تمسك السوداني بالوجود الأميركي: انقلاب على "الإطار" أم تنسيق مسبق؟
السوداني خلال زيارته برلين، 13 يناير الحالي (توبياس شفارتز/فرانس برس)
أثار موقف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الإيجابي من الوجود الأميركي في العراق، الكثير من التساؤلات حيال أسبابه، خصوصاً بعد رفع تحالف "الإطار التنسيقي"، الحاكم في البلاد، مطلب إخراج القوات الأميركية في أكثر من مناسبة.
وانقسمت القراءات لموقف السوداني، بين من اعتبره انقلاباً منه على تحالفاته، وبين من أكد أن ثمة تنسيقاً بين السوداني والتحالف ذاته يهدف إلى التهدئة، خصوصاً بعد أزمة تراجع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار لأدنى مستوياته بعد سلسلة إجراءات فرضها البنك الفيدرالي الأميركي على العراق في ما يتعلق بالحوالات المالية بالدولار.
وأشار السوداني في مقابلة صحافية، خلال زيارته إلى ألمانيا الأسبوع الماضي، إلى أن بلاده بحاجة للقوات الأميركية للحرب على الإرهاب، واصفاً إياها بالصديقة. كما شدد على استمرار التعاون مع واشنطن في مختلف المجالات. وفي حوارٍ متلفز آخر، قال السوداني إن حكومته تتجه، وبدعم سياسي، نحو تحديد المهام وعدد القوات الأميركية، مؤكداً أن ذلك يواجه بقبول "الأصدقاء" في الولايات المتحدة.
هذا الموقف انقسم حياله سياسيون ومراقبون، بين من اعتبره انقلاباً من السوداني على تعهداته أمام قادة "الإطار التنسيقي" حيال إخراج القوات الأميركية من البلاد، وآخرين استبعدوا قدرة السوداني على تحدي "الإطار" بمثل هذه الخطوة، وأكدوا أن ثمة تنسيقاً مسبقاً لهذا الموقف.
كما لفتوا إلى أن هذا الموقف بمثابة خطوة للوراء من قبل قادة "الإطار" لتجنب الضغط الأميركي المحتمل على بغداد، وبما قد يسبب فشل حكومة السوداني التي يعول عليها "الإطار" لرفع شعبيته ورصيده أمام الشارع العربي الشيعي تحديداً.
تباين بين "الإطار التنسيقي" والسوداني
وأوضح القيادي في تحالف "الفتح" (أبرز مكونات "الإطار التنسيقي") النائب معين الكاظمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السوداني رئيس حكومة، وليس من المنطقي أن يتناول القضايا كما تتحدث بعض الجماعات العراقية الغاضبة من الولايات المتحدة. واعتبر الكاظمي أن "فنون الدبلوماسية تفرض على السوداني منطق الهدوء في سبيل الوصول إلى الأهداف المنشودة".
كما شدد على أن "هدف إخراج القوات الأميركية وبقية القوات الأجنبية ضمن التحالف الدولي لا يمثل هدفاً لتحالف الإطار التنسيقي فقط، لا سيما أن البرلمان العراقي صوّت عام 2020 على خروج هذه القوات، بالتالي فإن القانون هو الذي يفرض هذا المطلب وليس فقط قوى الإطار".
وأكد أن "رئيس الحكومة وتحالف الإطار التنسيقي ضمن مركب واحد، لكن هناك تبايناً في بعض وجهات النظر، وتحديداً في ملف التعامل مع القوات الأميركية غير المرغوب بها في العراق".
معين الكاظمي: رئيس الحكومة وتحالف الإطار التنسيقي ضمن مركب واحد
ولفت إلى أن "السوداني يمثل وجهة النظر الحيادية التي لا تريد العداء مع أي طرف، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية التي تسيطر على سوق عملة الدولار، والعراق أحد البلدان المتأثرة حالياً بالتوجهات الأميركية الجديدة في التعامل مع الحوالات المالية وطريقة إدارة العملة في العالم".
بدوره، أشار النائب المستقل في البرلمان العراقي والقريب من القوى المدنية والليبرالية، محمد عنوز، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "قوى الإطار التنسيقي غير منسجمة في حقيقة الأمر". ولفت إلى أن هذه القوى "تُعاني من مشاكل وإرهاصات داخلية كثيرة، تحديداً بين جبهات الفصائل المسلحة التي دخلت أخيراً معترك العمل السياسي وبين القادة السياسيين من الجيل القديم، وبينهم (رئيس الوزراء السابق) نوري المالكي و(رئيس تحالف الفتح) هادي العامري و(رئيس الوزراء السابق) حيدر العبادي".
وأوضح عنوز أن "هذه القوى لا تريد أن تتسرب الأخبار عن الانقلابات الداخلية الكثيرة فيما بينها، لا سيما انقلاب السوداني، في بعض قراراته وتوجهاته، على أطراف داخل الإطار، وبضمنها تصريحاته الأخيرة بشأن الوجود الأميركي".
كما شدد النائب المستقل على أن "الإطار التنسيقي، وحتى الأطراف التي تخشى من استمرار انقلاب السوداني ضدها، تواصل دعم هذه الحكومة لأنها لا تريد أن تكون الحكومة ضعيفة، في ظل الترصد من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، واحتمالية صدور قرار عنه قد يزعج كل القوى المشاركة في الحكومة حالياً".
اتفاقات سياسية بين السوداني وعدد من داعميه
من جهته، أكد المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن نزار حيدر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "السوداني وصف الأميركيين في تصريحاته الأخيرة، أثناء وجوده في ألمانيا، بالأصدقاء". ولفت إلى أن ذلك لم "يعجب القوى المسلحة داخل تحالف الإطار التنسيقي، وتحديداً المعروفة بعدائها الشرس لواشنطن وولائها شبه المطلق لطهران، وهذا أزعجها كثيراً".
كما أشار إلى أن "الأولويات الحكومية والعمل السياسي وطريقة تفكير السوداني دفعته إلى عدم تبني فكرة المواجهة مع الأميركيين على غير ما تسير به قوى السلاح في البلاد".
أوضح حيدر أن "قوى الإطار التنسيقي لا تتشابه كلها في طريقة التعامل مع الوجود الأميركي، على الرغم من وجود القانون البرلماني الذي أُقر عقب مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ومطالبة العراق رسمياً بخروج قوات التحالف الدولي، وتحديداً الأميركية، من البلاد".
نزار حيدر: قوى الإطار التنسيقي لا تتشابه كلها في طريقة التعامل مع الوجود الأميركي
وبيّن أن "هناك كيانات، ومن ضمنها النصر وائتلاف دولة القانون وتيار الحكمة، لا تزال تؤمن بأن مساعدة واشنطن لبغداد بالقضايا الأمنية والعسكرية لا تزال مطلوبة، في حين تجد الفصائل المسلحة، مثل عصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله، أن مواجهة الأميركيين والنيل منهم أمنياً وسياسياً هو فعل لا بد لحكومة السوداني القيام به".
من ناحيته، لفت الباحث العراقي كتاب الميزان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن السوداني لا يريد خسارة التأييد الأميركي الحالي لحكومته، إضافة إلى الدعم الأممي وتحديداً الأمم المتحدة.
كما أكد أن رئيس الحكومة يخشى أن تتحول حكومته إلى منطقة معزولة في حال تبني خطاب الفصائل المسلحة، التي تُتهم بقصف السفارة الأميركية وتهديد مصالح الدولة الأجنبية والمنظمات. كما اعتبر أن "السوداني لا يمكن له أن ينقلب على الإطار التنسيقي لأنه جزءٌ منه، لكن هناك اتفاقات سياسية بينه وبين عدد من داعميه على المضي بخطة عدم الانحياز ضد الولايات المتحدة".
وأشار الميزان إلى أن "الاعتراضات الحزبية والفصائلية على تعليقات السوداني في ألمانيا والحديث عن الأميركيين ودورهم في المرحلة المقبلة لم تكن قوية وخطيرة كما توقعنا". وأكد أن ذلك يفسر "قبول غالبية الأعضاء والأطراف الفاعلة في الإطار بما جاء به السوداني، وربما ما تحدث به يمثل الموقف الإطاري في هذه المرحلة، فلا ثوابت في السياسة".
يُذكر أنه في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي، التي قادتها الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم "داعش" في العراق، وتحوّل دور القوات الأميركية إلى المشورة والتدريب فقط. وجاء هذا القرار، بعد جولات الحوار الاستراتيجي التي انطلقت بين بغداد وواشنطن منذ العام 2020.