اخبار العراق الان

عاجل

بانتهاء بطولة الخليج هل تستأنف بطولة تشرين من جديد؟‎‎

بانتهاء بطولة الخليج هل تستأنف بطولة تشرين من جديد؟‎‎
شفق نيوز

2023-02-01T12:35:20.000000Z

بانتهاء بطولة الخليج (العربي)، هل تُستأنف بطولة تشرين  من جديد؟!! لم تكن بطولة الخليج العربي لكرة القدم في البصرة، المنتهية مؤخراً، حدثاً رياضياً فحسب، بل مواجهة سياسية  اجتماعية  مهمة، أعادت للواجهة الجدل العراقي المعتاد، بخصوص معنى العراق كدولة، والهوية العامة التي تجمع العراقيين.

كانت نتيجة البصرة هي انتصار  للهوية العراقية العربية على الهوية الأخرى الولائية التي تروج لها الفصائل المسلحة المنفلتة والقوى السياسية المتحالفة.

كان  السياق السياسي للحدث نفسه: إنهاء حظر إقليمي ودولي على الملاعب العراقية تواصل على مدى أكثر من أربعة عقود منع البلد من استضافة دورات رياضية إقليمية وعالمية.

ولذلك أصبح رفع الحظر، الذي فرضه بشكل أساسي الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، لحظة فرح عراقي  شعبياً ورسمياً، خصوصاً بعد جهود مضنية بذلتها الدولة العراقية لرفع هذا الحظر وتقديمه للمجتمع على أنه إنجاز.

من هنا كان الاستثمار الرسمي والسياسي الكبير في خليجي 25، من ضمنه حضور رؤساء السلطات الثلاث، فضلاً عن رئيس إقليم كردستان ووزراء ومحافظين وسواهم من شخصيات عامة، في حفل الافتتاح.

رافق هذا الاستثمار بالحدث تعطش شعبي لحس طبيعي بالحياة في بلد يفتقر مثل هذه الحياة واعتاد مكرهاً تجربة جوهرها التدهور في كل المجالات العامة، اقتصادياً وخدمياً ومؤسساتياً، بدأت في 1990 وتواصل تدهورها، في سياقات مختلفة، بعد 2003 لتتصاعد معها النقمة الشعبية. هكذا، وعلى نحو صحيح، اعتبر الجميع في البلد، كنخبة سياسية وكمجتمع، خليجي 25 استعادةً مؤقتة ومُرحباً بها لحياة عامة طبيعية. 

في هذا السياق "الطبيعي" المُنتزع من زمن السوء العام، حصلت المواجهة المفاجئة وغير المخطط لها بين نسخة الوطنية العراقية التي شكلتها تشرين، عبر احتجاجها الاستثنائي والباسل بين أكتوبر 2019 وأبريل 2020، بالدم والعناء والصوت المختلف  بشعارات (نريد وطن  ) المطالب بوطن يحترم كرامة العراقيين ويخدمهم بوصفهم أفراداً متساوين على نحو حقيقي وغير مشروط ونسخة الطبقة السياسية الحاكمة بتحديثاتها الولائية. 

اتخذ المحتوى السياسي والمؤسساتي لهذه الوطنية التمييزية والفوقية شكل المحاصصة السياسية في السلطة والنفوذ التي تحول الوطن وموارده لخدمة الاحزاب المهيمنة وليس المجتمع.. لتختفي العدالة الاجتماعية وتسيطر البندقية والكاتم واخيرا الدرونز على مفاصل الشعب والدولة .

العامل المؤثر خلال أيام البطولة هو الحضور الشعبي العراقي الهائل والعفوي من مختلف محافظات البلد ومناطقه في البصرة. جاء هذا الجمهور من أجل الاستمتاع بلحظة رياضية طبيعية تأخذه بعيداً عن سوء الأوضاع الذي يبدو مزمناً لكن سرعان ما تحولت هذه التجربة نفسها إلى إعلان وطنية عراقية  عربية محتواها تشريني في خضم الانتصارات الرياضية للمنتخب الوطني والاحتفاء الشعبي البصري بعراقيي المحافظات والمناطق الأخرى الذين فُتحت جوامع ومضافات عشائرية وبيوت لاستضافتهم.

كان فوز المنتخب المتكرر في مباريات البطولة، ومن ضمنها المباراة النهائية المثيرة ورفع الأعلام العراقية الكثيف في البصرة تشجيعاً للمنتخب وفرحاً بفوزه المتكرر في مباريات البطولة وصولاً الى رفعه في مناطق لم تعتد هذا العلم ولم ترحب به بل تنظر له كرمز لاضطهاد عرقي سابق يمكن أن يتجدد، كما في إقليم كردستان، كانت هذه مجتمعةً، ظاهرةً جديدة تفصل بين البلد كوقائع اجتماعية وإنسانية بما تعنيه من تضامن شعبي، وبين سلطة وأحزاب حاكمة يشعر المجتمع بالغضب والنقمة منها ويرتاب بها لأسباب مفهومة ومشروعة.

صنع خليجي 25 بعض هذه التفاصيل ومن بينها الموضوع الحساس المتعلق بعلاقة العراق بالعالم العربي. كان التأكيد المتواصل للبصريين، ومعهم عراقيون كثيرون، على أنهم عرب وتواصلهم مع عرب مثلهم يشتركون معهم باللغة والتقاليد والإيمان الديني العام أمراً طبيعياً تأخر كثيراً، إعلان مصالحة مهم مع العروبة وارتياح لها واتساق معها، ليس بوصفها توجهاً أيديولوجياً يستند على القومية العربية بافتراضاتها التمييزية، بل كثقافة اجتماعية عامة وشعبية، لا محتوى سياسي.

. في النسخة التاريخية للعروبة التي اختطفتها القومية العربية، كان لا بد من وجود خصم سياسي ووجودي للعرب يدفعهم للتضامن والاتحاد إزاءه. في النسخة التشرينية التي صنعتها البصرة لهذه العروبة، كان التشابه الإنساني عبر اللغة والتقاليد والثقافة والجوار الجغرافي هو الأساس في فهم البعد العربي للعراق وعلاقته بالعالم العربي.

كان هذا التشكيل للعروبة والتأكيد عليه هزيمة كبيرة للنسخة الولائية للوطنية العراقية التي قامت في جزء أساسي منها على شيطنة العالم العربي، وتكريس نظرة مرتابة من العروبة والتآمر العربي المفترض ضد عراق ما بعد 2003.

خليجي 25 انتصار مهم آخر لتشرين والهوية التي صنعتها. يصر بعض التشرينيين أنه لا قيمة حقيقية لتشرين من دون فعل احتجاجي في الشارع يزعج السلطات ويقوض سيطرتها، فيما الواقع يشير، كما أظهرته البصرة، أن قوة الأفكار وامتدادها وتحولها إلى هوية إنسانية ومفتوحة، بمحتوى وطني وديموقراطي، هو الإنجاز التشريني الأهم الذي ينبغي أن يتواصل ويتراكم 

 التساؤل المنطقي هو الى اي مدى يمكن ان تستأنف تشرين احتجاجاتها من جديد ؟ في ظل تحالف سياسي مهيمن على البرلمان والحكومة ؟! وفي ظل غياب اي مقومات لمعارضة وطنية جامعة قوية يمكن ان تراقب وتحاسب   وفي ظل هيمنة احزاب السلطة على كل السلطات سوف تكون مهمة شباب تشرين صعبة للغاية 

الا ان الازمات الحالية واخرى متوقعة مثل انهيار الدينار وازدياد  توغّل الفساد المصحوب بالفشل  الحكومي  سوف يؤدي بالنهاية الى انفجار الشارع من جديد واذا ما عاد التيار الصدري المعتزل الى الساحة السياسية فستكون المجابهة  قاسية ونتائجها وخيمة   واذا ما اخذنا الصراع الاقليمي  وخصوصا في شمال العراق وسوريا وتداعياته  فإننا مقبلون على ظروف لا يعلم بها الا الله .