اخبار العراق الان

بيت الشيوعيين .. بيتُنا

بيت الشيوعيين .. بيتُنا
شفق نيوز

2023-04-02T15:39:48.000000Z

لم تكن الفكرة طوباوية حين تداولها الحضور في احدى جلسات المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي، ونقصد هنا فكرة بناء مقر مركزي للحزب، فيما هو لا يمتلك مالا يمكّنه من ذلك.  

ولم تكن شحة المال وحدها تقف عائقا امام التنفيذ، وانما كانت هناك جملة عراقيل وموانع، بينها تراجع ظاهرة الأحزاب السياسية، التي لم يبق بريقها ساطعا كما في السابق، فيما تعمقت ازمة الثقة بها في العراق اكثر واكثر، ارتباطا باحتكار السلطة من قبل الحزب الواحد في عهد الدكتاتورية، وانتهاء بتحكم الأحزاب الطائفية وترسخ استحواذها وتهميشها الآخرين، حتى غدا الانتماء للأحزاب الحاكمة الباب الأساسي للحصول على المناصب العامة والمنافع الشخصية والمكاسب الانانية. وفي النتيجة تغيرت النظرة الى الأحزاب بعد ان استبدل معظمها التضحية والعطاء بالاستيلاء على الاملاك والأموال العامة، والإثراء بمال الفساد، الأمر الذي زاد الازمة عمقا، وشوّه الحياة الحزبية وجعلها في عيون الناس محط ازدراء.

الا ان فكرة بناء مقر لحزب شيوعي شحيح الإمكانات المالية، لم تكن مجرد أمنية تطرح في ثنايا النقاش، ثم سرعان ما تُترك كما يحصل غالبا حين لا تكتمل اركان الفكرة الأساسية. انما جاءت في سياق فكري رصين، انطلاقا من رؤية تستند على فهم مفاده ان الحزب الشيوعي العراقي لا يخص اعضاءه فقط، وانما هو مؤسسة يسارية ديمقراطية عامة، تتحرك في ساحة مجتمعية واسعة، وهدفها رفعة الشأن العام. 

وبهذا المعنى يغدو الأمر محط اهتمام وعناية الآخرين، فالمؤسسة هنا فكرية ثقافية سياسية يرتبط تاريخها بتاريخ العراق المعاصر، وقد نشطت كحزب سياسي هدفه رفعة شأن المواطن والوطن، وتأمين الكرامة، وإنجاز الاستقلال والسيادة، في سياق عملية التحرر والتمدن والتقدم والعدالة والمساواة. 

ومن اجل هذه الأهداف النبيلة وما يتفرع منها، والتصدي لما هو شائن وفاسد ورديء، انخرط آلاف المواطنين منذ التأسيس قبل 89 عاما حتى الان، اجيالا بعد اجيال، أعضاء وأصدقاء، في مسيرة كفاح طويلة لا نهاية لقصصها. 

تلك هي الرؤية الكامنة وراء حملة التبرعات، التي سجلت سخاء لافتا للأصدقاء والمؤازرين، وحتى لبعض قيادات الأحزاب الوطنية الأخرى. 

واليوم إذ نحيي عيد 31 آذار بوضع الحجر الأساس لمقر حزبنا، الذي تأسس في مثل هذا  التاريخ قبل 89 سنة، ومد جذوره في أعماق الريف والمدن، من آخر قرية في اهوار الجنوب الى أعلى قمة في كردستان، معبدا مسيرته بعظيم التضحيات، نقول بوضوح ان الحزب ليس بمقره، بل بمشروعه الواعد ومسيرته الظافرة. 

لم يكن بين اهداف بناء المقر افتتاح متحف تاريخي، مع انه تاريخ مجيد ومشرف لمسيرة كفاح متجددة، لا مهادنة فيها للظالم، وتضج بتضحيات حفرت في الوجدان صورا لا تمّحى من الحب للعراق، منذ ان سجل القائد الشهيد يوسف سلمان يوسف – فهد، وهو يرتقي المشنقة قوله: “كنت وطنيا قبل ان أكون شيوعيا، وحينما صرت شيوعيا صرت اشعر بمسؤولية اكبر إزاء وطني”. 

لم يكن في البال بناء متحف، مع ان صمود علي حسين الرضي (سلام عادل)، خالد في الضمير الإنساني، لا يتكرر ولا يُطاوَل، ومثله بسالة رفاقه محمد حسين أبو العيس وجمال الحيدري وغيرهما، والبطولات النادرة لحسن سريع وخالد احمد زكي وأبو كريم وصفاء أبو طحين، ولصفوف رفاقهم الآخرين يتقدمها ابطال مثل وضاح حسن وكامل شياع وشهيد تشرين علي اللامي.

نعم، ولم يكن الهدف بناء مقر لحاضر الحزب وحسب، وهو الحاضر الكفاحي المشرف  بتصديه للإرهاب والطائفية والفساد، وبشموخه نظيف اليد عفيفا امام طغمة المتنفذين، التي تربعت مع حلفائها حيتان الفساد فوق احد طرفي الفجوة الطبقية، التي تئن في طرفها الآخر الطبقات المقهورة والشرائح الاجتماعية التي تعاني من ويلات الظلم والحرمان، من التهميش والفقر والعوز. 

الفكرة باختصار هي ان يكون مقرا لمشروع المستقبل، الواعد بالتنمية المستدامة والتحرر الكامل والعدالة الاجتماعية والمساواة والانصاف ونيل الحقوق كاملة غير منقوصة، ومعها الضمانات الاجتماعية وكل ما يؤمّن للإنسان كرامته وللوطن سيادته.

والهدف هو أيضا بناء مركز للثقافة التقدمية، وفضاء للفكر التنويري، وميدان للفن في بعده الإنساني الرحب، ومشروع تنموي طموح، ومظلة سياسية يستظل بها المكافحون من اجل التغيير الشامل الذي يحقق السعادة والرفاه، وفضاء غير محدود للتطور والارتقاء، ومشعل يشع نورا للسلام على ارض الرافدين، ولتضامن العراقيين مع شعوب الأرض.