مكتشف معبد عراقي منسي: اتهموني بالاختلاق
روى #عالم_آثار قاد عملية اكتشاف معبد سومري مفقود في مدينة #جيرسو القديمة في العراق، أنه تعرض لاتهامات من جانب زملاء في مجال العلوم - فهم لم يصدقوه - بأنه "اختلق" المسألة، وأهدر التمويل المخصص للمشروع.
وقد اكتشف المعبد في موقع تيلو جنوب العراق بفضل "مشروع جيرسو" Girsu Project - وهو مبادرة مشتركة لإنقاذ مواقع التراث المهددة بالانقراض، بقيادة "المتحف البريطاني"، ومؤسسة "غيتي" Getty (ثقافية وخيرية تعنى بعرض التراث الفني العالمي وحفظه وتفسيره) و"مجلس الدولة للآثار والتراث" في العراق State Board of Antiquities and Heritage (SBAH).
يشار إلى أن تيلو هو الاسم العربي الحديث لمدينة جيرسو #السومرية القديمة، إحدى أقدم المدن المعروفة في العالم. وكان السومريون قد اخترعوا الكتابة ما بين عام 3500 وعام 2000 ما قبل المسيح، وسنوا أول تشريعات قانونية.
وفي هذا الإطار، قال مدير المشروع الدكتور سيباستيان ري لوكالة "برس أسوسييشن" PA في مؤتمر صحافي عقد في السفارة العراقية يوم الجمعة الماضي، إن هذا الاكتشاف "مُرض وممتع" الشعور بالرضى].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "أذكر عندما بدأت العمل في عام 2016 أن أحداً لم يصدقني. لقد حضرت مؤتمرات دولية كان الجميع يقولون لي خلالها إنني "أختلق الأمر وأهدر وقتي والتمويل الذي خصصته الحكومة البريطانية للمتحف البريطاني - هذا ما قيل لي في الواقع، لكن في المقابل كان لديَّ داعمون آخرون وأشخاص آمنوا بهذا المشروع، لذا تمكنا من المثابرة [المضي قدماً]".
وأكد أن "عنصري البحث والتدريب لا يستخف بهما، ويجب أخذهما في الاعتبار. فحتى إذا لم يقيض لنا اكتشاف المعبد، لا يمكن أن ننكر أن التجربة رائعة، إلا أن أهم ما تم التوصل إليه [ما كلل التجربة] هو حتماً اكتشاف المعبد".
وخلال المؤتمر وصف الموقع بأنه "مهد الحضارة" و"أحد أهم المواقع التراثية في العالم التي لا يعرفها إلا قلة من الناس".
الموقع المعروف باسم "تل اللوح" Tablet Hill، كان قد دمر نتيجة أعمال التنقيب في القرن التاسع عشر والنزاعات في القرن العشرين، بعد أن كان قد صمد، ولم يمسه أحد على مدى عقود.
ويأتي هذا المشروع ليشكل خطوة مكملة للمخطط التجريبي الذي كانت أطلقته وزارة الشؤون الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة البريطانية في عام 2015، في رد على سلسلة أعمال التدمير والتخريب التي لحقت بالمواقع التراثية في كل من العراق وسوريا، على يد ما يسمى "داعش".
وفي سياق تذكر اللحظة التي اكتشف فيها فريق البحث "مقبس باب" المعبد، يقول الدكتور ري إنه يمثل قلب المدينة المقدسة، مشبهاً إياه بالفاتيكان في روما والقدس في إسرائيل.
وقال، "ومرت لحظة علمنا فيها أننا أمام أمر واعد، فقد وجدنا حجراً عليه نقش ما... وعندما قرأنا النقش علمنا أن الملك كوديا (أو جوديا، وهو من أشهر ملوك السومريين لسلالة لكش التي كانت تحكم جنوب بلاد وادي الرافدين) كان يبني معبداً للإله نينجيرسو (وهو إله الحرب السومري)، واكتشفنا اسم الهيكل، لذلك أيقنا أن هذا هو المعبد من دون أي شك".
يشار إلى أن المعبد الذي يحمل اسم "إي نانو" Eninnu كان يعد أحد أهم المعابد المقدسة في بلاد ما بين النهرين، وكان الملاذ الرئيس للإله السومري نينجيرسو في منطقة مقدسة تسمى "الوركاء" (أو أوروك) Urukug [مدينة تاريخية تقع شرق نهر الفرات].
ويعتبر الدكتور ري أن "الاكتشاف ضخم للغاية. فإذا ما تمت مراجعة أي كتيبات لطلاب علم الآثار في الجامعات، يقع في القسم المتعلق بمدينة جيرسو القديمة، ما مفاده أنها ذهبت أدراج الريح، فقد تم التنقيب عن الآثار وتبدد أثرها [دمرت]، وهذا ما قيل لي عندما كنت طالباً".
وأضاف، "لطالما اعتبرت أن هذه النظرة تشاؤمية. فإن كانت لديك مجموعة من الأدوات (إضافة إلى) التكنولوجيا الجديدة، يمكنك العودة إلى تلك الحفريات المتضررة التي أجريت في القرن التاسع عشر".
وأوضح أن فريقه استغرق ثمانية مواسم لاكتشاف المعبد بشكل كامل. وفي نهاية موسم عام 2022 اكتشفوا أول جدران طينية للقصر في المدينة القديمة التي وصفها بأنها "قمة جبل الجليد" [غيض من فيض]. وأشار الدكتور ري إلى أن الفريق سينتقل إلى منطقة القصر عند عودته في مطلع مارس المقبل.
معلوم أنه بعد عقود من الانقطاع، جرى تجديد العمل الميداني الذي اكتشف أيضاً أكثر من 200 لوح مسماري تم إنقاذها من بين أكوام من الرواسب الأثرية في القرن التاسع عشر. ويعتقد أن نحو 100 ألف لوح أخذ من الموقع خلال أعمال التنقيب في القرن التاسع عشر.
وتشكل هذه الألواح "الحلقة المفقودة من القصة" بحيث إن كل واحد منها تم إعداده بأسلوب نص إداري، يتضمن أرشيفاً من القصر، وهو ما يقارن اليوم بجدول بيانات "إكسيل" Excel الحديث.
وعلق الدكتور هارتويغ فيشر مدير المتحف البريطاني على الاكتشاف قائلاً، "فيما لا تزال معرفتنا بالعالم السومري محدودة اليوم، فإن العمل في جيرسو واكتشاف القصر والمعبد المفقودين، واعدان إلى حد هائل يتيح لنا فهماً أفضل لهذه الحضارة المهمة، وتسلط الضوء على الماضي، وتنير المستقبل [بما خفي من أسرار]".