3 أجهزة رقابية ولا حدود لنهب المال العام في العراق
ثلاث مؤسسات أساسية أوكلت إليها مهمة الرقابة المالية والاقتصادية في العراق، هي لجنة النزاهة في البرلمان، وهيئة النزاهة (مستقلة)، وديوان الرقابة المالية، وهو المؤسسة العريقة التي أنشئت منذ زمن الحكم الملكي، لكن على رغم وجود تلك المؤسسات التي تخصصت في مراقبة المال العام وأبواب الإنفاق الحكومي وغير الحكومي، تفشت ظواهر نهب الأموال العامة وآخرها سرقة مليارين ونصف المليار دولار من الأمانات المودعة لدى هيئة الضرائب الحكومية التابعة لوزارة المالية.
ملف طويل آخر يفتح حالياً حول تبخر عائدات المنافذ الحكومية، التي قال عنها النائب مشعان الجبوري إنها تقدر بـ10 مليارات دولار، إضافة إلى تبخر 200 تريليون دينار عراقي (0.14 تريليون دولار) تحت باب السلف المالية المدورة للفترة من 2005 وحتى 2022، حيث لم يقم أي جهاز رقابي بواجباته لملاحقة هذه المخالفة أو إيقاف تلك السلف.
مرتكزات الرقابة المالية
يوضح عضو لجنة الشفافية في العراق سعيد موسى الأسس التي تقوم عليها الرقابة في الدولة بعد 2003 قائلاً "بنيت فلسفة الرقابة على ثلاثة مرتكزات أساسية: الرقابة الاستباقية من خلال مكاتب المفتشين العموميين التي تم إلغاؤها بنفوذ سياسي غير نزيه منعاً لتضارب المصالح بين أصحاب النفوذ، ورقابة النزاهة ومهمتها الوقاية والتحقيقات والاسترداد، وهي جهة تمثل العراق في اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وديوان الرقابة المالية وهي الرقابة البعدية حيث يقوم الديوان بتحقيق الحسابات المالية الحكومية مع تقييم الأداء العام واقتراح التقويم، وهذه المؤسسات الأساسية هي التي تتابع وتدقق الأداء العام لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، وهناك أيضاً رقابة البرلمان ومجالس المحافظات والقضاء والادعاء العام ولكنها ليست بقدرة المؤسسات الأساسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول مازن العبودي المتخصص في الرقابة الاقتصادية إن طبيعة النظام السياسي بعد 2003 المعتمد على مبدأ توزيع المؤسسات الحكومية على الأوزان البرلمانية، لم تصدر لنا برامج إنمائية حقيقية، بل على العكس سيطرت على الدولة ومؤسساتها لتعزيز المكاسب الحزبية، مما عطل عمل المؤسسات الرقابية حتى باتت ضعيفة وغير قادرة على مواجهة التغول الكبير لأحزاب السلطة.
ويستدرك العبودي "لا بد أن أشير إلى أن ديوان الرقابة المالية، وهو المؤسسة الرصينة المشهود لها بالعمل المهني الحرفي، عملت قبل 2003 وبعدها على كشف كثير من عمليات الفساد وهدر المال العام، وتقاريرها تشهد بذلك، وكذلك هيئة النزاهة التي عملت حثيثاً خلال السنوات الماضية، ولديها مئات الملفات التي أشارت فيها إلى وجود فساد وهدر للمال العام، إضافة إلى لجنة النزاهة البرلمانية، وكان لدينا دائرة المفتشية التي تم إلغاؤها لاحقاً، وكلها جهات رقابية مسؤولة عن حركة المال العام، لكن الإشكال الحقيقي في العراق ليس في كشف أو تشخيص مكامن الفساد، بل في محاسبة الحيتان".
الفساد يستشري
ميسون الدملوجي المستشارة في الرئاسة العراقية والنائبة السابقة تقول "على الرغم من تعدد الأجهزة الرقابية في العراق فإن الفساد ما زال مستشرياً في مفاصل الدولة لأسباب عدة أهمها التدخلات الحزبية وتولي أشخاص أقل كفاءة للمناصب الحكومية التي توزع على أساس المحاصصة وإبعاد أصحاب الخبرة الذين لا يمتلكون ظهيراً سياسياً، إضافة إلى ضعف الإدارة الوسطى في مؤسسات الدولة بشكل عام منذ أيام الحصار خلال تسعينيات القرن الماضي، ولم تبذل الدولة بعد 2003 جهداً حقيقياً لإعادة بنائه، وهناك تورط لأفراد في الأجهزة الرقابية في عمليات فساد، فعلى سبيل المثال ثبت تورط عدد من المفتشين العامين في الوزارات بعمليات فساد كبيرة وتسترهم عليها، مما دفع مجلس النواب إلى التصويت على إلغاء مؤسسة مكتب المفتش العام بشكل كامل وعدها حلقة من حلقات الفساد".
وتؤكد الدملوجي أن "تغلغل الدولة العميقة في مسألة تمويل الأحزاب وتبييض الأموال في ظل غياب تطبيق قانون الأحزاب جعل تمويلها غير معلوم المصدر، ونسبة كبيرة من هذه الأموال تهرب للخارج لدعم حركات سياسية خارجية، وغياب الشفافية والمحاسبة القانونية الحقيقية لأصحاب النفوذ والتخادم بين الأحزاب كانا هدفاً للتغطية على الفساد المتبادل بينها".
الدولة عاجزة
لكن مازن العبودي يعزو السبب الرئيس في مشكلة تقاسم السلطة إلى أن "تكوين النظام السياسي بعد 2003 نتج عنه بمرور الزمن توزيع لمراكز القوى داخل الدولة على حساب قوة الدولة المركزية، وهذه نقطة أساسية، فخلال العقدين الماضيين كان من المفترض أن يكون هناك عمل جدي على تقوية المؤسسات الحكومية بشكل عام والاعتماد على البرامج الإنمائية التي تخدم مصالح الناس، لكن كل البرامج التي رأيناها كانت إنشائية ولم يتحقق منها شيء، لذلك أنتج النظام السياسي مراكز قوى عدة داخل العراق لا يمكن أن تصارع بعضها بعضاً لوجود مصالح مشتركة بينها على حساب قوة المؤسسات الرقابية".
وتابع أن "العمل بالبرامج والخطط والمشاريع الاستثمارية لم تكن الغاية منه إنتاج فعلي لشيء استثماري وخلق حال اقتصادية رصينة داخل البلد، فكل هذه البرامج والمشاريع ذهبت لمصلحة الأحزاب ومراكز القوى السياسية، والدليل على ذلك المشاريع الاستثمارية المتلكئة والوهمية خلال السنوات الماضية، والتي تجاوزت ثمانية آلاف مشروع بكلفة 200 مليار دولار باعتراف الحكومة، لكن معظم هذه المبالغ سرقت ولم يتم إنجاز شيء، كل هذه الظروف نتاج البيئة المهيأة للسرقة وتهريب الأموال".
غير أن سعيد الموسوي المتخصص في مكافحة الفساد يجمل سبل مكافحة الفساد قائلاً إن "عملية تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد طريقها طويل ولكنه سهل من خلال إنفاذ القانون، ولا بد من وقف ظاهرة انتشار الجماعات المسلحة التي تدعي انتماءاتها إلى جهات سياسية وأخرى اجتماعية وعشائرية، والتصدي لتجارة المخدرات لا سيما أن العراق أصبح موطناً لهذه التجارة بعد أن كان ممراً لها، مع ضرورة السيطرة على الإيرادات غير النفطية، لأن الدولة تعنى برصد الإيرادات النفطية ولا تبالي بالأخرى التي أضحت باباً كبيراً للسرقة".