هل يسعى السوداني إلى "عراق جديد" منفتح على الخارج؟
منذ ولادتها عملت حكومة محمد شياع السوداني على تبني وانتهاج سياسة الانفتاح الخارجي للعراق تجاه الدول الإقليمية والعالمية بهدف كسب التأييد الدولي للحكومة الجديدة التي تشكلت بعد مخاض عسير وأزمة سياسية استمرت لأكثر من عام.
وفي مسعى إلى إثبات الانفتاح الخارجي، كان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، شارك العراق في القمة العربية الصينية التي عقدت في السعودية.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان أن "السوداني استقبل سفير جمهورية الصين الشعبية لدى العراق تسوي وي، وجرى خلال اللقاء التباحث في توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين وتنميتها، في المجالات الاقتصادية والثقافية، كذلك في مجالي الطاقة والاستثمار".
مبدأ التوازن
وبين السوداني بحسب البيان أن "العراق اعتمد مبدأ التوازن في العلاقات الخارجية، بما يعزز استقراره وتحقيق مصالح شعبه وأمن المنطقة"، مشيراً إلى "رغبة الحكومة في توسيع آفاق التعاون الثنائي مع الصين في مختلف القطاعات".
بدوره أكد رئيس الجمهورية عبداللطيف جمال رشيد أن سياسة العراق الخارجية مبنية على الاحترام المتبادل واعتماد الحوار البناء لتعزيز العلاقات وتوسيع آفاقها وفقاً للمصالح المشتركة وبما يصب في مصلحة الشعوب.
لكن الباحث السياسي علي البيدر يعتقد أن السوداني يحاول تجاوز إخفاقات الماضي واستثمار نجاحه في سبيل تعزيز مكانة البلاد الدولية ضمن المحيط الإقليمي وداخل المجتمع الدولي أيضاً.
وأضاف "دائماً ما بنيت علاقات العراق الخارجية بطريقة غير منطقية، إذ تتعامل الدول بكعب عال مع العراق، ويريد السوداني استبدال هذه الطريقة وفق مبدأ حسن الجوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة".
ويرى البيدر ضرورة أن تكون هناك وحدة في القرارات المتعلقة بسياسة البلاد الخارجية وأن تكون السيادة خطاً أحمر في حسابات المنظومة السياسية مجتمعة. واعتبر أن السبيل الأفضل لتطوير علاقات البلاد الخارجية هو الابتعاد عن سياسية المحاور والأقطاب التي انتهجتها الحكومات السابقة وعدم معاداة أية جهة من أجل عدم إلحاق الضرر بالبلاد، بخاصة أن تجارب الدولة الحديثة لا تزال فتية وتحتاج إلى دعم كبير من قبل الجميع.
أبعاد اقتصادية
وللسياسة الخارجية أبعاد اقتصادية، إذ يحاول السوداني تبني انفتاح بالعلاقات السياسية ببعد اقتصادي واستثماري لجذب المستثمرين للبلاد وتحريك عجلة الاقتصاد العراقي نحو الأمام، إذ يقول أستاذ الاقتصاد الدولي ومدير مركز الأبحاث في جامعة جيهان بدهوك نوار السعدي، إن "مواقف السياسة الخارجية لأية دولة تعكس قوة ذلك البلد لدى المجتمع الدولي وقدرته على التعاطي مع المتغيرات، وبما يتناسب مع مصالحه العليا، لذلك تحتاج الدول إلى تحديد الأطر الاستراتيجية والمفاهيم العامة لفلسفة السياسة الخارجية كي تنفذ تلك السياسة من خلال دبلوماسية فاعلة وفق ثوابت دستورية وقانونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأقر أستاذ الاقتصاد الدولي، بأن مفتاح الاستقرار الداخلي للبلاد، على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، يتمثل في طبيعة العلاقات بالأطراف الخارجية، الإقليمية منها والدولية، التي غالباً ما تكون لديها سياسات ومواقف ومصالح متقاطعة ومتناقضة في ما بين بعضها بعضاً، ويتطلب التعاطي معها قدراً كبيراً من الحكمة والعقلانية، من دون الإخلال بالثوابت مع تجنب سياسة المحاور والاستقطاب والاصطفاف مع طرف ضد طرف آخر.
وتابع السعدي، "تمثل السياسة الخارجية للعراق ما بعد 2003، إحدى الإشكاليات في النظام السياسي الديمقراطي الجديد، إذ تعرضت هذه السياسة لمحددات تختلف عما هو متعارف عليه في بقية الدول لرسم السياسة الخارجية، فاعتمدت في الحال العراقية على رؤية المسؤول عن تنفيذ السياسة العامة التي قد تخضع لاعتبارات عقائدية أو قومية أو حتى شخصية، مما جعل السياسة الخارجية فاقدة البوصلة".
الدبلوماسية الاقتصادية
وأكمل "كمراقب للوضع العراقي، افتقرت حكومات ما بعد 2003 إلى سياسة قوية من الدبلوماسية الاقتصادية اللازمة لتحسين علاقاتها الدولية، بالتالي تحسين ظروفها المحلية، لكن نستطيع القول إن الحكومة السابقة برئاسة الكاظمي، وإن أخفقت في بعض الاستحقاقات الداخلية المطلوبة أو معظمها، إلا أنها سجلت بصمة واضحة في مجال السياسة الخارجية، وعلى مستويين، الأول هو الحضور الملموس في مختلف المحافل الدولية، وتوسيع آفاق العلاقات بقوى إقليمية ودولية متعددة، والثاني تطويق المشكلات والأزمات والخلافات بين أطراف متخاصمة، عبر تهيئة الأجواء والظروف المناسبة لحوارات بناءة، كما حصل بين إيران والسعودية، فضلاً عن المساهمة في نزع فتيل جملة من أزمات المنطقة، أو التخفيف من حدتها وتطويقها عند حدود معينة.
لذا فإن محمد السوداني، بحسب مدير الأبحاث في جامعة جيهان، أدرك ذلك جيداً وبدأ يجري سلسلة من رسائل وإشارات ولقاءات مع ساسة ودبلوماسيين عرب وأجانب من دول مختلفة، انطوت على توجهات إيجابية لتحقيق مزيد من الانفتاح في علاقات العراق بجيرانه ومحيطه الإقليمي والفضاء الدولي بما يعزز مكانته، ويكرس سيادته ويوسع مصالحه، فضلاً عن جعله نقطة التقاء وساحة للتفاهم والحوار بين الأفرقاء.
النقطة الجوهرية هنا وفقاً للسعدي، "تتمثل في ضرورة استثمار أجواء الدعم والتأييد الإقليمي والدولي الواسع للحكومة الجديدة في تحقيق جملة أمور، أهمها تعزيز الأوضاع الاقتصادية للبلاد وتحسينها، والعمل على معالجة الملفات والقضايا العالقة. ويفترض أن يشكل الاقتصاد محوراً ومرتكزاً أساسياً في رسم سياسات العراق الخارجية، وعلى حكومة السوداني الفصل والتمييز قدر الإمكان بين الاستحقاقات والحسابات الاقتصادية من جهة، وبين مشاريع وأجندات التطبيع السياسية، التي تتخذ من الاقتصاد بوابة لها من جهة أخرى".
ويضيف "لكي يستطيع العراق ضمان انسيابية علاقته الإقليمية والدولية التي تصب بمصلحة اقتصاده لا بد له من تهيئة كوادره التي تكون في موقع التعامل مع دول العالم، ولا سيما الكوادر العاملة في وزارة الخارجية والملحقيات العاملة في الخارج وتعزيز فكرهم الاقتصادي وأن يضعوا الاقتصاد العراقي أولاً في حساباتهم، وتعزيز صورة إيجابية للعراق لأهميتها البالغة في لفت انتباه المستثمرين الدوليين، وإضفاء نوع من الصدقية لبناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد وواضحة المعالم والأهداف".
واختتم "الفرصة مواتية لرئيس الوزراء العراقي الجديد أن يعزز المسارات الصائبة ويصحح المسارات الخاطئة، لا على صعيد الملفات الداخلية الأمنية والخدمية والمالية فحسب، بل على صعيد الملفات الخارجية، التي لا تبتعد في كثير من محطاتها ومنعطفاتها عن الداخلية".