نفط العراق في قبضة الصين... توغل عبر "وكلاء" النفوذ الإيراني
العراق يأمل في زيادة إنتاج النفط إلى 8 ملايين برميل في 2027 (فرانس برس)
تتحرك الصين بهدوء نحو إحكام قبضتها على مكامن إنتاج النفط في العراق لتحل محل الشركات الأميركية والأوروبية التي طالما تمتعت بحضور قوي على مدار عقود ماضية، لتأتي الوساطة الفعالة التي لعبتها فيما توصف بـ"المصالحة" بين السعودية وإيران في مارس/آذار الجاري، ضمن مخطط أشمل وضعته بكين لدعم حضورها بشكل أكبر في منطقة غنية بثروات النفط والغاز.
ورغم أن إنتاج العراق من النفط الخام عالق بين مستوى 4 و4.7 ملايين برميل يومياً منذ عام 2016، إلا أنه مؤهل للوصول إلى مستوى 12 مليون برميل يومياً، بما يفوق إنتاج السعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، والتي بلغ متوسط إنتاجها العام الماضي 10.53 ملايين برميل يومياً، وفق مسؤولين عراقيين ورؤساء تنفيذيين في شركات نفط غربية.
ووسط التقارب الصيني الإيراني، أصبح لطهران "دور أكبر في أن تفعل كل ما في وسعها لوقف الصفقات الكبرى التي تجريها الشركات الغربية في العراق"، وفق تحليل لنشرة "أويل برايس" الأميركية، مشيرا إلى أن "لإيران نفوذا هائلا في العراق من خلال وكلاء سياسيين وعسكريين واقتصاديين".
وقال مصدر في الطاقة بالاتحاد الأوروبي لـ"أويل برايس" إن "الصين تريد كل مكامن النفط والغاز الكبيرة في الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أنها أمنت وجودها في العراق بالتعاون الاستراتيجي مع إيران، وكذلك التقارب مع السعودية.
وقبل أسابيع قليلة من الوساطة التي أجرتها الصين لإتمام اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في العاشر من مارس/آذار الجاري، قال مصدر كبير يعمل عن كثب مع وزارة النفط الإيرانية، لنشرة "أويل برايس" إن الصين تخطط لأخذ حصة الأسد من استخراج النفط العراقي، موضحا أن من المقرر أن تصبح شركة "بتروتشاينا" المشغل الرئيسي الوحيد لحقل "غرب القرنة 1" النفطي العملاق في العراق، حيث اقتربت شركة "إكسون موبيل" من بيع حصتها البالغة 32.7% في الحقل. وحقل "غرب القرنة 1" من الحقول الضخمة في العالم إلى جانب حقل مجنون. و"بتروتشاينا" هي الذراع التابعة لشركة البترول الوطنية الصينية "سي أن بي سي".
وتزامنت هذه التصريحات مع منح وزارة النفط العراقية في فبراير/ شباط الماضي ستة امتيازات نفطية لثلاث شركات من الصين في إطار جولة التراخيص الخامسة، بحسب تصريحات وزير النفط العراقي حيان عبد الغني.
ويقع حقل القرنة على بعد حوالي 65 كيلومتراً من البصرة، مركز النفط والتصدير الرئيسي في جنوب العراق، ويحتوي على جزء كبير من الاحتياطيات النفطية العراقية القابلة للاستخراج والمقدرة بنحو 43 مليار برميل في العراق، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
وتضم منطقة "غرب القرنة" الغنية بالبترول حقلي نفط كبيرين، هما "غرب القرنة 1" و"غرب القرنة 2". وحسب "أويل برايس"، كان يُعتقد أن حقل "غرب القرنة 1" يحتوي على حوالي 9 مليارات برميل من هذه الاحتياطيات، لكن وزارة النفط العراقية قالت في أوائل عام 2019، إن احتياطيات الحقل القابلة للاستخراج تزيد عن 20 مليار برميل.
وأضافت الوزارة أن الخطط تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للحقل من النفط الخام إلى أكثر من 700 ألف برميل يومياً بحلول نهاية عام 2025 من مستوى الإنتاج الحالي الذي يراوح بين 450 ألفا و500 ألف برميل يومياً.
وتمتاز حقول النفط العراقية بكلفة استخراج ضئيلة للغاية مقارنة بكلف الاستخراج بالحقول العالمية، حيث تراوح كلفة استخراج برميل النفط الخام من حقل "غرب القرنة 1" بين دولار ودولارين للبرميل فقط، باستثناء النفقات الرأسمالية.
ومع التمدد الهادئ للصين في مواقع النفط العراقية، يحيط الغموض باتفاقية ضخمة مجمدة، أبرمها العراق مع شركة "توتال" الفرنسية قبل عامين باستثمارات تقدر بـ 27 مليار دولار، وكان ينظر إليها بأهمية بالغة لقدرتها على زيادة إنتاج العراق إلى مستويات كبيرة.
وتتعلق الاتفاقية بـ 4 مشروعات للنفط والغاز والطاقة المتجددة في منطقة البصرة على مدى 25 عاما، لكن جرى تعليق العمل بالاتفاق، بعد خلافات تتعلق بحصة الحكومة العراقية وفق مصادر حكومية، إذ طلبت بغداد 40%، ما جعل الكثير من الشكوك تحوم حول تنفيذ الصفقة، وفق خبير الطاقة البريطاني سايمون واتكنز.
في الأثناء تحظى الشركات الصينية بحضور لافت في حقل "مجنون" أيضا أحد أكبر الحقول العراقية، إذ تسعى لزيادة إنتاجه من مستواه الحالي البالغ حوالي 240 ألف برميل يومياً إلى 600 ألف برميل في اليوم بحلول عام 2026. وحقل مجنون حقل مشترك بين العراق وإيران، يُعرف في إيران باسم "أزاديغان"، والذي ينقسم بدوره إلى حقلين عملاقين - شمال أزاديغان وجنوب أزاديغان وتقوم شركة البترول الوطنية بتشغيل الحقل. وتقدر احتياطيات حقل مجنون بنحو 38 مليار برميل.
وسعت الصين خلال السنوات الماضية إلى تحركات هادئة في مجال الطاقة بالعراق، خاصة في ظل الحرب التجارية التي خاضتها الولايات المتحدة ضدها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إذ تجنبت توقيع صفقات ضخمة ولافتة للانتباه لعقود التنقيب والتطوير في الحقول، وبدلاً من ذلك تمكنت سلسلة من شركات الهندسة والخدمات الصينية غير المعروفة من الحصول على عقود تتعلق بتحديث المرافق وخدمات التطوير والإدارة في البداية.
والصين من أكبر المشترين للخام العراقي، والشركات الحكومية الصينية تمكنت أخيراً من إنشاء وضع مهيمن بقطاع النفط في هذا البلد. والعراق هو ثاني أكبر مُنتج للنفط في منظمة "أوبك". كما أن بكين أكبر مستثمر في العراق، وكانت بغداد أكبر مستفيد العام الماضي من مبادرة الحزام والطريق الصينية إذ تلقت تمويلاً قدره 10.5 مليارات دولار لمشروعات في البنية الأساسية.
وخلال السنوات العشر الماضية مثلت إيرادات النفط 99% من إجمالي صادرات العراق و85% من الموازنة العامة للبلاد ونحو 42% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لبيانات البنك الدولي. ويعتزم العراق خلال العام الجاري تصدير 3.5 ملايين برميل سنوياً، وفق ما أقرته حكومة البلاد في موازنتها للعام الجاري.
وحققت بغداد خلال العام الماضي إيرادات مالية بأكثر من 115 مليار دولار جراء تصدير النفط الخام، لتكون الأعلى منذ سنوات، بحسب الأرقام الرسمية. ويأمل البلد في الوصول إلى إنتاج 6 ملايين برميل يوميا في غضون عامين، في إطار خطة مستقبلية للوصول إلى 8 ملايين برميل يومياً في نهاية عام 2027 بالتعاون مع الشركات الأجنبية.
ويبدو أن استفادة الصين من النفط العراقي ستكون مضاعفة بالنظر إلى عمل مصافيها على إعادة تصدير منتجات النفط المكررة، إذ يستورد العراق المشتقات النفطية الرئيسية، كالبنزين وزيت الغاز والنفط الأبيض. ووفقاً لشركة "سومو"، جرى العام الماضي استيراد أكثر من 5 ملايين طن من المشتقات النفطية، بقيمة 5.3 مليارات دولار، مقابل 4.7 ملايين طن، بقيمة 3.3 مليارات دولار، في 2021. وكان البنزين الأكثر استيراداً بقيمة 3.8 مليارات دولار، يليه زيت الغاز بأكثر من 1.2 مليار دولار.
وإيران لاعب رئيسي من خلف الكواليس في معادلة عقود النفط العراقية، إذ تعد احتياطيات النفط والغاز العراقي الهائلة، أهم طعم تقدمه إيران للشركات الدولية، وسبق أن انتهجت السياسة نفسها، وفق محللين، مع شركات الطاقة الغربية، قبيل إبرام الاتفاق النووي في 2015، لكن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق في 2018 وجه ضربة قوية لخطط الشركات الغربية في العراق.
وتعمل الصين على التوسع في قطاعي النفط والغاز، بالتزامن مع التوغل في مجالات أخرى. إذ تعتزم بغداد سداد قيمة واردات القطاع الخاص من الصين بعملة اليوان. وسيقدم البنك المركزي اليوان لجهات الإقراض المحلية للتعامل مع نظرائها في الصين، وفق بيان نشر، نهاية فبراير/ شباط الماضي، وسوف يوفر العملة الصينية إلى المستفيدين النهائيين أيضاً عبر بعض حسابات البنك المركزي الخاصة.
وينضم العراق، بذلك إلى الاقتصادات البارزة في المنطقة مثل السعودية والإمارات، في استكشاف الروابط التجارية غير النفطية، مستخدماً عملات مختلفة غير الدولار الأميركي، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية. لكن مظهر صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس وزراء العراق، قال حينها إن هذا الإجراء لن يمتد تطبيقه إلى تجارة العراق النفطية، موضحاً: "هذا الإجراء يغطي فقط واردات القطاع الخاص".