تجليد الكتب في العراق... مدرسة الإحياء والتجدد
أسهمت التكنولوجيا الحديثة في القضاء على عدد من المهن والحرف، لكن الأمر يختلف عند فئة من #المجتمع_العراقي لا تزال تحرص على #تجليد_الكتب الدراسية والمؤلفات والصحف والوثائق والأطروحات الجامعية وكل ما هو ورقي، لتزين رفوف المكتبات المنزلية والجامعية والمدرسية.
ويعتبر تجليد الكتب من المهن التراثية في العراق، لكن كثيراً من أصحاب تلك المهنة المنتشرة في شارع المتنبي بالعاصمة بغداد يعانون الآن عدم وجود عمل لديهم لسداد إيجار محالهم أو مساعدتهم في العيش، وعلى رغم ذلك يقاومون ظروف الحياة من أجل الحفاظ على المهنة من الاندثار.
يؤكد أبو أحمد، وهو صاحب محل لتجليد الكتب، أنه يعمل في هذه المهنة منذ أن كان صغيراً، وقد تغيرت الأذواق في اختيار نوع التجليد بالنسبة إلى الزبون، لكن المهنة على رغم طغيان التكنولوجيا لا يزال لديها زبائن دائمون.
ترفض الانقراض
الكاتب والصحافي زيدان الربيعي أكد أنه "على رغم التقنيات الحديثة وطريقة حفظ الأرشيف من خلال الاستعانة بالحواسيب وبقية التقنيات الأخرى، فإن مهنة تجليد الكتب والصحف لا تزال صامدة أمام تحديات الزمن ووسائل الحداثة وترفض الانقراض، إذ يمارس المتخصصون فيها مهنتهم بشكل يومي في شارع المتنبي، لكن ليس مثلما كان يحدث في السابق، لأن قراءة الكتاب المطبوع باتت تعاني ضعفاً واضحاً بسبب توجه الجميع نحو القراءة الإلكترونية، وكذلك فإن المطابع الحديثة باتت تتولى مهمة تجليد الكتب التي تصدرها وبطريقة رائعة جداً".
وأضاف الربيعي أنه "على رغم هذا الضعف الواضح فإن أصحاب مهنة التجليد يحافظون على مهنتهم من زحف سرّاجي حقائب النساء وأحزمة الرجال عليها، ويرفضون رفضاً قاطعاً الاستسلام للحداثة أو ترك مهنتهم، مع أنهم بين حين وآخر يقومون بتجديد أدوات مهنتهم بوسائل حديثة تكون أكثر إنتاجاً وأفضل من ناحية الجودة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردف أن "مهنة تجليد الكتب من المهن التراثية في العراق، وكان أصحابها يعملون في معظم فصول العام لأنهم يقومون بتجليد الكتب المدرسية والسجلات، فضلاً عن قيامهم بتجليد الصحف والوثائق المهمة وما شابه، لكنهم اليوم يعانون كثيراً بسبب عدم وجود عمل لديهم، وهو ما يتطلب دعماً من قبل وزارة الصناعة أو وزارة الثقافة لأنهم ينتمون إلى الجهتين في آن واحد، فهذه المهنة لها علاقة وطيدة بالتراث العراقي ولا بد من الحفاظ عليها وعدم السماح للحداثة بإزالتها كما أزالت سابقاً كثيراً من المهن والحرف التي كان العراقيون يمارسونها خلال القرن الماضي".
وقال الربيعي إنه قام شخصياً بحفظ أرشيفه الشخصي وهو عبارة عن منشورات نشرها في صحف ومجلات عراقية وعربية داخل مجلدات كبيرة، إذ أصبحت أشبه بالكتاب مما جعل عملية الرجوع إليها سهلة، وعلى رغم التعب المضني في جمع هذه الكتابات إلا أنه شعر براحة كبيرة جداً، لأنه حفظ أرشيفه الخاص على شكل مجلدات والآن يستطيع مراجعته بسهولة كبيرة، بينما لو بقيت هذه الأوراق من دون تجليد فستصبح في حكم التالفة أو بعيدة المنال.
وختم الربيعي بالقول إن "مهمة حفظ الأرشيف الورقي تحتاج إلى ترتيب يقوم به أصحاب مهنة تجليد الكتب والوثائق، ومن يريد أن يحفظ أرشيفه الخاص أو أرشيف مؤسسته التي يعمل فيها فعليه التوجه نحو تجليدها وترتيبها عند أهل الاختصاص".
تجدد مع الحياة
وفي المقابل وصف الكاتب إبراهيم سبتي مهنة تجليد الكتب بأنها تصارع الزمن وتأبى الاندثار والانقراض.
ويعتقد السبتي أن المهنة ستبقى موجودة كما هي منذ القدم، ذلك أنها تتجدد مع الحياة الثقافية بكل مفاصلها، مبيناً أن تجليد الكتب القديمة أو الأطروحات الجامعية لا يمكن الاستغناء عنه نظراً إلى الحاجة المستمرة إليه.
وأكمل، "قبل أشهر وجدت أحد أصدقائي وقد حمل مجموعة من الكتب القديمة إلى محل التجليد لأنه يريد المحافظة عليها، فهي جزء من مكتبته".
وشدد على أن تطور طباعة وتجليد الكتاب بأبهى صورة لا يمكن أن تسلب نكهة الحفاظ على الكتب القديمة التي تعاد إليها الحياة عند تجليدها بواسطة خبير في مهنته، وتابع أن أي تطور يصيب مفصلاً في الحياة فلا بد له من أن يترك المهن القديمة تزاول عملها ولو بنسبة أقل، لأن الإنسان تواق إلى المهن التقليدية باعتبار أنها تحافظ على الأصالة وتحظى بنكهة لا تضاهى.