العراق: "الإطار التنسيقي" يتنصل من وعد إجراء الانتخابات المبكرة
من تظاهرات تطالب بانتخابات مبكرة، سبتمبر 2022 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
يبدو التراجع عن بند الانتخابات المبكرة من قِبل تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق واضحاً خلال المرحلة الحالية، على عكس الفترة التي أعقبت تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. وكان السوداني قد تعهد بإجراء هذه الانتخابات خلال مدة زمنية لا تتجاوز العام الواحد، وصوّت على ذلك البرلمان كبند مستقل داخل البرنامج الحكومي للسوداني. إلا أن قادة بارزين في تحالف "الإطار التنسيقي" تراجعوا عن هذا المطلب، بحجة أن السوداني نجح في إدارة الحكومة، ولم تعد هناك حاجة لإجراء الانتخابات.
وقال رئيس الوزراء الأسبق، القيادي في "الإطار التنسيقي" نوري المالكي، إن "تعهّد حكومة السوداني بإجراء انتخابات مبكرة بات غير ملزم، بعد تجاوز الأزمة السياسية"، واعتبر في مقابلة بثتها محطة تلفزيون عراقية محلية، السبت الماضي، أن "الحكومة تستطيع وفق العمل بالبرنامج المحدد الاستمرار إلى نهاية الدورة الانتخابية"، في إشارة إلى استمرار عمل حكومة السوداني لأربع سنوات كاملة.
بدروه، قال القيادي في تيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم حسن فدعم، في تصريح قبل أيام، إن حكومة السوداني سوف تكمل فترتها من دون الحاجة إلى إجراء انتخابات مبكّرة.
رهان على بقاء حكومة السوداني
وكان من المقرر أن تشهد العاصمة العراقية بغداد، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اجتماعات لبحث مسألة إجراء الانتخابات المبكرة، والاتفاق عليها سياسياً، على أن يلي ذلك اتجاه البرلمان لإجراء تعديل على قانون الانتخابات الحالي، وفقاً لما كانت تطالب به قوى "الإطار التنسيقي"، التي تعتبر القانون الحالي سبباً رئيسياً في تراجع حظوظها بالانتخابات الأخيرة، بسبب تشتيت جمهورها بين الدوائر الانتخابية المتعددة. لكن تلك الاجتماعات لم تُعقد، وتلاشى اهتمام القوى السياسية بها، إذ لم تصدر دعوة عن أي طرف سياسي لعقد الاجتماعات أو التفاهم حيال ملف الانتخابات المبكرة.
قبل ذلك، أشارت مفوضية الانتخابات في العراق إلى أن "إجراء انتخابات مبكرة يحتاج إلى توفير قانون للانتخابات، وإلى موازنة مالية كافية لإتمام العملية الانتخابية، وأنها تتوقف على طبيعة القانون، لا سيما أن هذه القوانين معقّدة وتحتاج إلى وقت لغرض تطبيقها من قبل المفوضية"، وأكدت أن "إمكانية إجراء انتخابات مبكرة خلال سنة يعتمد على القانون وتوفير الأموال، إضافة إلى الوقت لإجراء العملية الانتخابية".
في السياق، قال النائب عن "الإطار التنسيقي" عارف الحمامي إن "الاتفاق السياسي الذي جرى بين القوى المشاركة بالحكومة بشأن الانتخابات المبكرة، كان مرتبطاً بنجاح أو فشل السوداني في مهامه، وهو العامل الأساسي الذي رُهنت فيه عملية إجراء الانتخابات من عدمها"، واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "حكومة السوداني تعمل وفق خطط مدروسة، ولغاية الآن لم نسجل أي إخفاقات صريحة".
الحمامي: حكومة السوداني تعمل وفق خطط مدروسة، ولغاية الآن لم نسجل أي إخفاقات صريحة
ورداً على سؤال حول من سيقرر إذا كانت هذه الحكومة قد فشلت أم لا، قال الحمامي: "قد تكون هناك هفوات، لكنها بكل تأكيد (حكومة السوداني) تسير ضمن البرنامج المرسوم، بالتالي فإن قطع الطريق عليها بالعودة إلى الانتخابات المبكرة قد لا يحقق حكومة أفضل من الحكومة الحالية".
تحذير من غضب شعبي
من جهته، بيَّن العضو المستقل في مجلس النواب هادي السلامي، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "مشروع تعديل قانون الانتخابات كان يجب أن يُنجز قبل نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، ومن ضمنه التعديلات، وهي مسألة العد والفرز الإلكتروني ليكون يدوياً، ومراجعة توزيع الدوائر الانتخابية، إلى جانب معالجة مسألة انتخابات العراقيين في الخارج الذين تم حرمانهم في الانتخابات الماضية من الاقتراع".
السلامي: عدم إجراء الانتخابات المبكرة ينذر بغضب شعبي كبير
وحذر من أن "عدم إجراء الانتخابات المبكرة ينذر بغضب شعبي كبير، لا سيما أن المطالبة بها كانت من قبل المحتجين والقوى المدنية والوطنية".
ولفت السلامي إلى أن "القوى السياسية في تحالف (إدارة الدولة)، تريد أن تبقي الحكومة الحالية لأربع سنوات، باعتبار أن الحاجة انتفت للانتخابات المبكرة"، معتبراً أن "هذا حديث غير منطقي، لا سيما أن قوى الإطار التنسيقي زجّت بجماهيرها للاحتجاج ضد الانتخابات وطالبت بالانتخابات المبكرة، وذلك قبل انسحاب مقتدى الصدر، لكن مع تسلّمها زمام الأمور، فإنها تنصلت من هذا البند الأساسي في البرنامج الحكومي".
ويُعدّ التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، من أشد المعارضين لحكومة السوداني، وقد عطّل بعد إعلان ترشح الأخير لرئاسة الحكومة، عمل البرلمان، عبر اقتحام أنصاره له واعتصامهم فيه لأكثر من شهر. وطالب التيار بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، ثم انسحب من البرلمان باستقالة جماعية، على الرغم من أنه كان الأكثر عدداً بـ73 نائباً.
من جهته، لفت الناشط السياسي المقرب من التيار الصدري عصام حسين إلى أن "الاتفاقات السياسية وعقلية الصفقات هي سبب الصراعات في البلاد منذ عام 2003 ولغاية الآن، إضافة إلى المتغيرات التي تحدث من خلال شراء النواب، وتأسيس الجبهات السياسية الجديدة".
واعتبر حسين أن "ذلك صنع مجموعة سياسية لا تلتزم أمام شعبها بالبرامج أو التعهدات الحكومية، سواء ما تعلق بالانتخابات المبكرة أو غيرها"، مضيفاً إلى ذلك "التدخلات الأميركية التي يبدو أنها داعمة للسوداني، والتماهي ما بين قوى الإطار التنسيقي التي تتحدث عن مقاومة الاحتلال الأميركي وما بين السفيرة الأميركية التي تتدخل في شؤون كل الوزارات ومسارات الحياة السياسية".
وأضاف حسين، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة ملزمة بإجراء الانتخابات المبكرة، لأنها ذكرت ذلك في البرنامج الذي صوّت عليه مجلس النواب"، لافتاً إلى أن "مشاركة الصدريين فيها سواء أجريت أو تأجلت، مرتبط بالسيد مقتدى الصدر الذي قال في وقت سابق إنه لن يشارك فيها، لكن يبقى القرار قراره".
أما الخبير القانوني سالم حواس، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية ما يُذكر في البرنامج الحكومي لا يطبّق على أرض الواقع في العراق، كما أن عدم تطبيقه لا يعرّض رئيس الوزراء إلى المساءلة القانونية"، ولفت إلى أن "الانتخابات المبكرة تعتمد على اتفاق ثلاثي يجري بين الحكومة والبرلمان ومفوضية الانتخابات، وإجراؤها يعتمد على تشريع قانون جديد فلا يمكن إجراؤها وفق القانون السابق".