اخبار العراق الان

عاجل

قصة.. دعوني معكم

قصة.. دعوني معكم
شفق نيوز

امير الداغستاني

2023-02-25T18:41:56.000000Z

حينما توفى والده اثر نوبةٍ قلبية مفاجئة ، لحقته والدته بعد يومين حزنا على فراق زوجها ، ليجد ابنهما الوحيد "وائل" نفسه وحيداً ، مصدوماً لما يحدث وسيحدث له برحيل والديه الذي لم يكن بالحسبان ، سيما وانه لايستطيع فعل شيء لاعالة نفسه بسبب قلة خبرته في الحياة ، اذ كان يعتمد اعتماداً كلياً على والديه في كل صغيرةٍ وكبيرة تخص تفاصيل حياته اليومية .

في اليوم الاول ، وبعد انتهاء مجلس العزاء ، انفض من حوله المعزون من اقاربه واصدقائه ، احس بوحشة قاتلة حينما بقي وحيداً في منزل الاسرة الذي كان بالامس يضج بالحركة والحياة ، دخل المطبخ واذا به يسمع صوت امه ياتي من بعيد بصيحاتها المعتادة : لاتدخل بحذاءك للبيت ، انك ولد مهمل ، اذهب واغسل وجهك ويدك جيداً لتتناول وجبة العشاء ، الى متى تبقى تنثر ملابسك هنا وهناك ، وكلام عتب ولوم من الذي اعتاد عليه يومياً ، وبالرغم من انه كان حينها يتأفف وينزعج من تلك الصرخات واحيانا يرد على أمه بقسوة كردة فعل ليسكتها ، الا انه كان يتقطع الماً واشتياقاً لتلك الصرخات ويتمنى عودة امه للحياة ليسمع صوتها وهي تصرخ بوجهه من جديد ، بدأت دموعه تنهمل حنينا واشتياقاً لأمه التي كان يعلم كم تحبه وتخاف عليه ، فبالرغم من شدتها وقسوتها احياناً ، كانت تحمل قلباً حنوناً لايحمله احداً تجاهه ، كانت اذا تأخر قليلا خارج المنزل لايهدأ بالها وتبقى تنتظره على أحر من الجمر وعينها على الباب تنتظر عودته حتى يدخل المنزل وتطمئن عليه ، كانت تحرص على توفير كل احتياجاته وتقصر بحقها بغية اسعاده .

وهو يتذكر تلك اللحظات المؤلمة التفت للمكان المعتاد الذي كان يجلس والده وهو يشرب الشاي يقلب القنوات ، يتابع الاخبار عبر جهاز التلفزيون المركون في زاوية غرفة المعيشة ، تذكر نصائحه المستمرة التي كان يكثر منها لمصلحته ، كانت تلك النصائح تخص تصرفاته غير المنضبطة ، مثل عدم الاهتمام بمستقبله ، وقضاء اغلب اوقاته متاخراً مع اصدقائه خارج المنزل ، وسهره حتى الصباح كل يوم ، الى جانب توجهات شبابية اخرى لاتنسجم مع تقاليد العائلة التي كان والده يتمنى ان يتجاوزها ابنه ليكون شخصاً محترماً ، لكن وائل كان دائما في صراع فكري محتدم لايرضخ لتلك التوجيهات والنصائح .. وعلى الفور توجه وائل يُقبّل مكان جلوس والده ويبكي ندماً ، ويخاطب روح والده : كنت محقاً ياوالدي بكل كلمة قلتها لي ناصحاً ، سامحني لانني لم آخذ بها وكنت اعاندك في كل شيء ، أنا نادم يا ابي لكل لحظة اغضبتك واحزنتك فيها ، قالها وهو متاثراً جداً ، حزيناً ، يائساً .

ومن دون شعور توجه لغرفة والده ووالدته وفتح دولاب ملابسهما ليرى ثياب والدته التي كانت تعتني بها وترتديها كلما تنوي الخروج مع والده في مناسبةٍ ما ، ووقع عينه على معطفها الجميل الذي كانت ترتديه ليدفيها من برد الشتاء ، أمسك المعطف واخذ يشم منه عطرها والحزن يعتريه ، وهكذا ظلّ يمضي ايامه مع يوميات غُمّست بذكريات ٍمؤلمة .

مضت الايام بسرعة وجد وائل نفسه وحيدا انفض من حوله الجميع ، اصدقاؤه اقاربه ، شعر بفراغ كبير ، واحس بقيمة والديه ، ووجد نفسه بحاجة الى عمل ليعيل نفسه لكنه لايجيد اي شيء ، سيما وانه تعود على الدلال والاتكال على والديه اللذان كانا يوفران له كل متطلباته اليومية .

ندم وائل على الايام التي قضاها باللهو واللعب مع اصدقائه ، اذ لم يفكر يوما ان يجد له عملاً مناسبا يعتمد عليه بعد الله ليسترزق منه ، انه فقدَ كل شيء في لحظة وصار في وضعٍ صعب يرثى له بعدما نفذ ماله المتبقي مما تركه والديه ، ولاندري ما سيحل به ، وهل سيجد عملاً يعيل به نفسه ، وكيف سيواجه صعوبة الحياة التي حتماً ستقسو عليه خلال سنواته القادمة !