التبضع من سوق الغبار السياسي في العراق
2023-04-03T18:38:09.000000Z
يمكن أن نجد نموذج صحيفة “برافدا” السوفيتية بمجرد متابعة أخبار العراق فيما تبثه وكالة الأنباء الألمانية ”د ب أ” فنشرتها أشبه بخدمات صحافية مدفوعة الثمن ومكشوفة وهي بمثابة وكالة أنباء حكومية مدافعة عن حكومة المنطقة الخضراء.
في حقيقة الأمر، ليس ”د ب أ” وحدها من تقوم بتلك الدعاية لحكومة الإطار التنسيقي، هناك ما يشبه العمى السياسي الدولي والإقليمي المتعمد وتنازل عن الضمير، في النظر الى الهدوء الخادع والبؤس السياسي في العراق، وكأنه نجاحًا لحكومة محمد شياع السوداني.
من السهولة بمكان تفنيد المؤشرات التي تزعم بهذا النجاح السياسي، بمجرد الاستماع الى الشارع العراقي، أو بالحصول على إجابات للأسئلة الوجودية الكامنة في العملية السياسية القائمة منذ عشرين عامًا، من فساد المنظومة برمتها، إلى الصراع على المغانم، ثم التوافق الهش، سطوة الميليشيات والسلاح خارج سيطرة الدولة، اللادولة القائمة سواء في المرجعيات الطائفية وسلطتها الاقتصادية المتضخمة، ثم ترقب لحظة الانفجار والانتقام ما بين أحزاب الإطار التنسيقي المشكل للحكومة نفسها، لا تنسى هنا التيار الصدري!
ذلك ما يعني ببساطة موضوعية أن أزمة العملية السياسية في العراق وجودية، والنظر لهذا الهدوء الخادع، سرعان ما سيتبدد خلال الأشهر المقبلة، وذلك ما لا تقتنع به نماذج إعلام “البرافدا” أو الحكومات الإقليمية والدولية التي ركزت على العراق خلال الأسابيع الماضية وكأنه خرج بشكل نهائي من الجلجلة بالتزامن مع مرور عشرين عامًا على احتلال البلاد ووضعها خارج التاريخ وفق وصفة أمريكية للفشل.
كل الذي حصل يمكن وصفه بالوهم السياسي المتعمد وليس الصبر الاستراتيجي الذي يزعم أن النجاح قائم في دولة تتبوأ أعلى مراتب الفساد في العالم.
هناك تكاليف باهظة لنجاح العملية السياسية في العراق، ولا أحد من المشاركين فيها يريد تسديدها، لأنه لا أحد أيضًا من سياسيي المنطقة الخضراء يريد التوقف عن حرق المليارات من أموال العراق في الفساد، فبمجرد اختلال المعادلة القائمة: سياسي فاسد مقابل شعب متضرر، سينفجر قدر الضغط الكاتم بوجه المنطقة الخضراء.
ذلك يعني أن “الغبار السياسي” الذي اشتراه كل من زار العراق من المسؤولين الدوليين خلال الأسابيع الماضية، لا يعني أن سوق العراق مزدهرة بالديمقراطية! فتلك وصفة قائمة للتزييف رسمها جورج بوش الابن وتوني بلير وصار العالم يتجنبها عندما يقدم له العراق كدرس تاريخي.
نتحدث هنا عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجا مِلوني ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ومديرة اليونسكو أودري أزولاي. دعك من وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، فهما يتصرفان “بتقليد سياسي قائم” باعتبار أن وزراء حكومة الإطار التنسيقي مجرد موظفين لديه!
هؤلاء جميعا تبضعوا من سوق الغبار السياسي في العراق معلبات فاسدة وقدموها للعالم بأنها سلعة سياسية معمرة، وتداولتها وسائل الاعلام خلافاً لحقيقتها الهزلية الفارغة. فلدى هؤلاء جميعا صورة مزيفة عما يمكن أن يحدث، وعرضوها على العالم أثناء زياراتهم إلى المنطقة الخضراء بانها حقيقية، وتلك معضلة الضمير السياسي إن وجد!
بالمقابل يمكن النظر الى زيارات السوداني لدول المحيط العربي بأن وهم سوق الغبار السياسي في العراق حافل بالبضائع الثمينة “مرة أخرى دعك من إيران فذهاب السوداني إلى طهران يعني تقديم فروض الولاء والطاعة” لكن عن أي أهمية يمكن أن نتحدث مثلا عن زيارة السوداني إلى القاهرة؟
ما الذي يمكن لمصر أن تقدمة إلى العراق؟ دع عنك الدعم السياسي فهو بلا قيمة اعتبارية، أما في الجانب الاقتصادي فلا توجد بضاعة مصرية تنافس المعروض في أسواق العالم، إذن على ماذا يبحث رئيس حكومة الإطار التنسيقي في القاهرة غير الاستعراض الفارغ؟
لقد أعطتنا العملية السياسية البائسة في العراق من يمكن أن نلومه على عقدين مرت فظيعة على العراقيين، لكن كل المسؤولين الدوليين الذين زاروا العراق خلال الأسابيع الماضية يعرفون بالتأكيد كيفية إعداد نموذج رسمي لمنتج سياسي يلحقه الخراب.
بالمقابل تبدو مشكلة محمد شياع السوداني، كما هي مشكلة بقية زعماء الأحزاب الطائفية والميليشيات لا يرون أنفسهم نفايات، وتلك معضلة أخلاقية قبل أن تكون سياسية ألا يرون حقيقة أنفسهم إلا حين يبدأ العراقيون في جمع النفايات عند استعادة وطنهم المخطوف.
غير أن المعلق السياسي مصطفى سالم كان يعبر بأكثر من ذلك، مطالبًا العراقيين بالإجابة عن السؤال الكبير، لماذا النفايات هي من تحكم؟
صحيح إن الغزاة والسلاح من فرضهم، لكن المجتمع تقبّل خيانتهم، ونتائج ما وصلنا إليه تؤكد أن المقاومة التي انطلقت من بغداد والمدن الغربية كانت على حق وعرفت أن النتائج ستكون بيع الوطن إلى إيران