لماذا تراجعت "احتجاجات تشرين" في العراق؟
يبدو أن المزاج الشعبي في العراق غير داعم حالياً لإطلاق احتجاجات كبيرة شبيهة بما حصل في عام 2019 من تظاهرات كبرى أجبرت حكومة عادل عبدالمهدي على الاستقالة ودفعت البرلمان العراقي إلى اتخاذ سلسلة قرارات أهمها تعديل قانون الانتخابات وحل مجالس المحافظات وتقليص سن التقاعد في الدولة وغيرها من القوانين، لكن استمرار هذه الاحتجاجات للعام الثالث على التوالي بغياب عدد كبير من قادة الاحتجاجات الذين قتل بعضهم وهاجر قسم كبير منهم إلى إقليم كردستان أو إلى الخارج والتململ الشعبي من استمراراها من دون تحقيق تقدم كبير في ملفات مهمة مثل الفساد الذي ينخر الدولة العراقية، جعل زخمها يتراجع كثيراً في الذكرى الثالثة لانطلاقها الحقيقي في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
مشاركة محدودة
وشهدت "ساحة التحرير" وسط العاصمة تجمعاً محدوداً لعدد من شباب "احتجاجات تشرين" بمناسبة الذكرى الثالثة لانطلاقها بالتزامن مع إقفال القوات الأمنية العراقية لأغلب الطرق والجسور المؤدية إليها منذ صباح الثلاثاء 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ما أدى إلى ازدحامات مرورية كبيرة.
وبعد ساعات من هذا التجمع في "ساحة التحرير"، أجبرت القوات الأمنية العراقية وقوات مكافحة الشغب، الأعداد المحدودة من المشاركين في التظاهرة على الانسحاب من الساحة وقامت بعدها بفتح جميع الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء بعد ساعات على إغلاقها.
الاحتواء كبير
ويعزو أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية، عصام الفيلي "انحسار تظاهرات تشرين إلى تصفية قياداتها أو احتوائهم في السلطة"، مشيراً إلى "عدم امتلاك حركة تشرين تنظيماً حزبياً يزيد من عملية زخم التظاهرات".
وقال الفيلي إن "التظاهرات تأتي من اتحاد مجموعة من قوى الحراك الجماهيري، ولهذا فإن تظاهرات تشرين خرجت كحراك عفوي مطلبي ولم يكن لها رؤوس منظمة ومن ثم أصبح لها مجموعة من الشخصيات القيادية، لكن ما حصل هو أنه تمت تصفيتها أو احتوائها أو خروجها خارج بغداد"، مشيراً إلى أن "عدم امتلاك هذه التظاهرات وقياداتها تنظيماً حزبياً أدى إلى تراجع جزء من بريقها".
ويمثل الاختراق الكبير للميليشيات والجماعات الشيعية الموالية لإيران لمؤسسات الدولة العراقية الأمنية، أمراً أساسياً في منع أي تحقيق جدي للكشف عن حوادث وعمليات القتل والتصفية التي يشار إلى عناصر هذه الميليشيات بتنفيذها، كما حصل في عدم الكشف عن الجهات المتسببة بقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة الآلاف منذ إطلاق "تظاهرات تشرين" في عام 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غياب الصدر
واعتبر الفيلي أن "غياب صوت التيار الصدري من التظاهرات أدى إلى إضعافها وتحولت تشرين إلى أشبه بشذرات من هنا وهناك"، موضحاً أن "تبادل الاتهامات بين قيادات تشرين أضعفها، والقوى السياسية احتوت قيادات تشرين إما بمناصب أو ترغيب وترهيب ما أدى إلى إضعافها".
عنوان النقمة
وأكد أن "تظاهرات تشرين ستبقى عنواناً لكل الناقمين على المؤسسة السياسية في إخفاقاتها وهي أشبه بجذوة تشتعل متى ما يصار إلى يأس من المواطنين تجاه أي عدم نجاح حكومي"، لافتاً إلى أن "ما حصل في تشرين يثبت أن التظاهرات لا يمكن لها أن تنجح ما لم تكن منظمة عبر نقابات أو تنظيمات سياسية".
وحول غياب الحضور الشعبي في إحياء "حركة تشرين"، بين الفيلي أن "التظاهرات بحاجة إلى تنظيم وتحشيد ودعم لوجيستي وطالما الأحزاب غائبة فلا يمكن الخروج بتظاهرة"، مبيناً أن "القوى السياسية لا تمنح المتظاهرين مساحة من الحرية اللازمة في التظاهر وفي بعض الأحيان تستخدم العنف تجاه المواطنين".
إعادة تفكير
وعن التنظيم الذي لدى الصدريين في تظاهراتهم، وأسباب غيابه عن "تظاهرات تشرين"، أشار الفيلي إلى أن "للصدريين قدرات في إدارة التظاهرات والطاعة المطلقة للسيد مقتدى الصدر قد تكاد لا تتكرر في أي دولة في العالم، إلا ربما في أيام حشد التنظيمات اليسارية في العراق في خمسينيات القرن الماضي"، مبيناً أن "ما حصل في تشرين بحاجة إلى إعادة تفكير من قبل القوى السياسية".
تشظي "تشرين"
في المقابل، اعتبر الباحث بالشأن السياسي علي بيدر أن "التشرينيين تشظوا بعد أن ذهب قسم منهم إلى السلطة وقتل واعتقل بعضهم، فيما أشار إلى أن فكرة تشرين ممكن أن تظهر إلى العلن بصورة عفوية مجدداً".
وقال بيدر، إن "التشرينيين تشظوا وهذه نتيجة طبيعية إلا أن تشرين فكرة زرعت في وعي المواطن العراقي نضجاً وطنياً بالتالي ممكن أن تعود أكبر وأقوى من قبل في أي لحظة"، لافتاً إلى أن "اضمحلال حركة تشرين نتيجة طبيعية ومصيرها مصير الثورات والحركات الاحتجاجية التي خرجت في بقاع العالم". وأضاف أن "حركة تشرين استفزت الشارع العراقي ووضعته على استعداد في مواجهة أي طارئ. ومن الممكن أن تشهد البلاد حركة تشرينية سريعة ذات صوت عال خلال الفترة المقبلة".
واعتبر الباحث العراقي أن "انخفاض زخم الحضور الجماهيري لحركة تشرين حالة طبيعية كحال بقية حركات الاحتجاج لأن زخم الاحتجاجات لا يمكن أن يستمر لفترات طويلة، وذلك حصل مع احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا".