"أوراق سعدون حمادي"... ثلاثة مجلدات تتأمل الحياة السياسية في العراق
ندوة إطلاق الجزء الثاني من كتاب "أوراق سعدون حمادي" (العربي الجديد)
أقام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، مساء اليوم الأحد، ندوة إطلاق الجزء الثاني من كتاب "أوراق سعدون حمادي" في ثلاثة مجلدات، ضمت محاضر ويوميات حمادي (1930- 2007) بوصفه أحد أبرز قادة ومسؤولي الدولة العراقية من عام 1969 حتى 2003.
تحدّث في الندوة كل من، طاهر كنعان، وناجي صبري، ومحمد المسفر.
أدار الندوة رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيدر سعيد، وبيّن أن تقديم هذه المذكرات الضخمة، بما فيها من "مذكرات وتأملات" في الجزءين الأول والثاني من "محاضر ويوميات"، والتي ناهزت 650 ألف كلمة، يأتي في إطار سياسة المركز لتقديم الذاكرة السياسية لفاعلين بارزين إبان الخمسين سنة الأخيرة.
ولفت سعيد إلى أن الكتاب الجديد قُسّم تقسيماً موضوعياً وزمنياً. فدار المجلد الأول بدءاً من عام 1969 حين كان حمادي مديراً لشركة النفط الوطنية ثم وزيراً للنفط، حتى عام 1979 تاريخ تولي صدام حسين الرئاسة. أما الجزء الثاني، فيعاين المرحلة من 1979 حتى مطلع عام 1989، حين غادر حمادي وزارة الخارجية، والجزء الثالث من عام 1983 وحتى الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
في بيروت
إلى جانب "سعة الثقافة"، فإن الصفة الشخصية البارزة لسعدون حمادي هي "المناقبية الأخلاقية العالية التي لا تترفع عن الاعتراف بالتقصير الشخصي حين يقع".
هذا ما ورد على لسان طاهر كنعان، رئيس مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي عرف حمادي منذ دراستهما في الجامعة الأميركية ببيروت، والتحاقهما بحلقتين لحزب البعث بفارق سنوات بينهما (1949 لحمادي وكنعان عام 1954)، لتنمو هذه العلاقة إلى زمالة مباشرة في بيروت أيضاً، حين أخذ حمادي زمام المبادرة لتأسيس مركز دراسات الوحدة العربية عام 1974، مشيراً إلى أن حصيلة هذه الحياة السياسية الفكرية للرجل تؤكد أنه من الآباء المؤسسين للحزب، ومن نخبته الأعلى ثقافة ومهنية، إلى جانب ميشيل عفلق ومنيف الرزاز.
وظائف متعددة
في مشاركته، أشار ناجي صبري، الأكاديمي ووزير خارجية العراق الأسبق، إلى أن تولي حمادي حقائب الزراعة والنفط والدبلوماسية، وترؤسه لأول جريدة تصدرها قيادة ثورة 14 تموز، إضافة إلى كونه مفكراً وكاتباً، كان محل تقدير، وأنه أدار مجالات العمل المختلفة بحنكة وجدية.
وتبعاً لقراءته هذه المذكرات التي اطلع عليها مخطوطة قبل صدورها، ومعرفته الشخصية به التي بدأت منذ أواسط السبعينيات وصولاً إلى احتضان قطر لحمادي وعائلته عقب خروجه من سجن الاحتلال الأميركي للعراق، خرج صبري بخلاصة مفادها، أن السمة البارزة لديه كانت عدم الانغلاق، والتعامل الإيجابي مع التحولات المجتمعية، ومراجعة الذات.
وتناول صبري توجهاً واقعياً في موضوع الوحدة العربية عند حمادي، مبيناً أنه نظر إليها بوصفها مظهراً، مهما كانت هوية النظام السياسي، مع ضرورة التفكير في الجانب المرحلي للوحدة واستبعاد القوة في تحقيقها.
ولفت إلى أن المذكرات تطرقت أكثر من مرة إلى مواقف النخب والأفراد من مسألة "الحقيقة"، وإلى أن حمادي يرى أن لا أحد تهبط عليه الحقيقة الكاملة، بل ينبغي أن تكون ملك الجماهير، وعلى النخبة بالتالي الإصغاء لصوت الناس، وحين أهملت الحقيقة الجماهيرية في العراق وسورية، تأسست خطوات صلبة باتجاه الاستبداد.
وكما تحدث طاهر كنعان عن مناقبية الاعتراف بالخطأ، ساق صبري بشأنها جملة من الأمثلة، من أبرزها الشأن الزراعي، وتحديداً كتاب حمادي "الإصلاح الزراعي الاشتراكي"، الذي أصدره عام 1964، ودعا فيه إلى تأميم الأراضي الزراعية، غير أنه بعد فترة تراجع عن هذا الموقف وقال إنه أخطأ، مبيناً أن مزارع الدولة تخلق قيادات بيرقراطية وتخنق الزراعة، مشيراً إلى فشل التجارب الشيوعية في هذا السياق.
وأخيراً عرض صبري لما قاله حمادي بشأن المظاهر الملازمة للسلطة، منتقداً ضمنياً ومعترفاً بالأخطاء، في حديثه عن القاعدة والقيادة والإفراط في الأمن وطموح القادة إلى المجد وتعظيم النفس والخلط بين العام والخاص.
إلى الدوحة
استعرض محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر، معرفته بحمادي في بيروت، منذ عام 1968 مروراً بعام 2004 في العاصمة الأردنية عمان، بعد خروجه من سجن الاحتلال الأميركي، عارضاً جملة من المواقف التي تبناها كتابه تجاه مفاصل تاريخية وقيادات حزبية وسياسية.
وبيّن المسفر أن حمادي طلب غير مرّة العيش في قطر على وجه الخصوص، الأمر الذي تحقق بعد فترة وجيزة من مكوثة في عمّان، مضيفاً أن حمادي كان لديه تقييم إيجابي يثمن فيه خطوة قطر التي كانت أول دولة خليجية تعيد سفيرها إلى بغداد بعد انتهاء حرب الخليج الأولى.
ولدى مروره على الانعطافات التاريخية التي عاينها حمادي، أضاء المسفر بعضاً من مواقفه بتلخيص، ومن بينها موقفه بحسب الكتاب من الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم، الذي قال إنه "انفرد بالسلطة"، وكذلك انتقد جمال عبد الناصر بشدة الذي حل حزبهم في سورية إبان الوحدة مع مصر.
وأشار المسفر إلى أن حمادي وصف الرئيس العراقي عبد السلام عارف، الذي تولى الحكم بعد اغتيال عبد الكريم قاسم، بأنه "من أسوأ من تولوا المسؤولية"، وبأنه "جاهل وطموح من دون استحقاق"، وهذه "القسوة" في الحكم على عارف لم يجدها في كتب بعثيين آخرين ممن طالع كتبهم.
وبشأن تسلمه رئاسة الوزراء عام 1991، قرأ المسفر كيف كان ذلك نقطة تحول، إذ لأول مرة تنفصل رئاسة الوزارة عن رئاسة الدولة، فألغى حمادي سمات العسكرة وأحل محلها مظاهر مدنية، لكنه ووجه بمقاومة من الحزب، وأقيل من رئاسة الوزارة، تحت وطأة النميمة والوشايات.
وأخيراً اعتبر المسفر ما قاله حمادي في إعدام صدام حسين بأنه أبلغ تعبير عن اللحظة التي توزعت فيها دماء صدام كما توزع دم عثمان. فثمة قضية "الدجيل" تخص حزب الدعوة، وهو الحزب الحاكم بعد الاحتلال، والذي أمر بالإعدام، وقضية "الأنفال" وتخص الأكراد، وقضية التمرد في الجنوب بعد الانسحاب من الكويت وتخص إيران والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والتجار وطبقة المال، وهذه القوى جميعها تحققت أمنياتها على حبل المشنقة.