أولى خطوات بناء المنارة الحدباء في الموصل
بدأت أولى الخطوات العملية لإعادة بناء منارة الحدباء في الجامع النوري في المدينة القديمة من الموصل بمحافظة نينوى العراقية بعد سنوات من الانتظار.
وتأخرت الخطوات جرّاء تعسّر حصول الموافقات الأمنية للفرق العاملة في تلك المنطقة، بسبب المخاوف من وجود ألغام وعبوات ناسفة، ناهيك عن العرقلة التي تعترف بها الأوساط المحلية في الموصل من قبل الفصائل المسلحة المتنفذة في المدينة، والتي ما تزال تسيطر على المدينة.
وقال المتحدث باسم وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، أحمد العلياوي، إن "الحديث عن منارة الحدباء التاريخية هو ضمن مشروع إعمار كبير تقوده منظمة "يونسكو" بتمويل يفوق 50 مليون دولار، وأن فرق "يونسكو" من خبراء ومستشارين شخصوا واقع المبنى الأثري، وقاموا بحصر الأجزاء التي سقطت من المنارة، وتمّ اتخاذ القرارات اللازمة لتدعيم المنارة من جهة، والحفاظ على أساساتها من جهة أخرى".
وأضاف العلياوي، في تصريحٍ صحافي، أن "منظمة يونسكو حسمت الجدل بقرار إعادة بناء الجزء المدمر من المنارة الحدباء بطبقاتها السبع ونقوشها التاريخية، فوق الجزء المتبقي من أساسها، وعدم اختيار موقع جديد للبناء، بعد التأكد من قدرة وكفاءة الأساسات، وعدم تضررها من اهتزاز الانفجار الذي طاولها، عبر مراكز تحليل الإنشاءات والجهد الهندسي للمنظمة".
كما أشار إلى أن القرار جاء "للحفاظ على العمق التاريخي والحضاري للمبنى، وأن الأعمال تجري بمشاركة وزارة الثقافة والسياحة والآثار، فضلاً عن الهيئة العامة للآثار والتراث، بالإضافة لخبراء استشاريين من جامعة الموصل"، مؤكداً أن "هناك عمليات إضافية للإعمار، تمثلت بجمع القطع الأثرية المتناثرة من المنارة وصيانتها، تمهيدا لمحاولة إعادتها ضمن البناء الجديد، وأن المنارة ستعود جميع قطعها كما كانت".
ولفت إلى أن "أعمال الإعمار تضمنت الحفر وصولاً إلى قاعدة المنارة، للتأكد من قدرة أساساتها على حمل الثقل الذي يضاف فوق المتبقي من الانفجار"، معتبراً أن "عمليات الإعمار مستمرة على قدم وساق، من أجل إكمال منارة الحدباء في أسرع وقت ممكن وبجميع قطعها التاريخية".
يشار إلى أن جامع النوري يحمل رمزية كبيرة لدى تنظيم "داعش"، لأن منبره شهد خطبة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الشهيرة التي أعلن فيها قيام ما أسماها "الخلافة الإسلامية" عقب سيطرة التنظيم على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسورية بعد يونيو/حزيران 2014.
وسبق أن عبّرت "اللجنة العراقية الفنية لإعادة إعمار جامع النوري" التاريخي عن استغرابها من التصميم الجديد الذي وضعه مهندسون مصريون فازوا بمسابقة دولية لإعادة بنائه.
وطالب مقرر اللجنة، مقدام جميل، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" التي نظمت المسابقة، بإيقاف التصميم وعدم اعتماده، قائلاً إنه "غريب عن الموصل ولا يرمز إلى المدينة". وأضاف، في تصريح صحافي، أن التصميم يُعَدّ "مجحفاً بحق المعماريين العراقيين".
من جهته، أشار الباحث في مجال الآثار والتراث، مصطفى الجماس، إلى أن "منارة الحدباء تأخر موعد إعمارها، بسبب المشاكل الأمنية، وكذلك الضغوط السياسية على يونسكو، حيث أرادت بعض الجهات الحصول على المنح الأممية والدخول على خط إعمار المنارة والجامع"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "التصميم الجديد لن يختلف عن السابق الذي دمرته الجماعات الإرهابية، لكن هناك لمسات جديدة، وسيُبنى الجامع والمنارة بنفس الشكل القديم، وحتى القطع السليمة التي سيتم إعادتها إلى أماكنها السابقة".
وترجع تسمية مسجد النوري إلى بانيه نور الدين الزنكي في عام 1172. ودمر المسجد ثم أعيد بناؤه في عام 1942. ومن هناك، قام زعيم تنظيم "داعش" السابق أبو بكر البغدادي بأول ظهور له وأعلن في صيف عام 2014 قيام ما أسماها "الخلافة".
وجمعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) حوالي مائة مليون دولار منذ عام 2019. ويفترض أن تنتهي أعمال الترميم في المسجد بحلول نهاية عام 2023.