اتفاق نفطي جديد بين بغداد وأربيل ودعوات إلى الإسراع في تنفيذه
رسم الاتفاق النفطي بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان العراقي ملامح خريطة طريق واضحة المعالم للطرفين لتنظيم أكثر الملفات جدلاً واختلافاً بينهما، إذ سيضمن إعادة قرابة نصف مليون برميل نفط يومياً إلى السوق العالمية، بعد تعليق تصديرها لأكثر من أسبوع عبر ميناء جيهان التركي عقب قرار غرفة التحكيم الدولية بمنع تصدير نفط إقليم كردستان من دون موافقة السلطات الاتحادية في بغداد.
يتزامن ذلك الاتفاق مع موافقة الحكومة العراقية على تمرير صفقة شركة "توتال إنرجي" الفرنسية لاستثمار قطاع الطاقة في العراق بقيمة 27 مليار دولار أميركي لمدة 25 عاماً وبدفعة أولية تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار، بحسب وكالة "رويترز".
ووقع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الثلاثاء الاتفاق النفطي "الموقت" مع رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، فيما تضمن الاتفاق منح منصب نائب مدير عام شركة "سومو" للكرد.
كما أصدر السوداني توجيهاً فورياً بتطبيق الاتفاق الذي أبرم مع حكومة إقليم كردستان.
وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع بارزاني إن "إيقاف تصدير نفط الإقليم يضر بإيرادات العراق"، مشدداً على "الجهات الفنية المباشرة فوراً بتنفيذ الاتفاق وإيجاد السبل القانونية لهذا الأمر".
وذكر أن "هذا الاتفاق يؤكد الرغبة الجادة للحكومتين الاتحادية والإقليم في مواجهة كل المعوقات التي ورثت من الأعوام الماضية"، مشيراً إلى أن "مواجهة هذه الاستحقاقات تنبع من المصلحة العامة". وأعرب السوداني عن أمله في أن "يمضي أعضاء مجلس النواب بإقرار مشروع قانون الموازنة بأسرع وقت"، قائلاً "ينتظرنا استحقاق وهو تشريع قانون النفط والغاز الذي سيعالج كل مكامن الخلل التي رافقت هذا الملف منذ إقرار الدستور".
وثمن جهود الفريقين في الحكومتين الاتحادية والإقليم على مفاوضاتهما المهنية.
في المقابل، أكد بارزاني أن إيقاف تصدير النفط أضر بالشعب العراقي.
وقال في مؤتمر صحافي على هامش توقيع الاتفاق النفطي مع الحكومة الاتحادية إن "هذا الاتفاق لجميع الشعب العراقي".
ونوه إلى أن "إيقاف تصدير نفط الإقليم لا يضر كردستان فقط بل كل الشعب العراقي"، مبيناً أن "الجميع سيستفيد من إعادة استئناف تصدير نفط إقليم كردستان".
4 بنود أساسية
وكشف المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي عن أربعة بنود أساسية تضمنها الاتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول تصدير النفط.
وقال العوادي في تصريح تلفزيوني إن "الاتفاق تضمن أربعة بنود أساسية، الأول تصدير 400 ألف برميل من النفط يومياً من إقليم كردستان عبر شركة النفط الوطنية سومو وتسمية ممثل عن الإقليم في الشركة، وهذا يحدث للمرة الأولى، وتم الاقتراح بأن يكون في منصب معاون لرئيس شركة سومو".
وأضاف أن "البند الثاني تضمن تشكيل لجنة رباعية بمعدل ممثلين اثنين من وزارة النفط الاتحادية واثنين من وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم، وتشرف هذه اللجنة على بيع النفط المستخرج من إقليم كردستان في الأسواق العالمية إلى حين إصدار الموازنة أو الاتفاق على تسريع قانون النفط والغاز، بمعنى أن هذه النقطة موقتة".
وتابع "البند الثالث يتعلق باتفاقات إقليم كردستان مع أربع شركات عالمية، وكثير من بنود هذه الاتفاقات فيها نقاط قانونية ملزمة"، وطالب الإقليم بموجب الاتفاق بـ"الاستعانة بخبراء من وزارة النفط الاتحادية لتذليل التفاوض مع هذه الشركات بهدف تطبيق الاتفاق الجديد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونوه العوادي إلى أن "البند الرابع تضمن فتح حساب مصرفي تحت إشراف الحكومة الاتحادية"، وطالبت بغداد بأن يكون الحساب في البنك المركزي وعدلت الصيغة بأن يكون الحساب في البنك نفسه أو مصرف معتمد من البنك المركزي، ويخول رئيس حكومة كردستان بصلاحية الصرف تحت رقابة ديوان الرقابة المالية الاتحادي في ما يتعلق فقط بالموازنة الاتحادية لعام 2023.
وحول ضمانات التطبيق، ذكر العوادي أن "توقيع محضر الاتفاق بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني يوفر الضمانة".
ونوه القيادي في الإطار التنسيقي تركي جدعان باتفاق بغداد وأربيل في شأن إعادة تصدير النفط من إقليم كردستان، فيما أشار إلى أنه يحمل أربع إيجابيات.
وقال في تصريح صحافي إن "اتفاق بغداد حول تصدير النفط من حقول إقليم كردستان إلى الأسواق الدولية لحظة مهمة تحمل في طياتها أربع إيجابيات، أبرزها تصحيح مسار دستوري بأن النفط ثروة لكل العراقيين وإيراداته اتحادية، فضلاً عن أنه سيعالج شبهات الفساد في آليات التصدير ويمنع سيطرة أي قوى سواء كانت سياسية أو غيرها على أي ثروة من ثروات البلاد".
وأضاف أن "إدارة بغداد لملف النفط في إقليم كردستان، وفق آلية اتحادية، ستقطع الشكوك حول بيعه بأسعار زهيدة وهمينة بعض الشركات".
وتابع أن "الاتفاق محوري ومهم وسيكون الكرد أكثر استفادة منه، وينهي معاناة دامت أعواماً مع أزمات الوقود وارتفاع أسعاره بشكل أثقل كاهلهم".
اتفاق 2019
من جهته، رأى أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أن الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل ليس وليد اليوم، وإنما هو أحد الحلول التي اتفقوا عليها عام 2019، لكن لم يلتزم الطرفان تطبيقه، إذ تم الاتفاق حينها على تصدير النفط وتوزيع الإيرادات النفطية. ووفقاً لهذا الاتفاق، يقوم إقليم كردستان بتصدير حوالى 250 ألف برميل من النفط يومياً عبر خط أنابيب يمتد من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان التركي، وتعود الإيرادات كلها للحكومة العراقية في بغداد مع إعطاء حكومة إقليم كردستان حصتها من الموازنة بشكل كامل.
وتابع "اليوم تم تفعيل الاتفاق بشكل رسمي، أعتقد بأنه إنجاز مهم في تحسين العلاقات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بعد أعوام من النزاعات والتوترات بينهما حول الموارد النفطية وتوزيع الإيرادات".
وشدد على ضرورة أن تحل المشكلات دائماً بين بغداد وأربيل من خلال التفاوض والحوار والتعاون المشترك وتبادل الحلول العملية والمرنة التي تلبي مصالح الجانبين، معتبراً أن الأهم من ذلك هو التزام الاتفاقات التي تم التوصل إليها وتطبيقها بشكل صارم ومنتظم، وذلك لتعزيز الثقة بين الجانبين وتفادي التوترات والنزاعات المستقبلية، وأيضاً الانتباه إلى توحيد المواقف، بخاصة الخارجية والعمل بروح المصالحة والتعاون وتجاوز الخلافات السياسية والاقتصادية والأمنية.
ورأى أنه لكي تحقق بغداد وأربيل نجاحاً سياسياً عليهما الاهتمام بالتنمية من خلال تطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية في المناطق المتنازع عليها وتنمية الاقتصاد وخلق فرص العمل للمواطنين، وذلك لتحسين مستوى المعيشة والحد من الفقر، بالتالي تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين جميع أفراد المجتمع.
كما أشار الباحث الاقتصادي بسام رعد إلى أن الاتفاق الحكومي مع الإقليم على استئناف تصدير النفط الخام يقدر بأكثر من 400 ألف برميل يومياً وتمثل هذه التدفقات نحو 0.5 في المئة فقط من إمدادات النفط العالمية. هو اتفاق موقت ويتماشى مع مسودة قانون الموازنة لهذا العام الذي ينص في "المادة- 1- أولاً – ب" على احتساب الإيرادات النفطية من ضمنها 400 ألف برميل نفط يومياً عن كميات النفط المنتج في إقليم كردستان. إلا أنه من دون تشريع قانون النفط والغاز المعطل منذ عام 2007 حتى الآن، سيكون الاتفاق هشاً وموقتاً.
ويعتقد رعد بأن التفاعل الإيجابي بين السلطات الإقليمية والاتحادية يتطلب تشريعات أنظمة لأطر مؤسساتية ملائمة لضمان فاعلية التنسيق بين الإقليم والمركز. وكما هو معلوم، قامت حكومة إقليم كردستان لغاية عام 2016 بمنح 57 عقداً نفطياً لمجموعة من الشركات الأجنبية ومعظمها بصيغة عقود المشاركة في الإنتاج، مما يخالف أحكام الدستور العراقي لأن اختصاص الحكومة الاتحادية هو رسم سياسة تطوير النفط والغاز وإدارة النشاط المتعلق بهما. كما أن أي اتفاق بين المركز والإقليم يتطلب إعادة النظر بإمكانية مراجعة هذه العقود وتكييفها وفقاً للقوانين الاتحادية ودستور العراق، وبما يحقق أعلى جدوى اقتصادية للتوصل إلى حل نهائي وجذري للمشكلات المرتبطة بالملف النفطي.