أسباب الأزمة الراهنة، بينما يتمثل الأخير في مناقشة كيفية الخروج من الانسداد، وبالإمكان أن نطلق عليه حوار الطرشان لأن المواقف واضحة ومتناقضة، فالتيار الصدري لا يريد العمل مع الإطار"، مبيناً أن "الأخير منذ نهاية الانتخابات يتصرف وكأن شيئاً لم يحدث، ويسعى إلى فرض إرادته ولا يقبل أن يتوصل إلى نقاط مشتركة ربما يقبل بها الآخرون لحل الأزمة"، معتبراً أنه إذا كان الحوار شبيهاً بالجولة الأولى والثانية فإنه ليس ما نحتاجه وسيكون كسابقه من الجولات.